الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس
مبطلات الإيجاب
المبحث الأول
رجوع الموجب قبل صدور القبول
[م - 73] إذا رجع الموجب عن إيجابه قبل صدور القبول، فهل يبطل الإيجاب، هذه المسألة ناقشتها بالتفصيل فيما سبق من خلال الكلام على الآثار المترتبة على تحديد مجلس العقد، وبينت أن الجمهور قد اختلفوا في هذه المسألة مع المالكية،
فذهب الجمهور إلى أن للموجب حق الرجوع عن إيجابه مطلقًا قبل أن يتصل به القبول، وإذا رجع بطل الإيجاب
(1)
.
(1)
. انظر مجلة الأحكام العدلية (مادة: 184)
ويقول في بدائع الصنائع (5/ 134): «صفة الإيجاب والقبول: هو أحدهما لا يكون لازمًا قبل وجود الآخر
…
» وانظر العناية شرح الهداية (6/ 253)، الفتاوى الهندية (3/ 8).
وقال النووي في المجموع (9/ 199): «إذا وجد أحد شقي العقد من أحدهما اشترط إصراره عليه حتى يوجد الشق الآخر» .
وإذا كان الحنابلة يقولون بخيار المجلس كما سيأتي إن شاء الله تحرير الخلاف فيه، وهو يقتضى جواز رجوع الموجب عن إيجابه حتى بعد صدور القبول من الطرف الآخر، فمن باب أولى أن يصح رجوعه قبل اتصال القبول به.
وقد مشى القانون الأردني على قول الجمهور، انظر المادة 96/ مدني، وانظر مصادر الالتزام في القانون المدني الأردني. د أنور سلطان (ص:56).
وفي نظرية العقد للسنهوري ذكر في حاشية (1/ 244): «وفي القانون الإنجليزي: يجوز للموجب أن يعدل عن إيجابه قبل اقتران القبول به، حتى لو كان قد حدد مدة للقبول، وضرب بولوك لذلك مثلًا: رجل عرض على آخر في الصباح أن يبيعه سلعة، وانتظره إلى الساعة الرابعة بعد الظهر ليبت في الشراء، ففي هذه الحالة يجوز للموجب أن يعدل عن إيجابه، ويبيع السلعة لآخر حتى قبل حلول الموعد المضروب، ما دام الطرف الآخر لم يقبل الصفقة» .
بل اعتبر بعضهم لو صدر القبول مع الرجوع في وقت واحد، اعتبر الرجوع، وبطل به الإيجاب.
قال ابن الهمام: «لو صادف رد البائع قبول المشتري بطل»
(1)
.
وقيل: لا يبطل الإيجاب، وليس للموجب حق الرجوع مطلقًا إذا صدر بصيغة الماضي، أو صدر بغير الماضي وكان هناك قرينة أنه أراد البيع
(2)
، أما إذا كانت الصيغة بغير الماضي، ولم يكن هناك قرينة أنه أراد البيع، وادعى أنه ما أراد البيع، فيحلف، ويصدق، وهو مذهب المالكية
(3)
.
وقيل: إذا حدد الموجب إيجابًا محدد المدة يكون ملزمًا بالبقاء على إيجابه خلال تلك المدة، وليس له الرجوع عنه، اختاره بعض المالكية
(4)
، ورجحه مجمع الفقه الإسلامي
(5)
.
وقد ذكرنا أدلة هذه الأقوال في بحث متقدم، فأغنى عن إعادته هنا.
* * *
(1)
شرح فتح القدير (6/ 254).
(2)
مثلوا للقرينة الدالة على أنه أراد البيع كما لو كان في الكلام تردد، فجاء في حاشية الدسوقي (3/ 4):«تردد الكلام يدل على أنه غير لا عب، وذلك كأن يقول المشتري: يا فلان بعني سلعتك بعشرة، فيقول: لا، فيقول له بأحد عشر، فيقول: لا، ثم يقول البائع: أبيعكها باثني عشر، فيقول المشتري: قبلت، فيلزم البيع، ولا رجوع للبائع بعد ذلك؛ ولو حلف أنه لم يرد البيع» . اهـ
فلو أنه أراد الرجوع بعد قوله: أبيعكها باثني عشر قبل صدور القبول لم يكن له الرجوع، ولو كان بصيغة المضارع؛ لأن هناك قرينة على أنه أراد البيع.
(3)
انظر تفسير القرطبي (3/ 357) مواهب الجليل (4/ 240 - 241) ويقول ابن رشد في المقدمات (2/ 98): «والذي يأتي على المذهب أن من أوجب البيع من المتبايعين لصاحبه لزمه إن أجابه صاحبه في المجلس بالقبول، ولم يكن له أن يرجع عنه قبل ذلك .. » .
وانظر حاشية الدسوقي (3/ 4) وشرح الزرقاني على مختصر خليل (6/ 5 - 6).
(4)
انظر مواهب الجليل (4/ 239).
(5)
انظر قرار رقم (54/ 3/6) ومجلة مجمع الفقه الإسلامي (6/ 2/ص: 1268).
واختار هذا القانون الأردني، فقد نصت المادة (98) من القانون المدني على أنه:«إذا عين ميعاد للقبول التزم الموجب بالبقاء على إيجابه إلى أن ينقضي هذا الميعاد» .
ويبين من هذا النص أن الموجب إذا حدد ميعادًا للقبول أو ظهر من الظروف أنه يقصد إعطاء ميعاد معقول لذلك، بقي ملتزمًا هذه المدة بعدم العدول عن إيجابه، وأن الإيجاب غير الملزم هو الذي خلا من تحديد هذه المدة، وكان التعاقد بين حاضرين. وانظر نظرية العقد للسنهوري (1/ 244).