الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا التخلص من بعض قيود المعنى منهج عربي صحيح، يُعَدّ من باب استعمال اللفظ في جزء معناه، أو من باب التعميم بإسقاط بعض قيود المعنى.
•
(بوأ):
{وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ} [الزمر: 74]
"البيئة والباءة والمباءة: منزل القوم في كل موضع/ حيث يتبوءون من قُبُل وادٍ أو سَنَد جبل. تَبوَّأَ منزلًا: أصلَحه وهيَّأَه/ نظر إلى أَسْهل ما يَرى وأَشَدِّه استواء وأمْكَنِه لمبيته فاتخذه. والمباءة أيضًا: بيت النحْل في الجبل، وكِناسُ الثَوْر الوحشي، وهو كنٌّ يتخذه أسفل جِذْع شجرة، ومُرَاح الإبل الذي تبيت فيه. والباءة من الرحم: حيث تبوأَ الولدُ ".
° المعنى المحوري
لاستعمالات هذا التركيب هو: حيز للاستقرار مهيّأ ومسوًّى أو مناسب لما يستقر فيه: كمنزل القوم الموصوف، فهو سَهل مستوٍ مكين للميت في قُبُل واد (أي أوله القليل الانحدار)، أو سَنَد جبل (أي حِضنه) حيث المكان منبسط، ووَراءَه مرتفَع يُكِنّ، وبعده منخفَض يُزال إليه الغثاء. وكمباءة النحْل والثور والإبل والجنين، وكلها مهيأة مناسبة لهذه الأَحياء. ومن مادّيّ ذلك أيضًا قولهم:"للبئر مباءتان: إحداهما مَرجِعُ الماءِ إلى مَجَمّها (البؤرة التي يثوب إليها الماء ويتجمع بعد ما يُنْزَح)، والأخرى موضعُ وقوف سائق السانية (السانية: آلةٌ لرفع دِلاء الماء من البئر جَرًّا بواسطة الجِمال، وهناك قابل يستقبل الدلاء ويدفق ماءها في الجدول). وقالوا: "بوّأَ الرْمحَ نحوه: قابله به وسدّده نحوه " (أي ليبيت فيه - كما نقول نحن الآن). ومن استعمال الباءة والمباءة في المنزل الذي يُستَقَرَّ فيه، جاء الحديث الشريف "يا معشر الشباب من
استطاع منكم الباءةَ فليتزوج .. "، فالباءة هنا: أن يُعِدّ بيتًا مناسبًا له ولزوجه ويقوم بمتطلباته، أو بعبارة أخرى: من استطاع تكاليف الحياة الزوجية ومتطلباتها. وقد جاء في اللسان "والأصل في الباءة المنزل، ثم قيل لعقد التزويج باءة؛ لأن من تزوج امرأة بوأها منزلًا ". ثم إن اللفظ استعمل في التعبير عن الخِلاط، وحذفت منه التاء، وأبدلت الهمزة هاء، فقيل: الباه "فلان حريص على الباء والباءة والباه أي على النكاح. [بيت - زواج - خِلاط].
ومن استعمال المباءة وغيرها في المنزل والمَقَرَّ أُخذ معنى الرجوع؛ من حيث إن المنزل أو المقرّ هو المرجع الذي يَرجع إليه مَن فارقه - كما قيل: "أباء على فلان مالَه: إذا أراح عليه إبله وغنمه "فكأن من قال: باء إلى مكانٍ، يقول: استَقَرّ فيه. ومن الاستقرار أيضًا قالوا: "باء بـ "بمعنى احتمل وأقرّ واعترف، وهي كلها متقاربة. وردها الزجاج إلى الاحتمال، فكأنّ من باء بشيء تحمَّله فاستقر الشيء عليه.
كذلك قالوا: "في أرضِ كذا فلاةٌ تُبئ في فلاة "أي تَذْهب (أي تتصل بها وتمتد إليها، فكأنها تستقر فيها، إذ تنتهي إليها).
ومن الاستواء والمناسبة في المقرّ، أُخذ معنى التكافؤ والمعادلة، كما يقال: فلان بمنزلة فلان. فقيل: "باء دمه بدمه بَوْأً وبَوَاءً: عَدَله، وفلان بَوَاءُ فلان أي كْفْؤُه إن قُتِلَ به، وما فلان بِبَواء لفلان أي ما هو بكُفْءٍ له، والقوم بَواءٌ أي سواء (متكافئون)، وقَسَّم المال بينهم على بَوَاء أي على سواء. بَاوَأْتُ بين القتلى أي ساوَيت. باء به إذا كان كُفْأً، والجراحات بَوَاء أي متساوية في القصاص، وأنه لا يُقتص للمجروح إلا من جارحه، ولا يؤخذ إلا مثلُ جراحته سواء ".
"وكلَّمناهم فأجابونا عن بَوَاء واحد، أي جواب واحد ".
وقد جاء في القرآن الكريم من استعمالات هذا الجذر صيغتان: "باء بـ ": {كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ} [آل عمران: 162] يريد بكفر أو غلول أو تولٍّ عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحرب [قر 4/ 262]، أي رجعوا بالسخط بسبب كفر .. الخ {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ} [المائدة: 29]: تنصرف متحمِّلَهما، وترجع بها قد صارا عليك دوني [طب 2/ 138]. (أي تحمُّلَ استقرار تام عليك، لا أشاركك فيه؛ لأني ما تعديت أوّلا، ولا قصّرتُ في تحذيرك إذْ تعديتَ، ولا أحاول قتلك حتى لو حاولت قتلي).
والصيغة القرآنية الأخرى من هذا التركيب هي "بوّأ "- ض، وكلها بمعنى الإقرار في مكان مهيأ مناسب:{وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا} [الأعراف: 74]. قال [طب 12/ 541]: وأنزلكم في الأرض تتخذون فيها مساكن وأزواجا اهـ. [كأن الطبري عدّ الباءة (الزواج) مأخذًا للفعل بوّأ في الآية. وقد أسلفنا أن معنى التزويج مأخوذ من معنى اتخاذ البيت المهيّأ المناسب] والآية مخصصة للامتنان بجعل الأرض طيّعة يَسْهُل للإنسان أن يتخذ البيوت المناسبة له في سهولها وجبالها على السواء. كان الأعراب يسكنون أعالي الجبال أحيانًا، والآن طوّعت الآلات الجبال فأمكن اختراقها وتمهيدها) وفي قوله تعالى:{وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} [آل عمران: 121] قال [طب 7/ 162]: التبوئة: اتخاذ الموضع. اهـ. ولو قال: إقامته صلى الله عليه وسلم المؤمنين في أماكن مناسبة للقتال لكان أدق. {وَإِذْ بَوَّأْنَا