الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التراكيب إلى تركيب (بوب)، ودارسو ألفاظ اللغة يعلمون أن الواو والياء كثيرًا ما تعاقبان، ولأن معنى هذا التركيب اليائي يكاد يكون صورة من التركيب الواوي، وهو ما يؤكد ارتباط معاني التراكيب بمادة بنائها].
"البِيبُ - بالكسر: مَجْرَى الماء إلى الحوض. البِيبة: المَثْعَبُ الذي ينصبّ منه الماء إذا فُرّغ من الدلو في الحوض. البِيب: كُوَّة الحوض، وهو مَسيل الماء، وهي الصُنبور. بابَ فلانٌ: حفر كُوّة "[هذا الفعل ذكره التاج في (بوب) وقال إن محله (بيب) على الأفصح].
° المعنى المحوري
لهذا التركيب هو: منفذ دقيق يجرى منه أو فيه الماء: كمجرى الماء إلى الحوض، ومنفذه من الدلو إليه، والكُوّة التي ينفذ بها الماء من الحوض = الصنبور).
يلحظ أن المعنى المحوري لكل من (بوب) و (بيب) هو فتحة أو منفذ، لكنه في (بوب) في الاستعمال المشهور وهو الباب: منفذ في شيء يحجب ويحيط بما وراءه كالجدار. وهذا الحجب هو مقابل الاشتمال الذي تعبر عنه الواو. وفي (بيب) منفذ ضيق ممتد ولا بدّ، لأنه مجرى يوصل الماء إلي غير موضع تجمعه. وهذا الامتداد هو مقابل الياء.
•
(أبب):
{وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} [عبس: 31]
"أَبّ للسير يَئِبّ ويَؤُبّ .. : تهيّأ للذهاب وتجهَّز/ عزم على المسير وتهيّأ. وهو في أَبابه وأَبابته أي في جَهازه. الوَبّ: التهيُّؤ للحملة في الحرب، والأصل فيه أَبّ، فقلبت الهمزة واوًا. أبّ يدَه إلى سيفه: ردّها إليه ليستلّه ".
° المعنى المحوري
لاستعمالات هذا التركيب هو: التهيؤ للأمر تقدما أو ارتفاعا: كالتهيؤ للمسير (البعيد). وقَيْد البعد هذا مهم، ويؤخذ من إدخالهم العَزْم ضمن تفسير الأبّ، ومن التعبير بالمفارقة في تفسير قول الأعشى:
........................ {وكصارم
…
أخٌ قَدْ طَوَى كَشْحًا وأبّ ليذهبا}
[الكَشْحُ: الخاصرةُ. طَوَى كشحًا: أَعرَض وقاطع. يقول إن من تهيأ للمفارقة هو كمن صَرَمَ أي فارق]. وكالتهيؤ للحملة أي الهجوم على العدو في الحرب - والسير والهجوم تقدم، وكحركة اليد لاستلال السيف الذي يعلقه المقاتل إلى كَشْحه، فيردّ يده إلى الخلف قليلًا؛ ليمسك مقبضه، ويجذبه إلى أعلى لاستلاله.
