الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ} [المائدة: 103].
وأما "احْمَوْمَى السحابُ: تراكمَ واسْودّ. والليلُ: اسودّ "فقد مرّ في (حمم) أن السواد لازم للاحتراق من الحرارة ".
•
(حمأ):
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} [الحجر: 26]
"الحمأ -محركة- والحَمأة، بالفتح: طينُ البئر الأسودُ المنتن ".
° المعنى المحوري
حدّةٌ ما تخالط عُمْقَ الشيء: كهذا الطينِ في جَوْف البئر، وحِدَّتُه نَتْنُه. ومنه:"حَمِئْتُ عليه أي غَضِبْتُ "(الغَضَب شعورُ حادٌّ في الجوف){مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} [الحجر: 26، 28، 30]، {وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} [الكهف: 86] فسرت بذات الطين، وقرئت: حامية [قر 11/ 469]. ويمكن تفسير الحمئة بالحامية كما في قولهم: "حَمِئْتُ عليه أي غضبت "أي عين ذات حِدّة يَتَصوَّرُها من يراها. ويُقَرِّب ذلك أن ضوءَ الشمس وأشعَّتَها الحمراء تنعكس في ماء المحيط عند غروبها فتكون في رَأي الواقف على شاطئه في تلك الساعة كنارٍ عَظيمة. ومنه "الحَمْء -بالفتح ومحركة: أبو زوج المرأة "(حدّته أنه يعد حاميًا لها يمنعها ويغضب لها (ينظر حمو).
ومن تلك الحدّة أيضًا "رجل حَمِئُ العين -كفرح: عَيُون "أي يصيب بعينه.
•
(حمد):
{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29]
"أنشد في ل:
وكانتْ من الزوجات يُؤمَنُ غَيْبُها
…
وترتادُ فيها العينُ مُنتجَعًا حَمْدا
ويقال: أَحْمَدْتُ موضعًا أو أرْضًا: رَضِيتُ سكناه أو مرعاه. ويقال طعام ليست عنده مَحْمِدَة -كمنزلة. أي لا يُحْمَد. [وفي تاج]: الرِعَاء يتحامدون الكلأ. فسره في المعجم الكبير بـ "يرتضونه ".
° المعنى المحوري
غِنَى باطن البَدَن بما يناسبه من غذاء يَقُوته ويقويه وينميه: كالمنتجَع، وهو موضع الكلأ، فإن كونه حَمْدًا يعني أنه كثير الكلأ مُشبع يُستقَرّ فيه. وفي ضوء هذا يُفهم أن الطعامَ الذي ليست عنده مَحْمِدَة هو الذي لا يُغَذِّى ولا يَنْجَعُ في آكله أي لا يَقُوته ولا يُنَمِّيه. فيكون الذي عنده محمدة هو الذي يَغْذُو وَينجع ويُقَوِّى. والرعاء الذين يَتَحامدون الكلأ، أي يرتضونه، إنما يتوخون أو يدل بعضهم بعضا عليه من حيث كونُه حمدًا، أي عنده مَحمِدة، أي له نجوع في الماشية التي يرعونها.
فأصل الحَمد، بإيجاز هو الإشباع والتجوع وما يلزمه من قوة، ويتوسع في لازمه فيكون: الإعطاء والإنعام والإفضال. "نَجع الطعام في الإنسان: هَنَأَ آكلَه أو تبَينَتْ فيه تنميته واستمرأه وصلح عليه. نجع العلَفُ في الدابة. طعام يُنجَع عنه، وبه: إذا نفع واستُمرئ فيُسمَنُ عنه. ماء ناجع: مريء/ نمير ".
ويؤيد أن أصل الحمد هو ما قلناه:
أ) تفسيرهم إياه بالرضا (في المعجم الكبير خمسة تفسيرات بذلك)، والرضا أصبل معناه الامتلاء برخو، وهذا قريب من الامتلاء بالطعام الناجع.
