الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعندئذٍ يصح أن يقال: إن هذه المعادن لا تنطوي حكمًا على أي قيمة مالية حية ..... فكذلك الشأن في ا لكتاب في الزمن الماضي.
أما اليوم وقد ظهرت الآلات الطابعة التي تقذف الواحدة منها عشرات النسخ من الكتاب في الدقيقة الواحدة فلم يعد يكلف إخراج النسخة الواحدة إلا مبلغًا زهيدًا من المال، هو في مجموعه قيمة الورق ونفقات الآلة
…
وأمام ضمور كلفة استخراج النسخة الواحدة تبرز قيمة المضمون العلمي له، تلك القيمة التي ظلت خفية أو ضامرة بسبب ضخامة القيمة التي كان يستحقها استخراج النسخة الواحدة منه
(1)
.
الدليل الرابع:
إذا كان العلم من فروض الكفاية، وكان قربة وطاعة فكيف يجوز أخذ العوض على ما هو واجب، ويراد به وجه الله والدار الآخرة.
فالتأليف الشرعي من أفضل القرب التي يتقرب بها العبد إلى ربه، وإذا كان ذلك كذلك فإن أساس العبادة ولبها هو إخلاصها لله، وتنزيهها عن شوائب الشرك بحظوظ النفس. قال تعالى:{قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي} [الزمر:14].
ويجاب:
هذا الدليل مركب من دليلين، ويجاب عن كل واحد بمفرده،
(1)
مجلة مجمع الفقه الإسلامي - العدد الخامس - الجزء الثالث (ص: 2402).
أما القول بأن ن الواجب لا يجوز أخذ العوض عليه.
فيقال: لا مانع من أخذ المال على ما هو واجب على الإنسان، وذلك لأن التأليف اليوم حرفة ومهنة، فكيف يقوم الإنسان بمعاشه، ومعاش من يعوله إذا لم يكن لما بذله من جهد مضن وشاق ووقت كثير أي مردود مالي، بل إن الجهد البدني أخف بكثير من الجهد الذهني، فقد تأخذ مسألة فقهية من طالب علم أيامًا كثيرة، وهو يصرف الجهد والوقت في البحث عنها ليقدمها للقراء، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الإمامة العظمى، وهي من أعظم فروض الكفاية في الأمة، إذا اختير شخص ليكون إمامًا للأمة وخليفة لها أجرى له بيت المال رزقًا على عمله، يعول نفسه وولده، وهذا إمام الصلاة والمؤذن والقاضي، ومعلم القرآن والحديث والفقه يجري لهم أرزاق من بيت المال، فالمؤلف مثلهم، فإذا لم يجر له هذا المال من بيت مال المسلمين فما المانع أن يأخذ هذا الحق من منفعة كتبه مستغنيًا بذلك عن هبات الحكام وعطاياهم، والتي ربما قد تكون ثمنًا لدينه، وقد تحمله على أن يتقاعس عن القيام بواجبه.
وأما الجواب عن أخذ العوض الدنيوي عما يراد به الدار الآخرة، فلا حرج فيه شرعًا، وإنما الحرج لو كان الباعث على التأليف هو الدنيا وحدها، وأما إذا كان الباعث هو الرغبة في الأجر، أو كان الباعث أمرًا مشتركًا (الدين والدنيا) فلا يقدح هذا في إخلاص المرء ودينه.
كما قدمنا في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من قتل قتيلًا فله سلبه»
(1)
.
وقوله صلى الله عليه وسلم «إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله»
(2)
.
(1)
البخاري (3142)، ومسلم (1751).
(2)
البخاري (5296).