الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
•
(أبى):
{وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة: 32]
"الآبية من الإبل: التي تَعاف (شربَ) الماء، وهي أيضًا التي لا تريد العَشاء. أَخَذَه أُباء من الطعام أي كَراهِيَةٌ له. أُوبِىَ الفصيلُ - للمفعول - عن لبن أمه أي: اتّخَم عنه لا يَرْضَعُها. الأَبيّ من الإبل: الممتنعة من العَلَفِ لسَنَقِها، والممتنعةُ من الفَحْل لقلة هَدَمها (الهدَم - محركةً: اشتهاؤها أن تُضرَب). ويقال: أخذ الرجلَ أُبَاءٌ من الطعام أي كراهية له ". "والأُباء - كرُخام: داء يأخذ العَنْزَ الأهليةَ من شَمّ أبوال الماعز الجبلية وهي الأَرْوَى
…
؛ فتمتنع من شرب الماء، ويقتلها الداء، فلا يكاد يُقْدَر على أكل لحمها من مرارته ".
° المعنى المحوري
لاستعمالات هذا التركيب هو: الامتناع عن الشيء امتناعًا تامًّا كراهةً له (أو إحساسًا بالاستغناء عنه وعدم الحاجة إليه): كحال الإبل المذكورة، والفصيل المتَّخِم، وكذلك الإِبِل السَنِقة (المُتْخَمة)، وكالممتنعة من الفَحْل، والعَنْز التي أَخذها الأُباءُ؛ فلا تشرب.
هذا، ومن جنس الاستعمالات المذكورة يقال:"أَخَذَ الرْجلَ أُباءٌ: إذا كان يأبى الطعامَ فلا يشتهيه. وأَبِيتُ من الطعام واللبن (كرَضِيت): إذا انتهيتَ عنه من غير شِبَع ".
ومن ماديّ الامتناع: "الأَبَاء - بالفتح والمد: القَصَب (وهو ما نسميه البُوص أو الغاب)، ويقال هو أَجَمة الحَلْفاءِ والقَصَب خاصة ". وقد رد ابن السراج (316 هـ) تسميتها إلى الامتناع "وذلك أنها تمتنع وتَأْبَى على سالكها "ونظّر أبو الحسن الأخفش (210 هـ) لهذه التسمية بقوله: "وكما يقال لها أَجَمة، من
قولهم: أَجِم الطعامَ: كَرِهه " [ل] (أي فلا يقبله أي لا يُنْفِذه في جوفه). وأضيف أنا تَنظيرًا آخر، وهو تسميتهم جماعة الشجر الكثيفة التي لا يُنْفَذ إلى ما بينها: "حَرَجة " (الحَرَج: الضِيق الشديد). ومن هذه الوجهة قولهم: "آبَى الماءُ: إذا امتنع؛ فلا تستطيع أن تنزل فيه إلا بتغرير " (أي بمخاطرة، من كثرته، أو عدم الوسيلة للخروج منه).
وأما قولهم: "كَلأٌ لا يُؤْبَى، أي لا ينقطع من كثرته، وفلان بحر لا يُؤْبَى، وعنده دراهم لا تُؤْبَى، أي لا تنقطع "، "وماء مُؤْبٍ: قليل، وآبَى أي نَقص "، فهذا كله من باب النقص والنفاد (يلحظ النفي في الاستعمالات الثلاثة الأولى) والنقص والنفاد يلزمهما عدم التناول، وهو مساوٍ للامتناع.
ومن ذلك "الإِباءُ: أشدُّ الامتناع. ورجل أبَّاء - كشدّاد: إذا أَبَى أن يُضام "وقد مر بنا أن سبب الامتناع كراهيةُ الشيء الممتنَع عنه. وبذا نستطيع تعريف الإِباء بأنه الامتناع الشديد من الشيء كراهةً له. وهذه الكراهة تتمثل - بعد استعمالها الأصلي الحسّيّ الذي ذكرناه - في معنويٍّ، هو الاستنكافُ من الضَيْم، أي كراهتُه ورفضُ ما يَمَسّ العِزّة. فإذا نقلنا ذلك إلى الكلام عن الجانب الأقدس في قوله تعالى:{وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ} [التوبة: 32] أصبح المعنى: يمتنع بكل السبل ألّا يتم نور الله، أي أن الله سبحانه يَعْظُم ويجِلّ سلطانه عن أن يعوق تمامَ نوره عائق، ولا يَقدِر شيءٌ ولا يتأتى لشيء، أو أمرٍ ما، أن يَمْنَع إتمام اللهِ نورَه، أي لا بد أن يتم نوره عز وجل.
وإذا انحدرنا إلى الإباء الباطل - إباء إبليس - وجدنا قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ} [البقرة: 34]. وعرفنا
من آيات أخرى أن ذلك كان إباءَ ما ظنه ضَيمًا في حقه، وهو السجود لآدم عليه السلام حيث قال:{أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف: 12، ص: 76].
وقد أضاف الإمام الرازي قيدًا مهمًّا لتحقق معنى الإباء، وهو "الاختيار "أي الامتناع اختيارًا، أي مع وجود القدرة على الامتثال. ولم أذكر هذا القيد قبلًا؛ لأنه ضروري عامّ، كالبَدَهِيّ، إذ لا يَصْدُق على من حالت ضرورةٌ بينه وبين عملٍ ما أن يعمله أنه أَبَى أن يعمله.
هذا، وإذا عدنا إلى تطبيقات الإباء في القرآن الكريم فإننا نجد امتناع الأَنَفة أو الكراهة، أي رفض ما عدّه إبليس والكفار ضَيْمًا (أو ما يقرب من هذا الباب) في إباء الكفار الإيمان كما في قوله تعالى:{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا} [الإسراء: 89][ونحوها آية الإسراء: 99 والفرقان: 5]. وعن فرعون خاصة {وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى} [طه: 56] وقريب من هذا المستوى موقف المنافقين {يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ} [التوبة: 8].
ثم تأتي "أبى "بمعنى الامتناع مجردًا عن قيد الاستنكاف وكراهة الضيم: كما في قوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا} [الأحزاب: 72]، لكن يبقى معنى كراهة الأمر سببًا للامتناع في قوله تعالى:{حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا} [الكهف: 77]، وقوله تعالى:{وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ} [البقرة: 282]، {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282].