الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في الإيمان والصلاة والزكاة حيث جعل الشارع لها حقيقة شرعية، بل ترك هذا لما يتعارف الناس على أنه مال، فالعربي الذي نزل القرآن بلغته حينما يسمع لفظة (المال) يفهم المراد منها، كما يفهم ما يراد بلفظ السماء والأرض، ولذلك نجد بعض أصحاب المعاجم اللغوية يقولون:«المال معروف»
فإذا سمع العربي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه»
(1)
فهم المراد من المال بالطريقة التي يفهم بها كلمة العرض، وكلمة النفس من غير رجوع إلى اصطلاح خاص.
وعندما قامت المذاهب الفقهية واستعمل لفظ المال مرادًا به معان اصطلاحية انشغل الفقهاء بوضع تعاريف له، وقد قام بهذا الصدد اصطلاحان رئيسيان: اصطلاح الحنفية، واصطلاح الجمهور
(2)
.
المال في اصطلاح الحنفية:
عرف الحنفية المال بعدة تعريفات، فعرفه بعضهم بقوله:«المال ما يميل إليه الطبع، ويمكن ادخاره لوقت الحاجة»
(3)
.
زاد صاحب مجلة الأحكام العدلية: «منقولًا كان أو غير منقول»
(4)
.
شرح التعريف:
قوله: «ما يميل إليه الطبع» خرج بذلك لحم الميتة.
(1)
صحيح مسلم (2563).
(2)
مجلة المجمع الفقهي (5/ 2475).
(3)
كشف الأسرار (1/ 268)، البحر الرائق (5/ 277)، غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر (4/ 5)، حاشية ابن عابدين (4/ 501).
(4)
درر الحكام شرح مجلة الأحكام (1/ 115 - 116) المادة 126.
وقوله: «يمكن ادخاره لوقت الحاجة» خرج بذلك شيئان:
أحدهما: ما لا يمكن ادخاره لحقارته كحبة حنطة مثلًا، فلا تعتبر مالًا.
وثانيهما: خرج بقوله ما يمكن ادخاره المنافع والديون، فإنهما لا يمكن ادخارهما، وبالتالي لا تعتبر مالًا عند الحنفية
(1)
.
وقد يؤخذ من قوله (ما يمكن حيازته وادخاره) إطلاق المال على الشيء الذي يقبل الحيازة والادخار، ولو كان ذلك قبل حيازته كالسمك في الماء، والطير في الهواء؛ لأنه قال: مما يمكن حيازته، ولم يشترط الحيازة الفعلية.
وكنت أظن أن الحنفية يقصدون بالادخار الإحراز، وليس الادخار المعروف في باب الزكاة، وذلك لأن هناك من الأعيان ما هو مال، ولا يمكن ادخاره كبعض أنواع البقول والخضر والفواكه، ولكن هذا التفسير يعكر عليه قولهم في تبيين الحقائق:«المال عبارة عن إحراز الشيء، وادخاره لوقت الحاجة في نوائب الدهر»
(2)
.
(1)
انظر المرجع السابق.
(2)
تبييين الحقائق (5/ 234)، وعرفه بعض الحنفية بقوله:
المال: هو الشيء الذي خلق لمصالح الآدمي، ويجري فيه الشح والضنة. انظر كشف الأسرار (1/ 268).
وعرفه محمد بن الحسن بأن «المال كل ما يمتلكه الإنسان من نقد وعروض وحيوان» انظر البحر الرائق (2/ 242)، وذكر صاحب كتاب العناية شرح الهداية تعريف محمد هذا بشيء من التفصيل، فقال:«المال كل ما يتملكه الناس من دراهم أو دنانير، أو حنطة أو شعير، أو حيوان أو ثياب، أو غير ذلك» .
وهذا التعريف قريب من التعريف اللغوي بإطلاق المال على العروض باختلاف أنواعها، وعلى الحيوان، فإن كان ذكر النقد والعروض والحيوان على سبيل الحصر، فهو تعريف يتمشي مع جمهور الحنفية الذين يرون المنافع ليست داخلة في مسمى المال، وإن كان ذكرها على سبيل المثال فهو لا يمنع من دخول المنافع؛ لأنها من جملة ما يملكه الإنسان، لكن يبقى مخالفًا لتعريف جمهور الحنفية، وحمل التعريف على ما يتمشى مع تعريف المذهب أولى، والله أعلم.
ويمكن أن يقال: إن في التعريف زيادة على تعريفات الحنفية، فقوله:«المال كل ما يمتلكه الإنسان» هل أراد أن الشيء لا يكون مالًا حتى يكون مملوكًا كما هو مقرر في اللغة، فالطير في الهواء والسمك في البحر لا يعتبر مالًا قبل تملكه، فالمعروف من تعريفات الحنفية أنهم لا يشترطون تملك العين، بل يكفي إمكانية إحرازه وتملكه، وكما قلنا سابقًا كل ما أمكن حمل التعريف ليوافق بقية التعريفات في المذهب أولى من حملها على الاختلاف، فنقول: إن هذه التعريفات متقاربة، وهي لا تعبر عن اختلاف بين أراء قائليها، وإنما هو اختلاف في العبارة فحسب، والمراد عندهم واحد