ب) تفسيرهم إياه بالشكر، وتركيب (شكر) يعبر عن امتلاء باطن الشيء بطيّب امتلاءٌ يظهر ويتبين "شَكِرَت الناقةُ: امتلأ ضَرعُها لَبَنًا، والشَكِرَةُ الممتلئة
الضرع من النوق "، والتصريح بامتلاء الضرع باللبن. ووضوح ذلك الامتلاء هو الذي أبرز معنى عرفان النعمة في تركيب (شكر).
ج) كذلك ذُكِر المَدْح في تفسير الحمد، والمدْح أصله يناسب أصل الحْمد: يقال: "تمدَّحت خواصر الماشية: اتّسعت شِبَعًا ".
د) معنى الحمد على ما ذكرناه يحقق التصاقب في المعنى بين (حمد) و (عمد) مقابل تصاقب لفظيهما. فـ (عمد) تعبر عن انتصاب شيء قويٍّ في الأثناء كالعمود. والشِبَع يَعْمِدُ الحيّ من الداخل أي يقيمه.
هـ) وأخيرًا فإن نظير أخذ الحمد من الشِبَع أخذُ المَجْد (الشرف) من الشبع أيضًا: "أمجد الإبلَ: ملأ بطونَها عَلَفا وأشْبعها "وفي الجمهرة "وأصل الْمجد أن تأكل الماشية حتى تمتلئ بطونها. يقال راحت الإبل مُجَدًّا ومواجد "والشِبَعُ وما إليه مصرَّح به في معنى تركيب (مجد) أكثر من مرّة [ينظر ل].
أما الثناء فهو من الثَتى والتثنية التي هي المستوى الأقل في باب الجمع، وهي تراكم ظاهري وليس تجمعًا في الباطن، فهي أقل مناسبة لتفسير الحمد، كما أن الثناء اللفظي ليس مقصورًا على الذكر بخير، فإنهم استعملوه في الشرّ والذمّ "الثناء: ما تصف به الإنسانَ من مدح أو ذم .. أثنى إذا قال خيرًا أو شرًا. وأثنى إذا اغتاب " [ل].
ومما سبق يتبين أنه في التعبير بالحمْد ينبغي أن يُسْتَشْعَر أنه يحمل شيئًا من معنى الإنعام المُقيت المُقيم، وكذا القوة والتمكين اللازمين عن الشبع والنجوع، وكذا معنى العظم اللازم عن الشبع والنجوع أيضًا، أخذًا من كون الطعام ذي المحمِدة هو الذي ينجع أي يغذي ويقوي، ولا يتأدّى معنى الحمْد بالثناء
الكلامي المجرد من استشعار هذه المعاني.
ومن الاستعمالات العربية القديمة التي يبرز فيها جانب مما قلناه الآن قول امرئ القيس [شرح ديوانه 187]:
متى عَهْدُنا بطعان الكُما
…
ةِ والحمْد والمجْد والسُؤْدُد
فالحمد هنا تعبير عن مستوى من العظمة يتمثل في انتصارٍ أو غيره، ولا يتأتى أن يكون أنهم يُمْدَحون. بَلْهَ أنهم يَمدحون غيرهم.