ومن ذلك (الأبّ) في قوله تعالى: {أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ} [عبس: 25 - 32]. وقد ذكروا في المراد بالأبّ أكثر من عشرة أقوال [ينظر تاج]. وهي تَئُول إلى خمسة: (المرعى أو الكلأ، كلّ ما أنبتت الأرضُ، ما تأكله الأنعام، هو للدواب كالفاكهة للناس، الخَضِر). ويؤخذ من الآيات الثلاث الأول: أن الأبّ هو مما تنبته الأرض، ومن الآية الأخيرة: أنه هو وبعض القَضْب متاعُ الأنعام، كما يقنضيه توزيع النباتات المذكورة بين المخاطبين والأنعام، حسب المعروف من مواد غذاء كلٍّ منهما. "فالقَضْب يقع على القُرط (البرسيم المصري)، وعلى الرَطْبَةَ (: البرسيم الحجازي)، وعلى ما أُكِلَ (أي ما تأكله الدواب والأنعام) من أوراق الشجر ومن النبات المقتضب غضًّا "، وعلى ما قطع من أغصان الشجر للسهام والقِسِيّ. والأَبّ هو المرعى "والعُشْبُ وكلّ ما
ترعاه الماشية مما يَنْبُت من الأرض "، والكلأ كذلك، إلا أنه نُصّ في معنى الكلأ على أنه يقع على العُشْب الرَطْب كما يقع على اليابس منه، ولم يُنَصّ في معنى المرعى على ذلك، لكن الواقع يشهد أن المرعى يختلط فيه اليابس بالرَطْب. فالأبّ، والكلأ والمرعى كأنهن سواء من هذه الناحية، وتفسير الأبّ بأيٍّ منهما هو الدقيق.
ويؤيد هذا ما أنشده ابن دريد:
جِذْمُنا قَيْسٌ، ونَجدٌ دارُنا
…
ولنا الأبُّ به والمَكْرَعُ
فَقَرَنه بالكَرْع الذي هو شُرب الأنعام؛ فدل ذلك على أن الأَبَّ هو مرعاها [جذمنا قيس: أي أصلنا قبيلة قيس]. وكذلك قوله: {فأنبتَّ أَبًّا وغُلْبَ الشجر}
فقرنه بغُلْب الشجر، وهي عظامها، فدلّ على أنه من صغارها، كالغالب في حالة المَرعَى. والقَضْبُ أغصان دقيقة أيضًا. وفي حديث قُسّ:"فجعل يَرْتع أبّا، وأَصيدُ ضبّا "والرتْع للبهائم في المرعى (1).
(1) أ: لتوثيق ينظر [ل أبب]، [قر 19/ 223]، والغريبين للهروي 1/ 27، والتهذيب للأزهري 15/ 599 والمعاني للفراء 3/ 283.
ب: وبما حررناه - يستبعد تفسير (ثعلب) الأبّ بـ "كل ما أنبتت الأرض "؛ لأن مما تنبته ما ليس متاعا للأنعام، أي ما ليس مرعى أساسيًّا لها كالفواكه، ومنه ما هو سمٌّ لها كالدِفْلَى، وكذا يستبعد تفسير الفراء إياه بـ "كل ما تأكله الأنعام "؛ لأن التِبْن ليس من الأبّ، والبقرة الجلالة مثلًا تأكل الجِلة. ويستبعد تنظير (مجاهد) إياه بالفاكهة للناس؛ لأن الأَبّ علف أساسي - لا كالفاكهة، ثم إن هذا تخصيص لا أصل له. أما الخَضِر فإذا قُصِد المرعى الأخضر خاصة فهو تخصيص غير مؤصَّل، وإن كان يدخل في المرعى والكلأ. وأما ما قاله الزَبيدي [في أبب] من أن صواب كلمة (الخضر) أنها بالصاد المهملة الساكنة، وأنها هُذَلية = فإنه لم يفسر هذه الكلمة في (أبب)، ولا في (خصر)، =
هذا، وصورة تحقق المعنى المحوري، وهو التهيؤ .. في الأبّ: المرعَى، أنه متاح دائمًا. فهو ينبت بَعْليّا: أي دون أن يزرعه أحد، ولذا عرّفه صاحب المصباح بأنه "المَرْعَى الذي لم يزرعه الناس "، وهذا جيد لكنه ليس قيدًا في معنى الأب. ثم إن الأبّ ينمو أي يطول ويرتفع حتى تتمكن منه الدواب والأنعام، وليس كاللُسَاس: البقل الصغير الذي تنتفه الراعية بجحافلها، وهذا جانب آخر من كونه متاحًا، يُكْمِل تصديق تعريف بعضهم إياه بأنه المرعى المتهيئ للرعي.
