الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث
إذا خالف القبول الإيجاب وكان في مصلحة الموجب
[م - 65] إذا قال البائع: بعتك هذا الثوب بعشرة، فقال المشتري: قبلت بعشرين، فهنا لم يطابق القبول الإيجاب، ولكن هذه المخالفة كانت لمصلحة الموجب، فهل ينعقد العقد؟
وهل يمكن تصور وقوع مثل ذلك؟
قد يقع مثل ذلك كما لو جرى بين البائع والمشتري مساومة على قيمة سلعة، فيطلب فيها البائع ثمنًا أكثر من الثمن الذي عرضه المشتري، ولا يتفقان، ثم يفكر البائع، فيقبل الثمن الذي عرضه المشتري، ويفكر المشتري فيقبل الثمن الذي طلبه البائع.
وقد يقصد المشتري نفع البائع كما لو كان قريبًا أو صديقًا.
فذهب الحنفية إلى أن العقد في هذه الحالة ينعقد، ويتوقف ثبوت الزيادة على قبول الموجب في المجلس؛ لأن رضا المشتري بعشرين رضا بالعشرة وزيادة، ولكن يتوقف قبول الزيادة على قبول الموجب لأنه تمليك، ولا يدخل شيء في ملكه بغير رضاه.
وكذلك إذا قال المشتري: اشتريت بعشرين، فقال البائع: بعتكه بعشرة، صح العقد بالعشرة، واعتبرت العشرة الزائدة حطًا وإبراء من البائع، فلا تحتاج إلى قبول
(1)
.
(1)
البحر الرائق (5/ 279)، الفتاوى الهندية (3/ 2)، حاشية ابن عابدين (4/ 526)
وذهب الشافعية إلى فساد العقد لعدم مطابقة القبول للإيجاب
(1)
.
كما أفسدوا العقد أيضًا لو أوجب البائع بألف مكسرة، فقبل المشتري بألف صحيحة.
أو أوجب البائع بألف مؤجل فقبل بألف حال.
أو أوجب بألف مؤجل إلى شهرين فقبل بمؤجل إلى شهر. فكل ذلك عندهم لا ينعقد، مع العلم أن الزيادة هنا متعلقة بالصفة، وليست بالعدد.
والراجح هو رأي الجمهور، ما دامت المخالفة لصالح الموجب من كل وجه؛ وذلك أن مبنى العقد على التراضي، وقد تحقق، والتوافق قد تم بالنسبة للمبلغ المتفق عليه، وما زاد فالموجب إما أن يقبله، وإما أن يرده؛ لأن الشيء لا يدخل في ملك الإنسان إلا برضاه.
نعم لو كانت المخالفة إلى خير وأفضل لكن ليست من كل وجه، وإنما من وجه دون وجه لا ينعقد العقد، إلا بموافقة الطرف الآخر، وذلك كما لو أوجب
(1)
قال النووي في المجموع (9/ 200): «وفي فتاوى القفال أنه لو قال: بعتكه بألف درهم فقال: اشتريت بألف وخمسمائة صح البيع قال الرافعي: هذا غريب وهو كما قال والظاهر هنا فساد العقد لعدم الموافقة» .
وفي حاشية البجيرمي (2/ 172): «وفي فتاوى القفال أنه لو قال: بعتك بألف درهم فقال: اشتريت بألف وخمسمائة صح البيع وهو غريب انتهى. وعليها أي: الصحة فلا يلزمه إلا الألف وحينئذ قد يقال: لا استغراب، ويفرق بين هذه الصورة وصورة المتن وهي قوله: فلو أوجب بألف مكسرة فقبل بصحيحة لم يصح بأن الزيادة في تلك زيادة صفة غير متميزة، فبطل العقد فيها، بخلاف الزيادة في هذه فإنها متميزة مستقلة فلم يفسد بسببها العقد، غاية الأمر أنها ألغيت ولم تلتزم انتهى.
قلت: لو قيل إن مسألة القبول بالألف الصحيحة أولى بالقبول؛ فإن الثمن لم يتغير من حيث العدد، وإنما تغير من حيث الصفة، والمنة فيه أيسر من المنة في زيادة الثمن.
البائع بعشرين دينارًا نقدًا، فقبل المشتري بأربعين نسيئة إلى شهر مثلًا، فلا ينعقد العقد، لأنه وإن كان الثمن المقبول أكثر مقدارًا، فقد تكون حاجة البائع أو رغبته في النقد العاجل، فيفوت غرضه
(1)
.
وقد صرح الحنفية بأن القبول المخالف يعتبر إيجابًا يحتاج إلى قبول، على مذهبهم باعتبار الإيجاب هو الصادر أولًا سواء من البائع أو المشتري، أو يعتبر قبولًا تقدم الإيجاب على مذهب الجمهور، فإن قبل البائع، تم البيع.
* * *
(1)
انظر المدخل الفقهي العام - الزرقاء (1/ 322).