وفي قوله تعالى: {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: 52] في [طب التركي 14/ 632] رواية عن ابن عباس رضي الله عنهما أي "بأمره "وهذا يكاد يكون هو ما قصدناه بقولنا، إن القوة والتمكين لا زمان لمعنى الحمد. وقول قتادة:"بمعرفته وطاعته "غريب، فإن معنى المعرفة هنا بعيد عن معنى اللفظ، والطاعة إنما هي من طرفهم، ويغني عنها "تستجيبون ". وارتضى [طب] أن معناه "فتستجيبون لله من قبوركم بقدرته ودعائه إياكم، ولله الحمد في كل حال "وكأنه -بعد أن ذكر القُدْرة وهو الدقيق هنا، ويلتقي مع قول ابن عباس- تذكر المعنى المشهور للحمد فقال، ولله الحمد في كل حال. وقد ردّ ابن عطية التفسيرين بناء على أن لفظ الآية لا يعطيهما، وأن "جميع ذلك بأمر الله "اه. فكأنه حمل كلمة "بأمره "في كلام ابن عباس على الإرادة العامة لا على (القضاء بكُنْ) الذي نحمل نحن لفظَ ابن عباس عليه، ثم فسّر هو (بحمده) بالمعنى المشهور للحمد كما قال ابن جبير. وفسّر الزمخشري اللفظ بالمعنى المشهور لكنه قال إنه مبالغة في انقيادهم للبعث. فاستعمل لفظ الانقياد الذي هو الطاعة، وسياق كلامه يقضي أنه يفسّر به الاستجابة. واستعمل الرازي نفس العبارة [الغد العربى 7/ 113] وفي
[قر 10/ 246]"وقيل: المعنى بقدرته "وفي [أبو السعود 5/ 198]"بحمده: حال من ضمير (تستجيبون) أي منقادين له حامدين لما فعل بكم غير مستعصين ". فهم يحومون حول القدرة ثم يأسرهم المعنى المشهور وهو الثناء. والخلاصة أني أرى أن معنى (بحمده) هو بأمره وقدرته وعظمته. فالآيات الثلاث السابقة تذكر إنكارَ الكفار لبعثِهم "خلقًا جديدًا "بعد أن صاروا "عظامًا ورفاتًا "، وتساؤلَهم عمّن له القدرة على أن يعيدهم أحياء، فقيل لهم هو {الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} . فتساءلوا {مَتَى هُوَ} فجاءت الآية التي نحن فيها لتجيب بالتوقيت وتضيف الكيفية، لأن الكيفية يتعلق بها شطر الإنكار. فبينَتْ أن ذلك يكون بمجرد دعائه تعالى الأَموات أن يقوموا، فيقومون بقدرته تعالى استجابة لدعائه دون مستحيلات مما توهموه. فأقرب تفسير لقوله تعالى:{يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ} تستجيبون للدعاء فتقومون من قبوركم بقدرته أحياء بعد أن صرتم ترابًا بَقِى أو تحول إلى حجارة أو حديد أو غيرهما. وما دام معنى التركيب يسمح بهذا المعنى المناسب، فإن الاستئسار للمعنى المشهور يكون تفريطًا وهضمًا لحق القرآن. ولا أدري كيف غاب عن أئمتنا -غفر الله لنا ولهم- أن هؤلاء الذين تحكي حالهم في قيامهم من قبورهم آيةُ الإسراء هذه هم أنفسهم الذين تحكي نفس حالهم هذا [يس 51 - 52]:{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51) قَالُوا يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} فهذا ما يقولون عند قيامهم من قبورهم لا أنهم يثنون. وفي قوله تعالى: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ} [الإسراء: 111] تكاد الآية تنطق بأن معناها العظمة لله. وقد أحس الزمخشري بالقلق في مناسبة الحمد (أي بمعناه
المشهور وهو الثناء) لنفي الولد والشريك والذل، لكنه تخلص بأن لواهما إلى أن هذا هو الذي يقدر على إيلاء كل نعمة. وأحس ابن المنيّر بنفس القلق وظن أنه مهّده، لكنه لم يفعل شيئًا لا هنا ولا في أول سورة الأنعام [ينظر الكشاف (العلمية) 2/ 674، 4]. وهناك كثير من الآيات التي لا يسوغ تفسير الحمد فيها إلا بالتعظيم مثل [النحل: 75، النمل: 93، العنكبوت: 63، سبأ: 1، الزمر: 29] بل وكل (تسبيح بحمد الله).
