الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول
في أقسام الإيجاب والقبول
المبحث الأول
في انقسام ولإيجاب والقبول وإلى صريح وكناية
تنقسم ألفاظ الإيجاب والقبول إلى صريح وكناية
(1)
:
ويدور الصريح على معنيين لدى الفقهاء:
المعنى الأول: الصريح بمعنى: الخالص، ومنه قوله في الحديث:(هذا صريح الإيمان) أي خالصه
(2)
.
فيكون معنى اللفظ الصريح في البيع: هو اللفظ الذي يستعمل في البيع خاصة دون غيره، كقوله: بعت، وقول المشتري: اشتريت.
(1)
الصريح في اللغة: قال ابن فارس: الصاد والراء والحاء، أصل منقاس، يدل على ظهور الشيء وبروزه. انظر معجم مقاييس اللغة (3/ 347).
وهو مأخوذ من صرح الشيء بالضم، صراحة، وصروحة.
والعربي الصريح: هو خالص النسب. والجمع: صرحاء.
وصرح بما في نفسه - بالتشديد - أخلصه للمعنى المراد، أو أذهب عنه احتمالات المجاز والتأويل.
والكناية: قال ابن فارس: الكاف والنون والحرف المعتل، يدل على تورية عن اسم بغيره، يقال: كنيت عن كذا: إذا تكلمت بغيره مما يستدل به عليه، وكنوت أيضًا. انظر معجم مقاييس اللغة (5/ 139).
ومنه قول الشاعر: وإني لأكنو عن قذور بغيرها
…
وأعرب أحيانًا بها فأصارح
(2)
رواه مسلم (132).
وهذا يوافق مذهب الشافعية.
يقول السيوطي: «الصريح: اللفظ الموضوع لمعنى لا يفهم منه غيره عند الإطلاق، ويقابله الكناية»
(1)
.
ولذلك لا يعتبرون اللفظ صريحًا إذا لم يرد في الشرع استعماله، وإن شاع استعماله في العرف.
(2)
.
المعنى الثاني: الصريح بمعنى البين الواضح، ومنه قوله: صرح فلان بالقول: إذا بينه وقصد الإخبار عنه.
فيكون معنى اللفظ الصريح في البيع: ما يفهم منه لفظ البيع مما يستعمل فيه كثيرًا وإن استعمل في غيره، مثل جعلته لك، وخذه، وتسلمه
(3)
، وهو لك، والله يربحك فيه؛ لأن هذه الألفاظ وإن استعملت في البيع وغيره إلا أنه قد كثر استعمالها في البيع وعرفت به، فصارت بينة واضحة في بابها، كالغائط الذي وضع للمطمئن من الأرض، ثم استعمل على وجه المجاز في إتيان قضاء الحاجة، فكان فيه أبين وأشهر منه فيما وضع له، وكذلك في مسألتنا مثله
(4)
.
(1)
الأشباه والنظائر للسيوطي (ص: 293).
(2)
المنثور في القواعد (2/ 306 - 307).
(3)
انظر إعانة الطالبين (3/ 3).
(4)
ويقول الباجي في المنتقى (7/ 6): «الصريح في كلام العرب على وجهين:
أحدهما: أن يريد بالصريح الخالص، الذي يستعمل في الطلاق دون غيره، أو وضع له دون غيره، ولذلك روي في الحديث:(هذا صريح الإيمان) أي خالصه.
والوجه الثاني: أن يريد بالصريح البين، من قولهم: صرح فلان بالقول: إذا بينه، وقصد الإخبار عنه، فإذا قلنا: إن معنى الصريح الخالص: فمعنى قولنا: صريح الطلاق: أن هذا لفظ وضع لهذا المعنى دون غيره أو يستعمل فيه دون غيره، فإن الصريح لفظ الطلاق خاصة؛ لأنه موضوع له دون غيره، ويكون معنى كنايات الطلاق: ما وضع له أو لغيره أو يستعمل في هذا المعنى وفي غيره، كلفظ سرحتك وفارقتك وخليتك .... فإن قلنا: إن معنى الصريح البين، فإن الصريح من الطلاق: ما يفهم منه لفظ الطلاق مما يستعمل فيه كثيرًا كفارقتك وسرحتك وخليتك وبنت منك وأنت حرام؛ لأن هذه الألفاظ وإن استعملت في الطلاق وغيره إلا أنه قد كثر استعمالها في الطلاق وعرفت به، فصارت بينة واضحة في إيقاع الطلاق، كالغائط الذي وضع للمطمئن من الأرض، ثم استعمل على وجه المجاز في إتيان قضاء الحاجة، فكان فيه أبين وأشهر منه فيما وضع له، وكذلك في مسألتنا مثله».
