الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الثاني
في الإيجاب والقبول عن طريق الكتابة
قال الزيلعي: «الكتاب كالخطاب»
(1)
.
وعند الحنفية: أن الكتاب من الغائب كالخطاب من الحاضر
(2)
.
وقال السرخسي: الكتاب أحد اللسانين
(3)
.
وقال أيضًا: «الكتاب قد يزور، والخط يشبه الخط
…
»
(4)
.
والكتابة أعم من اللفظ ومن الإشارة، وذلك أن جميع المعلومات إنما تعرف بالدلالة عليها بأحد أمور ثلاثة: بـ (الإشارة واللفظ والخط).
والإشارة تتوقف على المشاهد.
واللفظ يتوقف على حضور المخاطب، وسماعه.
وأما الخط فلا يتوقف على شيء، فهو أعمها نفعًا، وأشرفها، ولاشك أنه بالخط والقراءة ظهرت خاصة النوع الإنساني، وامتاز الإنسان عن سائر الحيوان، وضبطت الأقوال، وحفظت العلوم، وانتقلت من زمان إلى زمان
(5)
، فلولا الله سبحانه وتعالى ثم الكتابة لم نتمكن من قراءة كتاب الله سبحانه وتعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولكنا نسمع بالعلماء ولا نشاهد آثارهم، وإنما بقيت دعوة الأنبياء والرسل والمصلحين في العالم حية في قلوب الناس بفضل ما كتب من آثارهم وعلومهم.
(1)
تبيين الحقائق (4/ 3)، وانظر العناية شرح الهداية (6/ 254).
(2)
بدائع الصنائع (6/ 37).
(3)
المبسوط (25/ 31).
(4)
المبسوط (16/ 92).
(5)
كشف الظنون - حاجي خليفة (1/ 51).
[م - 52] والذي يخصنا هنا في هذا الباب، ما مدى دلالة الكتابة على الرضا في العقود؟
فلو كان التعبير عن الإيجاب عن طريق الكتابة بأي شكل من أشكالها، أو كان التعبير عن القبول عن طريق الكتابة، فهل ينعقد البيع؟
في ذلك خلاف بين أهل العلم.
فقيل: ينعقد البيع بالكتابة مطلقًا.
وهذا مذهب المالكية
(1)
، ووجه في مذهب الشافعية
(2)
.
وقيل: لا ينعقد البيع بها مطلقًا، وهو أحد الوجهين في مذهب الشافعية، ورجحه الشيرازي
(3)
.
(1)
المدونة (4/ 32)، الشرح الكبير (3/ 3)، حاشية الدسوقي (3/ 3)
وقال في الشرح الصغير (3/ 5): «والثالث: الصيغة، أو ما يقوم مقامها مما يدل على الرضا، وإليه أشار بقوله: (وما دل على الرضا) من قول أو إشارة أو كتابة من الجانبين أو أحدهما» .
(2)
قال البجيرمي في حاشيته (2/ 169): «والكتابة لا على ماء أو هواء كناية، فنعقد بها مع النية، ولو لحاضر كما رجحه السبكي وغيره» . وانظر مغني المحتاج (2/ 5)، أسنى المطالب (2/ 4). واعتبروا الكتابة نوعًا من الكناية يشترط معها النية.
وقال السيوطي في الأشباه والنظائر (ص: 308): «وحيث جوزنا انعقاد البيع ونحوه بالكتابة فذلك في حال الغيبة، فأما عند الحضور فخلاف مرتب، والأصح الانعقاد» .
وذكر النووي في بيع الحاضر بالكتابة، فقال في المجموع (9/ 179):«إذا تبايع حاضران بالكتابة، فقال أصحابنا: إن منعناه في الغيبة فهاهنا أولى، وإلا فوجهان» .
(3)
قال الشيرازي في المهذب (9/ 190): «وإن كتب رجل إلى رجل ببيع سلعة، ففيه وجهان، أحدهما: ينعقد البيع؛ لأنه موضع ضرورة.
(والثاني) لا ينعقد، وهو الصحيح فإنه قادر على النطق فلا ينعقد البيع بغيره».
وجاء في المجموع (9/ 315): «ولا يصح البيع بالكتابة، هذا ما نقله صاحب البيان، وهو ضعيف، بل الأصح صحة البيع بالكتابة» . وانظر مغني المحتاج (2/ 5).