وأقول أيضًا إن معنى الإعطاء أصيل في هذا التركيب من الناحية الاشتقاقية وذلك من جهتين: الأُولَى وجود أصل هذا المعنى، كما في قولهم "منتجع حَمْد "أي فيه من الكلأ ما يَنْجع ويُشبع ويُستقَرَ عليه. والجهة الثانية: الصيغة. فقد كررنا أن صيغة فَعِل للمطاوعة قد تعطي معنى المفعولية فكأن مَنْ حَمِد (كفرح) أُعْطِى ونَجعَ فيه ما أُعْطيه، ويلزم ذلك معنى الشكر. فهذا مدخل هذا المعنى في التركيب وهو أصيل كما هو واضح. وفي [تاج] "الحمْد: الرضا، والجزاء، وقضاء الحق. وقد حَمِده -كسمعه: شكره وجَزَاه وقَضَى حقه ". فمعنى الرضا واضح الأصالة هنا، لأن حقيقته وجود نعمة ورخاوة في الباطن فهو مناظر للحمد. والفعل بمعناه قاصر، وبالمعنيين الآخرين معدًّى. والثناء لازم للشكر وقد يكون تعبيرًا عنه أو عن الجزاء وقضاء الحق، لكنه ثناء مقيد بأنه من نوع المدح، وبأن سبب المدح هو الإعطاء والإفضال. وفي قوله تعالى: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ} [البقرة: 30] قال في [بحر 1/ 291]: "الحمد هو الثناء، والثناء ناشئ عن التوفيق للخير والإنعام على المثنى " (يلحظ أن العبارة الأخيرةَ هي الدقيقة). {وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} [آل عمران: 188] ينظر [قر 4/ 306 - 307] فهناك كثير
مما يؤيد ما قلنا.
وفي اسمه سبحانه وتعالى "الحميد "الصيغة يمكن أن تكون بمعنى مُفْعِل (اسم فاعل) كالحكيم بمعنى المحكِم ويكون المعنى: الذي يعطى ما يَنْجَع وُيغْنى ويُعين ونحو ذلك. وهذا معنى جديد، ويلزمه معنى الشكر. فهذا يبرز لمعنى اللفظ رصيدًا آصلَ وأبرزَ حدودًا من الثناء بالكلام الهلاميّ بلا حدود {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [البقرة: 267] وكذا كل صفة (حميد) في القرآن الكريم.
وفي تفسير طب "قال أبو جعفر: ومعنى {الْحَمْدُ لِلَّهِ} الشكر لله خالصًا
…
بما أنعم على عباده. . النعم التي لا يحصيها العدد
…
"ثم جاء طب بحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال "قال جبريل لمحمد صلى الله عليه وسلم قل يا محمد {الْحَمْدُ لِلَّهِ} قال ابن عباس: الحمد هو الشكر لله، والاستخذاء لله، والإقرار بنعمته وهدايته وابتدائه ". ثم قال الطبري "وقد قيل إن قول القائل "الحمد لله "ثناءٌ على الله بأسمائه وصفاته الحسنى، وقوله "الشكر لله "ثناء عليه بنعمه وأياديه "وعزا هذا التفسير إلى كعب الأحبار، ولم يرتض طب هذا التفسير. وبمراجعة ما قلنا يتبين أن ما استخلصنا أنه معنى الحمد هو معنى كلام ابن عباس رضي الله عنهما. ونلفت إلى قوله "والاستخذاء لله، والإقرار بنعمته "فالاستخذاء معناه الخضوع. والخضوع يكون إزاء قوة قاهرة. وهذا يزكي ما لمحناه ورجّحناه في معنى قوله تعالى:{يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: 52]. لكن القوة القاهرة هنا في {الْحَمْدُ لِلَّهِ} هي قوة المنعم الذي يُمِدّ بما يغذو ويقيم ويُنَمِّي، وبكلِّ ما يُصْلح الحياة. فأنسب تفسير لعبارة "الحمد لله "هو: الفضل والتعظيم والفعل لله. فهذا يؤدي معنى الشكر على النعم، والإقرار بأنه القاضي بكل أمر،
الممكّن منه، وهو ما عبر عنه ابن عباس بالاستخذاء.
ومع أن الفخر الرازي لم يقف عند الأصل الاشتقاقي، وإنما ذكر أن "الحمد لا معنى له إلا الثناء على الإنعام ""الحمد عبارة عن مدح الغير بسبب كونه منعمًا متفضلًا [الفائدة السادسة والسابعة في الكلام عن "الحمد لله "في سورة الفاتحة - الغد العربي 1/ 373] فإنه لما عرض لعبارة {الْحَمْدُ لِلَّهِ} ثانية في أول سورة الأنعام ذكر عدة معالم:
أ) أن الحمد "لا يحصل (أي لا يوجّه) إلا للفاعل المختار على ما يصدر عنه من الإنعام والإحسان ".
