الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صارفة، فكذلك هنا، فنحن لم نترك ظاهر اللفظ إلا عند تعذره، وكنا بين أمرين إما أن نأخذ بهذا الظاهر والذي تيقنا أنه غير مراد للعاقدين، وبالتالي نبطل العقد، وإما أن نترك هذا الظاهر لقرينة صارفة، ونعمل بالمعنى الذي أراده العاقدان، ولاشك أن إمضاء العقود خير من إبطالها بسبب لفظ ظاهر غير مراد، وإعمال الكلام خير من إهماله.
وجه من فرق بين القضاء وبين غيره:
أن المتكلم بصيغ العقود إذا قصد غير معناها نحو أن يقصد بقوله: أنت طالق، أي أنها طالق من زوج سابق، لا تلزمه هذه الصيغ فيما بينه وبين الله تعالى، وأما في الحكم فإن اقترن بكلامه قرينة تدل على ذلك لم يلزمه أيضًا؛ لأن السياق والقرينة تدل على صدقه، وإن لم يقترن بكلامه قرينة أصلًا، وادعى ذلك دعوى مجردة لم تقبل منه؛ لأنها خلاف الظاهر.
وهذا القول وسط بين القولين، خاصة أنه عند التنازع لابد من العمل إما بالبينة، أو بالظاهر، فإذا لم يوجد بينة أو قرينة تدل على عدم إرادة المعنى الظاهر علمنا بالظاهر، والباطن بينه وبين الله سبحانه وتعالى. والله أعلم.
* * *
الفرع الثالث
في الهزل في البيع
[م - 60] من البيع الصوري أن يكون المتعاقدان أو أحدهما هازلًا، ولم يقصد إنشاء العقد، فهل ينعقد بيع الهازل، أو يعتبر باطلًا لعدم قصد البيع.
اختلف العلماء في هذا،
فقيل: لا ينعقد بيع الهازل، وهذا مذهب الحنفية
(1)
، والمالكية
(2)
، ووجه في مذهب الشافعية
(3)
، والوجه المشهور في مذهب الحنابلة
(4)
.
وقيل: ينعقد، وهو قول في مذهب المالكية
(5)
،
وأصح الوجهين في مذهب الشافعية
(6)
، ووجه في مذهب الحنابلة، اختاره أبو الخطاب
(7)
.
وقيل: يقبل إن ادعى الهزل بقرينة، وهو قول في مذهب المالكية
(8)
، وقول
(1)
بدائع الصنائع (5/ 176)، المبسوط (24/ 55)، البحر الرائق (6/ 99)، حاشية ابن عابدين (4/ 507).
(2)
مواهب الجليل (4/ 231)، حاشية الدسوقي (2/ 351)، منح الجليل (4/ 436).
(3)
المجموع (9/ 204 - 205).
(4)
تصحيح الفروع (4/ 49)، وقال ابن اللحام في القواعد والفوائد الأصولية (ص: 84): «المشهور بطلانه» . وانظر كشاف القناع (3/ 150)، الإنصاف (4/ 266).
(5)
جاء في تفسير القرطبي (3/ 357): «ولو قال البائع: كنت لاعبًا، فقد اختلفت الرواية عنه، فقال مرة: يلزمه البيع، ولا يلتفت إلى قوله .. » .
وقال أيضًا (8/ 197): «اختلف العلماء في الهزل في سائر الأحكام، كالبيع والنكاح والطلاق على ثلاثة أقوال، لا يلزم مطلقًا، يلزم مطلقًا، التفرقة بين البيع وبين غيره، فيلزم في النكاح والطلاق .... ولا يلزم في البيع» .
(6)
. المجموع (9/ 204 - 205)، روضة الطالبين (6/ 51)،.
(7)
. تصحيح الفروع (4/ 49)، القواعد والفوائد الأصولية (ص: 84).
(8)
. جاء في تفسير القرطبي (3/ 357): «ولو قال البائع: كنت لاعبًا، فقد اختلفت الرواية عنه، فقال مرة: يلزمه البيع، ولا يلتفت إلى قوله، وقال مرة ينظر إلى قيمة السلعة، فإن كان الثمن يشبه قيمتها فالبيع لازم، وإن كان متفاوتًا كعبد بدرهم، ودار بدينار علم أنه لم يرد به البيع، وإنما كان هازلًا فلم يلزمه» .