الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الخامس
عرض البضائع مع بيان أثمانها إيجاب بمنزلة الصريح
[م - 38] لا يشترط في الإيجاب أن يكون موجهًا إلى شخص معين بالذات، بل يصح الإيجاب ولو كان موجهًا لشخص غير معين، كالإيجاب الموجه للجمهور؛ وذلك لأن الموجب لا يعنيه شخص من يوجه إليه الإيجاب، ولا يهمه إلا أن يبيع سلعته لأي شخص يتقدم لشرائها بالثمن الذي حدده لها.
ومن صوره:
عرض البضائع مع بيان أثمانها إيجاب بمنزلة الصريح، وإن لم يكن موجهًا لشخص بذاته.
وقوف عربات الركوب ونحوها في الأماكن المعدة لذلك يلحق بالصريح
(1)
.
ومنه ما يعرض في بعض الأسواق من نشرات شهرية تحمل أسعارًا مخفضة لبضائع محددة، ويكون الإيجاب فيها محددًا تارة بالمدة، فيقال: العرض سار من تاريخ كذا، إلى تاريخ كذا، وتارة يقال: العرض سار إلى نفاذ الكمية، فهذا إيجاب صريح مكتوب.
فإن كان العرض مطلقًا غير محدد بالزمن فليس على التاجر أن يكون مقيدًا بالثمن المكتوب في الإعلان، أو في النشرة إذا مضى بين صدور هذه الكتابة
(1)
انظر الوسيط - مصادر الالتزام (1/ 188)، المدخل إلى نظرية الالتزام العامة - الزرقاء (ص: 313).
ووصول قبول العميل وقت يمكن أن تتغير فيه الأسعار، أو كانت هناك ظروف خاصة اقتضت تغير الأسعار تغيرًا فجائيًا سريعًا
(1)
.
ومنه الإيجاب بطريق الإعلانات والنشر المتعامل بها إذا قامت دلائل تفيد قطعًا أن المراد به الإيجاب، وأما عند الشك فلا تعتبر إيجابًا، وإنما تعتبر دعوة إلى التفاوض
(2)
.
* * *
(1)
نظرية العقد - السنهوري (1/ 256)، وانظر مصادر الالتزام في القانون المدني الأردني - الدكتور أنور سلطان (ص: 48).
(2)
المدخل إلى نظرية الالتزام العامة - الزرقاء (ص: 313) ..
الفرع السادس
صلاحية الكنايات لإنشاء العقود المالية وغيرها
[م - 39] إذا عرفنا الفرق بين الصريح والكناية، فلا إشكال بأن الألفاظ الصريحة ينعقد بها البيع، ولكن السؤال المتبادر، ما مدى صلاحية ألفاظ الكناية لإنشاء العقود المالية، فهل يتوقف انعقادها على الألفاظ الصريحة فقط، أو يمكن أن تنعقد بالكناية أيضًا؟
في هذا خلاف بين الفقهاء،
فقيل: تصلح الكنايات لإنشاء الطلاق والخلع ونحوهما، وهذا مذهب الجمهور.
والعقود المالية من بيع ونحوه مقيس عليهما
(1)
، وذلك لأن الفقهاء جعلوا أحكام الصريح والكناية في باب الطلاق أصلًا
(2)
، ولا يعني هذا اختصاصه بالحكم، بل غيره من التصرفات مقيس عليه.
يقول ابن ملك الحنفي: «الصريح يستغني عن النية، كقولك بعت،
(1)
يلحظ الباحث أن كلام الفقهاء في الصريح والكناية أغلبه في باب الطلاق، يقاس عليه غيره من التصرفات، يقول ابن ملك الحنفي في شرحه (3/ 5):«الصريح يستغني عن النية، كقولك بعت، واشتريت، فإن المقصود حاصل بهما، نوى أو لم ينو، كالطلاق والعتاق» .
ويقول الرملي الشافعي في نهاية المحتاج (3/ 384) في باب البيع: «لا بد من قصد اللفظ لمعناه، كما في نظيره من الطلاق» .
