الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الثاني
في مالية حق المؤلف
هذا قسم من الحقوق المعنوية، وهو حق المؤلف
(1)
.
وهذا الحق نوعان:
الأول: حق أدبي لا يقبل المعاوضة، ولا يدخل في مسمى المال، ويشمل أربعة أمور: حق المؤلف في تقرير نشر مؤلفه، وحقه في نسبة مصنفه إليه، وحقه في دفع الاعتداء على مصنفه، وحقه في سحب مصنفه من التداول وحرقه متى ما رأى أن هناك خطأ علميًا ارتكبه.
النوع الثاني: حق مالي يقبل المعاوضة، وهو حق صاحبه في اختصاصه بالمنفعة المالية التي تمكنه من استعماله واستغلاله وبيعه، وهذا هو مقصود البحث.
[ن- 4] وقد اختلف الفقهاء في توصيف هذا الحق:
فذهب بعضهم إلى أن حق المؤلف ليس حقًا ماليًا
(2)
.
(1)
المعاملات المالية المعاصرة - وهبة زحيلي (ص: 584).
(2)
راجع مجلة المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي، نصف سنوية، العدد الثاني، سنة 1408 هـ وانظر كتاب فقه النوازل - بكر أبو زيد (2/ 101 - 187).
وذهب آخرون إلى أنه حق مالي
(1)
.
واختلف القائلون بأنه حق مالي: هل هذا يعني أنه من حقوق الملكية، أو من حقوق الاحتكار.
فذهب بعض القانونيين إلى أنه من أقدس حقوق الملكية.
وعلل ذلك:
إذا كانت الملكية تطلق على استحواذ الإنسان على أشياء مادية قد لا تكون من نتاج عقله ولا من صنع يده، فإن إطلاق الملكية على نتاج ذهن الإنسان وتفكيره أولى، فهي تتصل بالصميم من نفسه، وتظهر فيها شخصيته، واعتزازه بها، وحرصه عليها، أكثر من حرصه على ملكية أمور مادية لم يكن من نتاجه، ولا من عمل فكره.
وذهب آخرون إلى أنه ليس من حقوق الملكية، وإن كان له حق في الجزاء المالي على عمله، ولكن هذا الجزاء ليس هو الملكية التي تتنافى طبيعتها مع طبيعة الفكر، بل هو الحق المالي للمؤلف أو المخترع في احتكاره، واستثمار فكره لمدة معقولة.
فالملكية: حق استئثار مؤبد، في حين أن حق المؤلف أو المخترع حق استغلال مؤقت.
والملكية تؤتي ثمارها بالاستحواذ عليها، والاستئثار بها.
أما الفكر فعلى النقيض من ذلك إنما يؤتي ثماره بالانتشار، وليس
(1)
ذهب إلى ذلك مجموعة من أهل العلم، على رأسهم المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وسوف أنقل قراره بإذن الله. وانظر كتاب الاقتصاد الإسلامي والقضايا الفقهية المعاصرة - السالوس (2/ 748).
بالاستئثار، وبالانتقال من شخص إلى آخر بحيث يمتد إلى أكبر مجموع ممكن من الناس.
وإذا كان صاحب الفكر هو الذي ابتدع نتاج فكره، فالإنسانية شريكة له من وجهين:
وجه تقضي به المصلحة العامة، إذ لا تتقدم الإنسانية إلا بفضل انتشار الفكر.
ووجه آخر يرجع إلى أن صاحب الفكر مدين على نحو ما لأهل العلم قبله، ففكره ليس إلا حلقة في سلسلة تسبقها حلقات، فهو إذا كان قد أعان من جاء بعده، فقد ا ستعان بمن سبقه، ومقتضى ذلك ألا يكون حق المؤلف حقًا مؤبدًا كما هو شأن الملكية المادية
(1)
.
ويظهر ذلك جليًا في البحوث الشرعية، فإن جل مادة هذه البحوث مأخوذة من التراث، من كتاب الله، ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن أقوال الصحابة وفقهاء هذه الأمة، وهذا التراث ليس ملكًا للباحث حتى يدعي أن ذلك من حقوق الملكية.
لهذا يرى بعض الباحثين أن أقصى مدة لاستغلال الورثة للحق الناشئ عن الإنتاج الفكري هي ستون عامًا من تاريخ وفاة مورثهم، وذلك قياسًا على أقصى مدة للانتفاع عرفها الفقه، وهي الانتفاع بحق الحكر، وهو حق القرار على الأرض الموقوفة للغرس، أو البناء بطريق الإجازة الطويلة باعتبار أن أصل هذا القياس هو كون الإنتاج الفكري نسبي الابتكار؛ لاعتماده على تراث السلف، وهو حق عام للأمة بمثابة الموقوف على جهة عامة
(2)
.
(1)
انظر الوسيط في شرح القانون المدني الجديد - السنهوري (8/ 277 - 281)
(2)
انظر حق المؤلف. د نواف كنعان (ص: 27)، وانظر دراسة شرعية لأهم العقود المستحدثة - محمد مصطفى الشنقيطي (2/ 742)، حق الابتكار في الفقه الإسلامي المقارن، فتحي الدريني (ص: 121).
وهذا الكلام يمكن تعقبه، بأن يقال:
إن قولكم: (الملكية تؤتي ثمارها بالاستحواذ عليها، والاستئثار بها، وأما الفكر فلا يؤتي ثماره إلا بالانتشار، وليس بالاستئثار).
فيقال: إن الاستئثار المقصود في الملك في الفقه الإسلامي ليس معناه احتواء الشيء من قبل المالك، وإنما معناه أن يختص به دون غيره، فلا يعترض عليه أحد في التصرف فيه، والتصرف في الأشياء حسب طبيعتها، لذلك تختلف طبيعة التصرف في الشريعة من نوع إلى آخر
(1)
.
وأما قولكم بأن حق المؤلف ليس حقًا مؤبدًا، والملكية تعني الاستئثار المؤبد.
(2)
.
(1)
الفقه الإسلامي والحقوق المعنوية. د. عبد السلام العبادي، بحث مقدم لمجلة مجمع الفقه الإسلامي - العدد الخامس - الجزء الثالث (ص: 2473).
(2)
المرجع السابق، الصفحة نفسها.