الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعليل المالكية:
لما عرض المتقدم عطاء لزمه ذلك العطاء، وليس وجود عطاء أكثر منه يعتبر إبراء له مما تقدم به.
(1)
.
تعليل من قال: لا يلزمه
.
أن العمل والعرف قد جرى في أكثر البلاد أن البيع لا يلزمه إذا زاد عليه غيره، والمعروف عرفًا كالمشروط شرطًا.
الراجح:
أن يقال: إن في هذا تفصيلًا:
إن كان البائع هو مالك السلعة، فإن له الحق أن يبيع سلعته ممن يشاء، وذلك أن البائع قد لا يرغب في التعاقد مع صاحب العطاء الأكثر إما لأنه مماطل، أو لأنه قليل الخبرة في القيام بما تعاقدا عليه كما لو كان المطلوب عملًا معينًا، أو كان عسرًا في تعامله أو قاسيًا على الدابة كما لو كان المباع حيوانًا، أو لغير ذلك من الأعمال، وأما إذا كان البائع وكيلًا فلا يجوز له أن يمضي البيع لصاحب العطاء الأقل إلا بإذن صاحبه، وكذلك الشأن في عقود المناقصات، وما يباع في المزاد من أملاك الدولة لا يجوز أن يباع على صاحب العطاء الأقل، لأن البائع
(1)
البيان والتحصيل (8/ 476).
وكيل عن المسلمين ممثلين في بيت المال، وإلا حصل في هذا الأمر تلاعب لا يخفى قد تضيع فيه الأموال العامة بحجة أنه يجوز أن يرسو المزاد على صاحب العطاء الأقل
(1)
.
وبعد كتابة هذا النص وقفت على كلام للشيخ الزرقاء رحمه الله، يحسن أن أنقله بحروفه: قال الشيخ: «الذي يظهر في الجواب التفصيل بين حالين:
فإذا كانت المزايدة جارية بطريق المزاد العلني الذي تقع فيه الزيادات متعاقبة إذ يزيد الواحد زيادة يطلع عليها سواه ويزيد عليه، فإن كل زيادة تقع تبطل ما قبلها، وتكون هي الإيجاب المنفرد الذي يصح أن يبني عليه قبول ملزم؛ لأنه العرف، ولأن انتظار البائع وتطلعه إلى زيادة جديدة إلى أن تقع هو إعراض عن الإيجاب الواقع بسابقتها، والإيجاب يبطل بالإعراض.
(1)
وقد ذهبت القوانين العربية إلى الأخذ بما قاله الأبياني، يقول القانون المدني المصري مادة (99):«لا يتم العقد في المزايدات إلا برسو المزاد، ويسقط العطاء بعطاء يزيد عليه، ولو كان باطلًا» .
بل رأت أن العطاء الأكثر يسقط العطاء الأقل، ولو كان العطاء الأكثر باطلًا كما لو كان الإيجاب صادرًا من شخص يحضر عليه القانون شراء ذلك الشيء المعروض للبيع كما لو صدر الإيجاب من رجال القضاء والنيابة العامة، ففي المادة (471) من القانون المدني المصري «لا يجوز للقضاة ولا أعضاء النيابة ولا للمحامين ولا لكتبة المحاكم ولا للمحضرين أن يشتروا لا بأسمائهم، ولا باسم مستعار الحق المتنازع فيه، كله أو بعضه، إذا كان النظر في النزاع يدخل في اختصاص المحكمة التي يباشرون أعمالهم في دائرتها، وإلا كان البيع باطلًا.
وخالف في هذا القانون الكويتي فقد أخذ بمذهب المالكية، انظر المادة (79) مدني كويتي، في حالة المزايدات التي تجري داخل مظروفات، فقررت أنه لا يسقط عطاء المتزايد بعطاء أفضل، ويكون للداعي إلى المزاد أن يقبل من العطاءات المقدمة ما يراه أصلح .. ».
وبهذا الحكم تتميز المزايدة عن بيع المساومة العادي بأن الإيجاب فيها يبطل بعمل شخص ثالث مزاحم غير المتبايعين، ومثل ذلك يقال في المناقصة.
وأما إذا كانت المزايدة أو المناقصة جارية بطريق الظرف المختوم بأن يرسل المتزاحمون معروضاتهم في الأسعار دون أن يعلم أحدهم بما قدم الآخر، ثم تفتح هذه المعروضات فإنها تعتبر بحكم إيجابات متعددة، فيصح للطرف الآخر - أي البائع في حال المزايدة والمشتري في حال المناقصة - أن يبني قبوله على ما شاء منها، فيلزم صاحبه، ولو كان ما قد قبله هو الأقل في حال المزايدة، أو الأكثر في حال المناقصة.
على أن هذا الاختيار لا يصح في المزايدات أو المناقصات التي تروجها الدوائر الرسمية من فروع الحكومة فيما تحتاج إلى بيعه وشرائه؛ لأنها لا يجوز لها أن تختار من الأسعار المعروضة إلا ما هو أوفق لمصلحة بيت المال العام، وهو السعر الأكثر في حال المزايدة، والأقل في حال المناقصة «
(1)
.
* * *
(1)
العقود المسماة في الفقه الإسلامي - عقد البيع (ص: 167).