(2)
ولعل السبب الذي حمل الفقهاء أن يبحثوا ألفاظ الصريح والكناية في باب الطلاق كثرة الألفاظ التي استعملها الناس في الطلاق، وكثير منها من باب الكنايات، مما حمل الفقهاء إلى دراسة ألفاظ الناس في هذا الباب، ولا يعني قصرها على باب الطلاق.
واشتريت، فإن المقصود حاصل بهما، نوى أو لم ينو، كالطلاق والعتاق»
(1)
.
ويقول الرملي الشافعي في باب البيع: «لا بد من قصد اللفظ لمعناه، كما في نظيره الطلاق»
(2)
.
(3)
.
وفي إعانة الطالبين: «صرح بالصيغة بقوله: بإيجاب وقبول
…
ثم هي على قسمين: صريح وكناية. والأول: مما دل على التمليك أو التملك دلالة ظاهرة، مما اشتهر، وكرر على ألسنة حملة الشرع، كبعتك، وملكتك
…
والثاني: ما احتمل البيع وغيره، كجعلته لك، وخذه، وتسلمه
…
»
(4)
.
كما صرح الفقهاء بأن ألفاظ القذف تنقسم إلى صريح وكناية
(5)
.
(1)
شرح ابن مالك (3/ 5).
(2)
نهاية المحتاج (3/ 384).
(3)
المنتقى (4/ 157).
(4)
إعانة الطالبين (3/ 3).
(5)
الإنصاف (10/ 210)، كشاف القناع (6/ 109).
وقسم الفقهاء ألفاظ العتق إلى صريح وكناية مما يدل على أن التقسيم ليس خاصًا في باب الطلاق
(1)
.
وعللوا ذلك بأن العتق إزالة ملك، فانقسم إلى صريح وكناية، ومقتضى التعليل إلحاق البيع به بالحكم بجامع أن كلًا منهما إزالة ملك
(2)
.
كما أن الوقف إزالة لملك الواقف، وقد قسموا ألفاظه أيضًا إلى صريح وكناية
(3)
.
وذكر ابن مفلح في الفروع بأن جميع العقود والشروط، إطلاق الاسم فيها يتناول المنجز والمعلق، والصريح والكناية، ونسب ذلك لابن تيمية
(4)
.
وذهب ابن حزم رحمه الله إلى أن لفظ الكناية لا يقع به بيع ولا طلاق
(5)
.
يقول ابن حزم: ولا يجوز البيع إلا بلفظ البيع، أو بلفظ الشراء، أو بلفظ يعبر به عن سائر اللغات عن البيع
…
"
(6)
.
(1)
العناية شرح الهداية (4/ 432 - 433)، الكافي في فقه الإمام أحمد (2/ 574).
(2)
المبدع (6/ 292)، المغني (10/ 278).
(3)
منار السبيل (2/ 6)، دليل الطالب (1/ 166)،.
(4)
الفروع (4/ 62).
(5)
المحلى (مسألة: 1415)، قال ابن حزم:«لا يقع الطلاق إلا بلفظ من أحد ثلاثة ألفاظ: إما الطلاق وإما السراح، وإما الفراق .... » ثم قال: «وما عدا هذه الألفاظ فلا يقع به طلاق البتة - نوى به طلاقًا أو لم ينو - لا في فتيا، ولا في قضاء، مثل الخلية، والبرية، وأنت مبرأة، وقد بارأتك، وحبلك على غاربك، والحرج، وقد وهبتك لأهلك
…
وهذه ألفاظ مختلفة الفتيا عن نفر من الصحابة رضي الله عنهم، ولم يأت فيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئ أصلًا، ولا حجة في كلام غيره عليه الصلاة والسلام، لا سيما في أقوال مختلفة ليس بعضها أولى من بعض .. ». انظر مسألة (1957 و 1958).
(6)
المحلى (مسألة: 1416)(7/ 232).