الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخامس: حق التعلي
(1)
:
هو أن يكون لإنسان الحق في أن يعلو بناؤه بناء غيره على وجه الاستقرار والدوام، بقي أو تهدم كل منهما.
ويتحقق ذلك في دار لها سفل وعلو، ويكون مالك السفل غير مالك العلو، ويكون للعلو حق القرار والبقاء على ذلك السفل دون أن يتملك سقفه.
كما يتحقق ذلك في دار مكونة من ثلاث طبقات فأكثر، يبيعها مالكها لثلاثة أشخاص فأكثر، لكل شخص طبقة من طبقاتها، فيكون للأعلى حق التعلي والقرار على من يليه، ولمن يليه حق التعلي والقرار على من يليه، وهكذا إلى أرضها
(2)
.
السادس: حق الجوار
(3)
:
يراد بالجوار هنا الجوار الجانبي، وهو الناشئ عن الملاصقة بالحدود؛ لأن الجار العلوي داخل في حق التعلي كما سبق
(4)
.
ويرى أبو زهرة أن حق الجوار لا يدخل في حق الارتفاق؛ لأن حق الارتفاق: تكليف وعبء على عقار لمنفعة عقار آخر، وهو من نوع الشركة في العين التي تعلق بها الارتفاق، فإذا كان لعقار حق الشرب من مجرى يجري في عقار آخر كان بين صاحبي العقارين شركة في حق الشرب.
(1)
التعلي من العلو، وهو ضد السفل. والعالي نقيض السافل، وقد علا يعلو علوا، وهو عال. قال تعالى:{إن فرعون علا في الأرض} [القصص: 4].
(2)
انظر الهداية شرح البداية (3/ 46)، حاشية ابن عابدين (5/ 52)، المدخل في الفقه الإسلامي - أحمد فرج حسين (ص: 368).
(3)
مصدر: جاور الرجل مجاورة، وجوارًا: إذا ساكنه من باب قاتل، والاسم: الجوار بالضم.
(4)
أحكام المعاملات الشرعية - علي الخفيف (ص: 79).
أما حقوق الجار فتقوم على منع الضرر بالجار ضررًا بينًا فاحشًا في سبيل انتفاع الشخص بملكه، فهي تقييد لانتفاع الشخص بملكه بقيد أن لا يضر بجاره.
وبعبارة موجزة، أن الفرق بينهما: أن حق الارتفاق: حق إيجابي متعلق بالعقار. وأما حق الجوار فحق سلبي ليس إلا منعًا للضرر
(1)
.
* * *
(1)
الملكية ونظرية العقد لأبي زهرة (ص: 111).
الفرع الثالث
في إحداث حقوق ارتفاق جديدة
[م - 14] سبق لنا أن ذكرنا ستة أنواع من حقوق الارتفاق، وهي حق الشرب، وحق المجرى، وحق المسيل، وحق المرور، وحق التعلي، وحق الجوار، ولم يتعارف قديمًا على غير هذه الحقوق، فهل يحق إنشاء حقوق ارتفاق أخرى سوى ما ذكر، في هذا خلاف بين العلماء،
فيرى الحنفية أنه لا يجوز لمالك عقار أن ينشئ على عقاره حقوق ارتفاق أخرى؛ لأن في إنشائها تقييدًا للملكية التامة، والأصل فيها أنها لا تقبل التقييد، وما قيدت بتلك الحقوق إلا استثناء، ولا يتوسع في الاستثناء.
ولأن المنافع والحقوق ليست بأموال عندهم فلا يصح أن تكون محلًا للمعاوضة استقلالًا، أما إذا دخل هذا الحق في العقد تبرعًا، فإن هذا التبرع يعتبر إعارة، وهي لا تفيد التزامًا، فيصح له أن يرجع في إعارته، مع أن حقوق الارتفاق ثابتة دائمة لا يملك معطيها الرجوع فيها.
ويرى بعض العلماء، ومنهم المالكية أن المالك حر فيما ينشئ على عقاره من حقوق لعقار غيره، وأن الحقوق لم تكن محصورة فيما سبق ذكره، فإذا كان لشخص قطعة أرض معدة للبناء بجوار داره، فباعها، واشترط على المشتري أن لا يقيم بناء ملاصقًا لبنائه، أو أن يبني بارتفاع معين لا يتجاوزه، وقبل المشتري، تم العقد، وصح الشرط
(1)
.
(1)
راجع في هذا (الحق والذمة - الشيخ علي الخفيف ص: 64) وكتاب المدخل للفقه الإسلامي د. محمد سلام مدكور (ص: 510 - 511)، المدخل إلى نظرية الالتزام العامة (ص: 47).
وهذا يتمشى مع مذهب الحنابلة الذين يجيزون الشروط كلها إلا شرطًا خالف نصًا، أو خالف مقتضى العقد، وقد سبق لنا الكلام على خلاف العلماء في إحداث شروط جديدة، وما هو الأصل في الشروط، والحمد لله، فليرجع إليه من شاء.
* * *
الفرع الرابع
في مالية حقوق الارتفاق
ليست حقوق الارتفاق على حكم واحد في مذاهب أهل العلم، فقد تجد في المذهب الواحد من يعتبر بعض هذه الحقوق حقًا ماليًا يجوز الاعتياض عنه، بينما يمنع بيع حق آخر لعلة عنده أوجبت التفريق، فالحنفية الذين يمنعون من بيع حقوق الارتفاق بمفردها، ويرون أن المنافع ليست أموالًا يرون جواز بيع حق المرور.
والحنابلة مثلًا يمنعون بيع حق الشرب، كما يرون أن للجار أن يضع خشبة على جدار جاره، وليس له أن يمنعه من ذلك، فضلًا عن أن يطالبه بعوض مالي مقابل ذلك، بينما ذكروا في حق آخر حكمًا مختلفًا، فجاء في الروض المربع:«وإن صالحه على أن يجري على أرضه أو سطحه ماء معلومًا صح لدعاء الحاجة إليه، فإن كان بعوض مع بقاء ملكه فإجارة، وإلا فبيع»
(1)
.
ولما كان ذلك كذلك، وطلبًا لأن يكون البحث دقيقًا رأيت أن أعرض هذه الحقوق حقًا حقًا، وأحرر الخلاف فيها ليقف طالب العلم على حكم كل مسألة بانفرادها، أسأل الله وحده عونه وتوفيقه.
* * *
(1)
حاشية الروض المربع (5/ 147).