الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
•
(تنر):
"كُلُّ مَفْجَر ماء: تَنُّور - كسَفُّود. والتَنُّور أيضًا: الذي يُخْتَبَزُ فيه ".
° المعنى المحوري
هو: امتلاء الجوف بشيء لطيف الجرم أو الحركة - ينفذ منه: كالماء وهو لطيف الجرم والحركة - في مَفْجَره، وكالنار - وهي لطيفة الجرم والحركة أيضًا - في جوف التنور. وكلاهما يخرج من جوف: فالماء من الأرض والنار في تجويف التنور أو منه، كما أن النار أصلًا كامنةٌ تُستخرج بالاقتداح.
وفي آية التركيب وكذا {وَفَارَ التَّنُّورُ} [المؤمنون: 27] فالمناسب للسياق والقصة الماءُ لا النار، كما قال تعالى في قصة نوح أيضًا:{وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} [القمر: 12]. والقول بأن التنور يطلق على تنوير الصبح له وجه من معنى التركيب - للُطف الضوء واسترساله - إن ثبت وروده عن العرب - لكن يبعد أن يكون هو المراد في آية التركيب؛ لأن الآية الأخرى تكاد تعيّن المراد، وبقرينة كلمة {فار} .
هذا وقد مر بنا قولهم: "كل مَفْجَرِ ماءٍ تَنُّورٌ ". وقد قالوا أيضًا: "تنانير الوادي: محافلُه. والتنّور أيضًا جبل عين الورد بالجزيرة "، قال في [تاج]"وهذا الجبل يجري نهرُ جيحان تحته "ففي هذه الاستعمالات ارتبط اللفظ بمواضع اجتماع الماء، مما يؤكد شيوع إطلاقه علي مَفْجَر الماء. كما أن التنور (نوع من الكوانين/ الذي يختبز فيه) معروف تمامًا عند العرب، وورد في الحديث الشريف:"في تنور أهلك "، ولعله الذي قصده ابن دريد بقوله:"لا تعرف له العرب اسمًا غير هذا "(1) فاللفظ كان معروفًا وشائعًا عند العرب بالمعنيين.
(1) المعرب للجواليقي تحـ ف. عبد الرحيم 213.
والصيغة التي ورد بها اللفظ معروفة أيضًا بل كثيرة مثل: سَبّورة، صَيُّور الأمر وصَيُّورته: عاقبته، وما بها دَيُّور: أحد، سَفُّود
…
الخ، بل إن الصيغة شائعة عند العامة.
أما ما قاله الأزهري من أن أصل بنائه "تنر "، ولا نعرفه في كلام العرب؛ لأنه مهمل، فقد قال ابن فارس والراغب في "تجر "إنه ليس في كلام العرب تاء بعدها جيم غير هذا اللفظ اهـ. ولم ينف هذا عربيته. ثم إن إرجاع تنور إلى تنر ليس ضربة لازب؛ فقد قال ثعلب إن أصلها تَنْوُور، أي أنه من النار، وهذا متوجه (1). ونضيف للمسألة أن كلام اللغويين في ما هو من كلام العرب وما ليس من كلامهم ينبغي أن يؤخذ بحذر، لسعة اللغة وعظمتها، وقد قال الشافعي رضي الله عنه: إن كلام العرب لا يحيط به إلا نبي - قال ابن فارس: وهذا كلام حَرِيّ أن يكون صحيحًا.
لقد وصف "المُنْجِد "التنّور بأنه تجويفة أسطوانية من فَخَّار تُجْعَل في الأرض ويُخْبَز فيها. وانطباق الأصل الذي ذكرناه علي هذا واضح. ومن الناحية الصوتية فإن "تن "تعبر عن لزوم جوف (أو ظرف) كقولهم: تَنَّ بالمكان: أقام، والراء تعبر عن استرسال ينطبق على الماء والنار.
بعد كل هذا نقول عن يقين إن لفظ تنّور عربي، وإنه - كان بكل لسان كما قالوا - فإنما عَن العرب أو العربية الأُوَلى أُخذ. ولا أجد ما يمنع من القطع
(1) استنكر ابن جني قول ثعلب هذا (الخصائص 3/ 285). ولكن القول بأن النون ضوعفت تخلصا من ثقل الضمة علي الواو - مثلًا - أخف من ادعاء أصل ممنوع لأن فيه نونا قبل راء لإثبات كلمة ليس فيه إلا هي.