وهذا هو مذهب الجمهور في تعريف الصريح من الكناية:
يقول الكاساني الحنفي: «الصريح اسم لما هو ظاهر المراد، مكشوف المعنى عند السامع، من قولهم صرح فلان بالأمر: أي كشفه وأوضحه، وسمي البناء المشرف صرحًا لظهوره على سائر الأبنية»
(1)
.
وعرف الكاساني كناية الطلاق: بأنه كل لفظ يستعمل فيه وفي غيره
(2)
.
وذكر القرافي المالكي في تعريف الصريح بأنه: كل لفظ يدل على معنى لا يحتمل غيره إلا على وجه البعد.
والكناية: هي اللفظ المستعمل في غير موضعه لغة
(3)
.
وقال ابن قدامة: «الصريح في الشيء ما كان نصًا فيه، لا يحتمل غيره إلا احتمالًا بعيدًا»
(4)
.
(1)
بدائع الصنائع (3/ 101).
(2)
المرجع السابق (3/ 105).
(3)
الفروق (3/ 152).
(4)
المغني (7/ 294).
وهذا التعريف نفس تعريف القرافي.
هذا هو التعريف الاصطلاحي للصريح والكناية، وبيان الخلاف بين الجمهور والشافعية.
وكما قسم الفقهاء التعبير إلى صريح وكناية، قسم فقهاء القانون التعبير عن الإرادة إلى صريح، وضمني، أو مباشر وغير مباشر
(1)
.
(1)
وفي تعريف الصريح والضمني قولان:
الأول: يرى أن الفرق بين التعبير الصريح والضمني يرجع إلى استعمال الأسلوب المألوف وغير المألوف.
فالتعبير يكون صريحًا إذا كان أسلوب الإفصاح عن الإرادة من قول أو كتابة، أو إشارة، أو نحو ذلك من الأساليب الموضوعة للكشف عن هذه الإرادة حسب المألوف بين الناس.
أو يقال: التعبير الصريح: هو التعبير الذي لم يقصد به إلا غرض واحد، هو الإفصاح عن الإرادة.
ويكون التعبير ضمنيًا إذا لم يكن أسلوب الإفصاح من بين الأساليب التي ألف الناس استعمالها للكشف عن الإرادة، ولكن لا يمكن تفسيره إلا بافتراض وجود هذه الإرادة، مثل ذلك أن يتصرف شخص في شيء ليس له، ولكن عرض عليه أن يشتريه، فذلك دليل على أنه قبل الشراء، إذ يتصرف تصرف الملاك، وكالدائن يسلم سند الدين للمدين، فهذا دليل على أنه أراد انقضاء الدين، ما لم يثبت عكس ذلك.
أو يقال: التعبير الضمني: هو التعبير الذي يقصد به غرض آخر غير الكشف عن الإرادة، ولكنه يؤدي إلى الإفصاح عن الإرادة.
والقول الثاني: يرى أن التعبير الصريح: هو التعبير المباشر، والضمني: هو التعبير غير المباشر.
فالتعبير المباشر: هو سواء كان قولًا أو كتابة أو إشارة هو الذي يقصد به إيصال العلم بالإرادة مباشرة إلى من توجه إليه هذه الإرادة.
وغير المباشر: هو الذي لا يراد به إيصال العلم بالإرادة مباشرة، بل يستدل به بطريق غير مباشر على وجود هذه الإرادة. انظر نظرية العقد - السنهوري (1/ 152 - 154)، مصادر الالتزام في القانون الأردني. الدكتور أنور سلطان (ص: 47).
وإذا عرفنا هذا التقسيم لدى القانونيين، فإن القانون لا يشترط طريقًا خاصًا للتعبير عن الإرادة:
يقول السنهوري: «لا يشترط القانون في الأصل طريقًا خاصًا في التعبير عن الإرادة، فأي مظهر من مظاهر التعبير صريحًا كان أو ضمنيًا، مباشرًا كان أو غير مباشر يصح» . انظر نظرية العقد (1/ 150).
