الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد تبنى اتفاق فيينا نظرية استلام القبول في مادتيه (23) و (24): يقول الشيخ إبراهيم كافي: «نشير هنا إلى موقف اتفاق فيينا في هذه القضية- ذلك الاتفاق الذي يعتبر ممثلًا لأخر ما توصل إليه معظم الحقوقيين في العالم في هذا المضمار - وهو الانحياز إلى نظرية استلام القبول»
(1)
.
الراجح من هذه الأقوال:
هذه المسألة كما يقول عنها الشيخ الدكتور إبراهيم كافي بعد أن قدم بحثًا مميزًا في هذا الموضوع، يقول:«لا يمكن أن ننكر أن الموضوع يحتمل أكثر من وجه، ويوقع المرء في حيرة لا محالة»
(2)
.
وإذا كانت هذه المسألة من الصعوبة بمكان لعدم وجود أثر يقطع النزاع، فتبقى المسألة محل نظر واجتهاد وتلمس للحكم الشرعي بما يحفظ مصلحة البائع والمشتري، وبما يوافق القواعد العامة للشريعة، فالترجيح مني في مثل هذه الحال سيكون مجرد ميل واستحسان لقول على آخر، لا أكثر، فإذا رأينا أن
(1)
مجلة مجمع الفقه الإسلامي (6/ 2/ص: 1028).
(2)
مجلة مجمع الفقه الإسلامي (6/ 2/ ص: 1049).
الأصل عدم وقوع البيع حتى نتيقن أو يغلب على الظن وقوعه، وأن الأصل بقاء ما كان على ماكان، وأن القبول لا فائدة منه إلا بعد الاطلاع عليه.
وأن القول بنظرية الإعلان سوف يتضرر البائع دون المشتري، فالمشتري يده مطلقة في الثمن، بينما البائع لا يمكنه التصرف في المبيع حتى يعلم بالرفض، وقد يتأخر وصول هذا العلم كثيرًا، ويترتب على ذلك أضرار كبيرة، فأرى أن القول باشتراط العلم بالقبول أرفق بالبائع، وأكثر رعاية لمصالحه، هو أولى بالمراعاة من المشتري؛ لأن البيع إخراج للمبيع من ملكه، فيجب أن تكون الإرادة المفروضة مطابقة لمصلحة البائع عند عدم الاتفاق، كما أن الراجح فيما لو اختلف المتبايعان في عين المبيع فالقول ما يقول رب السلعة أو يتتاركان، فراعى هنا مصلحة البائع؛ لأن في ذلك إخراجًا للمبيع من ملكه بغير رضاه، فكذلك هنا نراعي مصلحة البائع، ونقول لا بد من علمه بالقبول لينتج للعقد أثره المترتب عليه، على أن استلام القبول قرينة على الاطلاع عليه إلا أن يثبت عكسه من سفر أو مرض لم يتمكن بسببه من الاطلاع،
وإذا كانت القاعدة الشرعية أن دفع المفسدة مقدم على جلب المصلحة، فإن القول باشتراط العلم بالقبول فيه دفع للمفسدة الواقعة على البائع، بينما الأخذ بنظرية الإعلان فيه جلب مصلحة للمشتري، في الوقت الذي قد يتضرر البائع، فإن قيل: تأخير القبول قد يلحق ضررًا بالمشتري. قيل في الجواب عن ذلك الأصل عدم وقوع الشراء، والثمن غالبًا ما يكون متعلقًا في الذمة، فلا أحد يملك أن يقيد يده من التصرف، بخلاف البائع فإن القول بالاكتفاء بالقبول يكف يد البائع عن التصرف في المبيع إلى حين يعلم هل قبل أو رفض المشتري، وفي ذلك ضرر بين، وإن كنت أنصح في مثل هذه العقود أن يشترط البائع أن يكون
الإيجاب موقتًا بوقت إذا لم يصل إليه القبول في خلاله يكون في حل من إيجابه، كما هو مذهب المالكية فهذا يحل الإشكال من أساسه، ولا يجعل البائع معلقًا لا يتمكن أن يستغل المبيع انتظارًا لقبول قد يقع وقد لا يقع، وقد يفوت عليه عروضًا كثيرة ربما تكون أهم من العرض الذي قدمه للمشتري.
