الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني
في حكم البيع وبيان أركانه
الفصل الأول
في حكم البيع
بعد أن عرفنا البيع، وأنه مبادلة مال بمال، وأخذنا تصورًا شاملًا عن تعريف المال، وأقسامه، والأثر الفقهي لهذه الأقسام نأتي في هذا الفصل في بيان حكمه؛ لأن الحكم على الشيء يجب أن يكون بعد معرفته، وتصوره.
[م - 31] وقد اتفق الفقهاء على جواز البيع في الجملة، «قال ابن عبد السلام: كما أن حقيقته معلومة لكل الناس، فحكمه من الإباحة معلوم من الدين بالضرورة، فالاستدلال المذكور على ذلك في الكتب والمجالس إنما هو على طريق التبرك بذكر الآيات والأحاديث مع تمرين الطلبة على الاستدلال»
(1)
.
وقد دل على جوازه الكتاب والسنة، والإجماع، والمعقول.
أما الكتاب فقول الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275].
وقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282].
وقوله تعالى: {إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ} [النساء: 29].
وقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلًا} [البقرة:198].
(1)
مواهب الجليل (4/ 227).
وأما السنة فأحاديث كثيرة، من بيعه صلى الله عليه وسلم، وشرائه، وإذنه في البيع، ووقوعه بحضرته.
(ح - 14) ومن هذه الأحاديث: ما رواه مسلم من طريق أبي الأشعث،
عن عبادة بن الصامت مرفوعًا، وفيه: (فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد
(1)
.
(ح - 15) ومنها ما رواه البخاري ومسلم من طريق شعبة، عن قتادة، عن صالح أبي الخليل، عن عبد الله بن الحارث رفعه،
إلى حكيم بن حزام رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، أو قال: حتى يتفرقا. فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما
(2)
.
وقال ابن قدامة: «أجمع المسلمون على جواز البيع في الجملة»
(3)
.
وأما المعقول فقال ابن قدامة: «والحكمة تقتضيه - يعني تقتضي جوازه- لأن حاجة الإنسان تتعلق بما في يد صاحبه وصاحبه لا يبذله بغير عوض ففي شرع البيع وتجويزه شرع طريق إلى وصول كل واحد منهما إلى غرضه ودفع حاجته»
(4)
.
ومع أن قولنا: إن البيع جائز في الجملة، فقد يعرض للبيع الأحكام الخمسة:
فقد يكون محرمًا، كما في البيوع المنهي عنها، كبيع الميتة، والدم، والخنزير، والخمر.
وقد يكون واجبًا، كما لو كان البيع على من اضطر إلى شراء طعام أو شراب
(1)
صحيح مسلم (1587).
(2)
صحيح البخاري (2079)، ومسلم (1532).
(3)
المغني (4/ 3).
(4)
المرجع السابق.
لإنقاذ مهجة، وبعضهم اعتبر الواجب هنا التمليك، وليس البيع نفسه
(1)
، ومثل له بعضهم ببيع القاضي مال المفلس بشروطه
(2)
.
وقد يكون مندوبًا، كما في بيع الطعام زمن الغلاء، ومثله بيع الكتب النافعة مع النية الصالحة.
وقد يكون مكروهًا، كما في البيوع المكروهة، وذلك نحو تلقي الجلب، وبعضهم يمثل في البيع والشراء ممن أكثر ماله حرام، وقد اختلط بالحلال.
* * *
(1)
مغني المحتاج (2/ 39).
(2)
المرجع السابق، وانظر حواشي الشرواني (4/ 322).