وفي القانون الأردني: «التعبير عن الإرادة يكون باللفظ، وبالكتابة، وبالإشارة المعهودة عرفًا، ولو من غير الأخرس، وبالمبادلة الفعلية الدالة على التراضي، وباتخاذ أي مسلك آخر لا تدع ظروف الحال شكًا في دلالته على التراضي» . انظر المادة (93) مدني.
فالأصل في القانون أنه يجوز أن يكون التعبير عن الإرادة ضمنيًا إلا في حالتين:
الأولى: أن ينص القانون أو القضاء على أن يكون التعبير صريحًا في بعض الحالات، ويراد من ذلك تنبيه العاقد قبل التعاقد إلى وجه الخطر فيما هو مقدم عليه، فلا يبرم الأمر إلا بعد التروي، وإلا بعد أن تصدر منه إرادة صريحة.
الثاني: أن يتفق الطرفان على أن يكون التعبير صريحًا، كما لو اتفق المؤجر مع المستأجر على أنه لا يجوز لهذا الأخير إحداث تغيير في العين المؤجرة إلا بإذن صريح من المؤجر. انظر نظرية العقد (1/ 151)، مصادر الالتزام في القانون المدني الأردني (ص: 46).
الفرع الأول
اللفظ الصريح أهو عرفي أو شرعي
[م - 33] نتيجة لاختلاف الجمهور مع الشافعية في تعريف الصريح، اختلفوا فيما تثبت به الصراحة.
فالجمهور يرون أن الصريح يثبت بغلبة الاستعمال في العرف.
جاء في حاشية الشلبي على تبيين الحقائق: «الصريح ما كان ظاهر المراد لغلبة الاستعمال»
(1)
.
(1)
تبيين الحقائق (2/ 179).
وفي حاشية ابن عابدين: «الصريح ما غلب في العرف استعماله»
(1)
.
(2)
.
ويقول في موضع آخر: «ثم الكناية تنقسم إلى ما غلب استعماله في العرف في الطلاق، فيلحق بالصريح في استغنائه عن النية
…
لقيام الوضع العرفي مقام الوضع اللغوي»
(3)
.
(4)
.
بينما الشافعية يرون أن مأخذ الصريح ورود الشرع، ولذلك مر علينا قول الزركشي:«وأما ما لم يرد في الكتاب والسنة، ولكن شاع في العرف كقوله لزوجته: أنت علي حرام، فإنه لم يرد شرعًا الطلاق به، وشاع في العرف إرادته، فوجهان، والأصح التحاقه بالكناية»
(5)
.
(1)
حاشية ابن عابدين (3/ 252).
(2)
الفروق (1/ 176 - 177).
(3)
ا لمرجع السابق (3/ 156).
(4)
إعلام الموقعين (2/ 24).
(5)
المنثور في القواعد (2/ 306 - 307)، يمكن أن نقول: إن مذهب الشافعية في الصريح والكناية يمكن أن يقسم إلى قسمين:
الأول: ما ورد في الشرع استعماله من ألفاظ العقود والفسوخ وما جرى مجراهما، فهو من الألفاظ الصريحة؛ لأن عرف الشرع هو المتبع.
الثاني: ما لم يرد في الكتاب والسنة.
فإن شاع على ألسنة حملة الشرع، وكان هو المقصود من العقد، كلفظ التمليك في البيع، ولفظ الفسخ في الخلع، فالأصح عندهم أنه من الصريح.
وإن شاع في العرف فقط، كقول الرجل لزوجته: أنت علي حرام، ويقصد به الطلاق، فالأصح عندهم التحاقه بالكناية، هذا هو ملخص مذهب الشافعية. انظر المنثور في القواعد (2/ 306 - 307).
والصحيح رأي الجمهور، وأن مرد الصريح والكناية إلى العرف خاصة في باب المعاملات؛ لأن المعتبر في ذلك مقاصد الناس، وما يختارون في الدلالة عليها من الألفاظ، ولم نتعبد بلفظ شرعي لا يجوز تجاوزه.
* * *