ومن معنوي التهيؤ: "أبّ إلى وَطَنه: نَزَع (أي اشتاق) "فهذا تهيؤ نفْسيّ: اتجاه إلى الوطن، ونزوع نفسيّ إليه. وفي التاج "أَبَّ أَبَّهُ أي قَصَدَ قصْده "فهذا من التهيؤ إقبالًا، و "أَبْت أَبابته - كسحابة ورسالة: أي استقامت طريقته "هو كذلك من التهيؤ إقبالًا وتقدمًا واستمرارَ اتجاهٍ. وقالوا عن الظِباء: "إن أصابت الماء فلا عَباب (أي لا تشرب كثيرًا)، وإن لم تُصِب الماءَ فلا أَباب - كلاهما كسحاب: أي لم تأتبّ له ولا تتهيأ لطلبه "أي لا تَنْزِع إلى طلبه.
وقد ذكر صاحب المصباح هنا "الإِبّان: وقتُ الشيء. إبّانُ الفاكهة أي أوانُها "وهو من التهيؤ أي الوقت الذي تتاح فيه. أما "الأُباب - كرخام: مُعْظَم السيل، والموجُ: كالعباب، فقد قال أبو حيان وابن أم قاسم إنهما من إبدال العين همزة [تاج]؛ فلا يكونان من هذا التركيب. ولكن ارتفاع الموج - وكذا السيل - جيث يغطِّى، ويتوقع القريب منه أنه قد يغطيه - وهذا تهيؤ للتناول - يجوز أنهما من هذا التركيب.
= ولعل المقصود النبات القصير أو النَجْم - ولا وجه لهذا التخصيص أيضًا. وأخيرًا فإن تفسير الأبّ بـ (التبن)[التاج أَبب] تخصيص غريب؛ لأن كثيرًا مما يتأتى منه التبن ليس أصله مرعى كنبات القمح والشعير.
• (أبو):
{وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} [الكهف: 82]
[قال الفيروز آبادي إن "الأبَ "- يعني الوالد - أصلُه أَبَوٌ].
"يقال فلان يَأْبو هذا اليتيم إِباوةً: يغذوه كما يغذو الوالد وَلَده. ومالَهُ أبٌ يأْبوه، أي يَغْذوه ويربيه ".
° المعنى المحوري
لاستعمالات هذا التركيب هو: الغَذْو: كما هو واضح من الاستعمالين المذكورين. والغَذْو: إمدادُ البطن بما يقُوت البَدَن وينميه. ويؤيد ذلك ما جاء في تركيب [أبى] وسيأتي - من استعمالات تعبر عن امتلاء البطْن، ورفض الأكل أو شرب اللبن بسبب هذا الامتلاء. ومع القرب الصوتي بين الياء والواو، فإن هذا يُسَنِّى لنا الاحتجاج بما ورد من أحدهما في الآخر. وكذلك تركيب (أبب) الذي يعبّر - ضمنَ ما يعبّر - عن المرعى الذي هو غذاء للماشية. والخلاصة أن الأَبَ سُمَّى أَبًا لغذوه أولادَه ومَنْ يعُوله، أي إطعامهم، والسعي عليهم؛ من أجل ذلك.
والذي جاء في القرآن من هذا التركيب هو (الأب) بمعنى الوالد مفردًا ومثنى وجمعا حقيقة أو تغليبا. وهو في كلها مضاف. وقوله تعالى: {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ} [يوسف: 4] التاء بدل من ياء الإضافة [قر 9/ 121]{قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ} [البقرة: 133] تغليب. جاء في [قر 2/ 138]"سمى الله كلًّا من الجدّ إبراهيم، والعم (إسماعيل) أَبًا، وبدأ بذكر الجد، ثم إسماعيل العم لأنه أكبر من إسحاق "، وكذا {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} [النساء: 11] تغليب. وهذا كثير ومشهور. وأما {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ} [الأنعام: 74] فانظر (أزر).