الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مكان واحد، لأنه قد يكون مكان أحدهما غير مكان الآخر كما مر علينا في البيع عن طريق المكاتبة أو المراسلة، وإنما المراد باتحاد المجلس: الوقت الذي يكون فيه المتعاقدان مشتغلين فيه بالتعاقد.
فمجلس العقد: هو الحال التي يكون فيها المتعاقدان مقبلين على التفاوض في العقد، ما لم يفصل بين الإيجاب والقبول فاصل أجنبي يعتبر إبطالًا للإيجاب، كرجوع الموجب عن إيجابه قبل القبول، أو إعراض القابل عن هذا الإيجاب باشتغاله بشيء آخر غير العقد، فإذا لم يوجد شيء من ذلك صح القبول الصادر منه مهما طال الوقت.
وبناء عليه يكون اتحاد المجلس في العقد عن طريق الهاتف: هو زمن الاتصال، فما دامت المحادثة في شأن العقد قائمة اعتبر المجلس قائمًا، وإذا انتقلا إلى حديث آخر اعتبر المجلس منتهيًا
(1)
.
المسألة الثانية:
هل يثبت خيار ما يسمى (خيار المجلس) في البيع بالهاتف عند القائلين به، وهما الشافعية والحنابلة، وإذا قلنا بثبوته فكيف نكيفه؟
قال النووي: «لو تناديا، وهما متباعدان، وتبايعا صح البيع، وأما الخيار:
فقال إمام الحرمين: يحتمل أن يقال: لا خيار لهما؛ لأن التفرق الطارئ يقطع الخيار، فالمقارن يمنع ثبوته.
قال: ويحتمل أن يقال: يثبت ما داما في موضعهما، فإذا فارق أحدهما موضعه بطل خياره، وهل يبطل خيار الآخر أم يدوم إلى أن يفارق مكانه، فيه
(1)
انظر المدخل في التعريف بالفقه الإسلامي (ص: 423)، المدخل الفقهي العام - مصطفى الزرقاء (فقرة: 171).
احتمالان للإمام، وقطع المتولي بأن الخيار يثبت لهما ما داما في موضعهما، فإذا فارق أحدهما موضعه، ووصل إلى موضع لو كان صاحبه معه في الموضع عد تفرقا، حصل التفرق، وسقط الخيار، هذا كلامه، والأصح في الجملة ثبوت الخيار، وأنه يحصل التفرق بمفارقة أحدهما موضعه، وينقطع بذلك خيارهما جميعًا.
وسواء في صورة المسألة كانا متباعدين في صحراء، أو ساحة، أو كانا في بيتين من دار، أو في صحن، وصفة، صرح به المتولي، والله أعلم»
(1)
.
وفي بيع الهاتف اختلف الفقهاء المعاصرون في ثبوت خيار المجلس في الهاتف.
فقيل: لا يوجد خيار مجلس في الهاتف؛ لأن قوله: «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا» إذا حملنا التفرق على تفرق الأبدان، وهو الصحيح، فإن الأبدان قد تفرقا بهما، فأحدهما في المشرق، والآخر في المغرب، فقضية خيار المجلس ينبغي ألا يحدث لأن الوسائل الحديثة أحدثت لنا طريقة أو وضعًا غير موجود في حديث الخيار، ولا يدل عليه الحديث إلا بتمحص وتكلف وقياسات لا يدل عليها الحديث، فتحقيق المناط غير متحقق في هذا».
وذهب آخرون إلى أنه يمكن لنا أن نحدد مجلس العقد في بيع الهاتف.
يقول الأستاذ علي الخفيف رحمه الله: «إذا استعملا التلفون بالتعاقد كانا كحاضرين، فيدوم مجلس العقد ما دامت محادثتهما في شأنه، فإذا انتقلا منه إلى حديث في موضوع آخر انتهى مجلس العقد
…
»
(2)
.
(1)
المجموع (9/ 214).
(2)
أحكام المعاملات حاشية (ص: 192).