وقد استعرض مجمع الفقه الإسلامي هذه المسألة وقدمت خلال دورته بحوث قيمة ناقشت هذه المسألة بإسهاب، واختلفت أراء أصحاب البحوث فيها كحال مسائل الخلاف، وكان قرار المجلس قد أخذ بنظرية الإعلان، وإليك نص القرار.
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17 إلى 23 شعبان 1410 الموافق 14 - 20 آذار (مارس) 1990 م بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع إجراء العقود بآلات الاتصال الحديثة، ونظرًا إلى التطور الكبير الذي حصل في وسائل الاتصال وجريان العمل بها في إبرام العقود، لسرعة إنجاز المعاملات المالية والتصرفات، وباستحضار ما تعرض له الفقهاء بشأن إبرام العقود بالخطاب والكتابة وبالإشارة وبالرسول .... قرر:
1 -
إذا تم التعاقد بين غائبين لا يجمعهما مكان واحد، ولا يرى أحدهما الآخر معاينة، ولا يسمع كلامه، وكانت وسيلة الاتصال بينهما الكتابة أو الرسالة، أو السفارة (الرسول) وينطبق ذلك على البرق والتلكس والفاكس، وشاشات الحاسب الآلي (الكمبيوتر) ففي هذه الحالة ينعقد العقد عند وصول الإيجاب إلى الموجه إليه وقبوله.
2 -
إذا تم التعاقد بين طرفين في وقت واحد، وهما في مكانين متباعدين، وينطبق هذا على الهاتف واللاسلكي، فإن التعاقد بينهما يعتبر تعاقدًا بين
حاضرين، وتطبق على هذه الحالة الأحكام الأصلية المقررة لدى الفقهاء المشار إليها في الديباجة.
3 -
إذا أصدر العارض بهذه الوسائل إيجابًا محدد المدة يكون ملزمًا بالبقاء على إيجابه خلال تلك المدة، وليس له الرجوع عنه.
4 -
إن القواعد السابقة لا تشمل النكاح لاشتراط الإشهاد فيه، ولا الصرف لاشتراط التقابض، ولا السلم لاشتراط تعجيل رأس المال.
5 -
ما يتعلق باحتمال التزييف أو التزوير أو الغلط يرجع فيه إلى القواعد للإثبات
(1)
.
* * *
(1)
مجلة مجمع الفقه الإسلامي (6/ 2/ص: 1267) هذا موقف أغلب الفقهاء في المجمع الفقهي، وأما القوانين العربية فقد كان موقفهم مختلفًا، حيث انقسموا إلى قسمين:
الأول: أخذ بنظرية إعلان القبول.
من ذلك القانون الأردني إذا نصت المادة (101) مدني على أنه إذا كان المتعاقدان لا يضمهما حين العقد مجلس واحد يعتبر التعاقد قد تم في المكان والزمان اللذين صدر فيهما القبول، ما لم يوجد اتفاق أو نص قانوني يقضي بغير ذلك».
ومثل القانون الأردني القانون اللبناني (م 184) والسوري (م 98)، والمدونة التونسية (م 28).
الثاني: أخذ بنظرية العلم بالقبول.
من ذلك القانون المدني المصري ففي المادة 97 مدني: «1 - يعتبر التعاقد بين الغائبين قد تم في المكان والزمان اللذين يعلم فيهما الموجب بالقبول، ما لم يوجد اتفاق أو نص قانوني يقضي بغير ذلك.
2 -
ويفترض أن الموجب قد علم بالقبول في المكان والزمان اللذين وصل إليه فيهما هذا القبول». وانظر (91) من القانون نفسه.
ومثل القانون المصري القانون العراقي (م 87)، والقانون المدني الجزائري (67)، والقانون المدني الكويتي (م 49).
وقد تبنى النظام الأنجلو الأمريكي نظرية تصدير القبول، وتبنى القانون الألماني (م 130) والنمساوي نظرية استلام القبول.
ويقول الشيخ إبراهيم كافي في مجلة مجمع الفقه الإسلامي (6/ 2 ص: 1016): «وبالرغم من أن حقوقيي القرن التاسع عشر كانوا منقسمين إلى فئتين رئيسيتين تفضل إحداهما نظرية إعلان القبول، وتفضل الأخرى العلم بالقبول، فإن معظم الحقوقيين في وقتنا الحاضر وكذلك معظم التشريعات الحديثة في اتجاهين يميل إحداهما إلى ترجيح نظرية تصدير القبول، والأخر يميل إلى ترجيح نظرية استلام القبول» .