ب) "الحمد عبارة عن تعظيم الفاعل لأجل ما صدر عنه من الإنعام ".
ج) "قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} تصريح بان المؤثر في وجود هذا العالم فاعل مختار خلقه بالقدرة والمشيئة "[المسألة الأولى في الكلام عن الحمد لله جـ 11 - الغد العربي مجلد 6/ 208 - 209] فما ذكره من الإنعام في (أ) و (ب) هو جانب، وهو المعنى المباشر. وما ذكره في (ج) - وكان قد أغفله: أن الذي يوجّه إليه الحمد فاعل مختار خلق العالم بالقدرة والمشيئة= هو المعنى اللازم. فالتعظيم الذى يخص معنى عبارة (الحمد لله) ليس مقصورًا على التنويه بأنه سبحانه هو المتفضل بالنعم، وإنما يشمل الإقرار بأنه سبحانه هو الفاعل القاضي بكل أمر، الممكّن منه -على ما يؤخذ من عبارة ابن عباس، وهو الذي يزكيه الأصل الاشتقاقي للكلمة. فهذا عن معنى الحمد، وبه معنى {الْحَامِدُونَ} [التوبة: 112]. وفي قوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79] المحمود: المثني عليه- حسب ما وقفوا
عنده، وقد بينوا المراد بـ (المقام) بأنه الشفاعة العظمى العامة، أو رفعه صلى الله عليه وسلم لواء الحمد يوم القيامة وغير ذلك [قر 10/ 309/ 311، بحر 6/ 70 - 71] والتفسيران هما المناسبان للمقام. وأرى أن تفسير صفة (محمود) هنا بالمثنى عليه هو دون ما يستحق هذا المقام بكثير. والمناسب تفسير (محمود) هنا بأنه عظيم أو معظّم -بل بالغ العظم والتعظيم. بل و "لواء الحمد "لا يناسب أن يكون هو لواء (الثناء)، بل لواء اعتراف المؤمنين بعظمته سبحانه، يحمله ويتقدمهم كبير رسل الله إلى البشر، ممثِّلًا للمؤمنين من جميع الأمم، في يوم الحساب الختامي لمسيرة آدم وذريته على الأرض.
وسيدنا (محمد) رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه الشريف هذا يعني الممجَّد أي المُعْطَي خيرًا عظيمًا مستقرًّا. ويتأتى أن يكون معناه المفَضّل، وأن يكون معناه العظيم أو المعظّم. وقد فسّره: ابنُ دريد [الاشتقاق 8] وغيرُه بالحَمْد بمعنى الثناء. وكذا الاسم الشريف أحمد: رأى [قر 18/ 83] أنه منقول من أفعل التفضيل أي أحمد الحامدين لربه. ولو قُصِدَ بهذا معنى الشكر والتعظيم والتمجيد لله. عز وجل لكان تفسيرًا صحيحًا. لكن هناك جانبًا آخر هو معنى الصيغة. فإنى أرى أن الاسم الشريف (أحمد) ليس من الفعل المتعدى، وإنما هو من فُعلَ المبني للمفعول بمعنى المحمود، وأجاز هذا ابن القيم -كما نقل عنه الإبياري في [دائرة المعارف الإسلامية 264 - 265] فتلتقي صيغة أحمد مع صيغة محمّد على معنى المحمود. فإنّ أخذ التفضيل من المبني للفاعل غالب لا حَتْمي [ل- جدّ 78] فقد يأتى مما هو بمعنى المفعول، كما قالوا: هو (أجَدُّ) منك أي (أَحَظّ): من مجدود وجَديد وهما بمعنى مفعول، و (الأَحَكُّ) من الناس الذي ليس في فمه سن كأنما