الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بصيرة فى قد
القَدّ: الشق طُولاً. قددت السَّيرَ وغيره أَقُدّه قدًّا، قال الله تعالى:{إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ} ، ومنه حديث على رضى الله عنه: إِذا تطاول قدّ، وإِذا تقاصر قطَّ. والقَدّ: المقدود، ومنه قيل لقامة الإِنسان: قدُّهُ كقولك: تقطيعه. والقِدّ - بالكسر -: النعل لم تجرّد من الشَعَر، والسّير يُقَدّ من جلد مدبوغ، ومنه الحديث:"ولقابُ قوسِ أَحدكم من الجنَّة أَو موضعُ قِدّه خير من الدّنيا وما فيها"، أَراد بالقِدّ السّوط لأَنه يُتَّخذ من القِدّ.
والقِدَّة: الطَّريقة، والفِرقة من الناس إِذا كان هوى كلّ واحد على حِدَة، قال الله تعالى:{كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَداً} ، أَى فِرَقاً مختلفة أَهواؤُها. ومعنى (قِدَدًا) : متفرقين يعنى فى اختلاف الأَهواءِ.
وقد - مخفَّفة -: حرف لا يدخل إِلا على الأَفعال، وهو جواب لقولك: لمّا يفعلْ. وزعم الخليل أَن هذا لمن ينتظر الخبر، يقول: قد مات فلان، ولو أَخبره وهو لا ينتظره لم يقل: قد مات، ولكن يقول: مات فلان. وقد يكون بمعنى ربّما، قال.
قد أَترك القِرْن مُصْفرًّا أَناملُه
…
كأَنَّ أَثوابَه مُجَّت بِفرصاد
فإِن جعلتها اسما شدَّدتها، قلت: كتبت قَدّا حسنة. وكذلك كى، وهو، ولَوْ، لأَنَّ هذه الحروف لا دليل على [ما] نقص منها، فيجب أَن يزاد فى آخرها ما هو من جنسها ويدغم، إِلَاّ فى الأَلف فإِنَّك تهمزها. ولو سمَّيت رجلا بـ (لا) و (ما) ثم زدت فى آخره أَلِفا همزت؛ لأَنك تحرك الثانية، والأَلف إِذا تحركت صارت همزة.
فأَمَّا قولهم: قَدْك بمعنى حسبُك، وقدنى بمعنى حَسْبى، فاسم، تقول: قَدِى وقَدْنى / أَيضاً بالنون على غير قياس؛ لأَنَّ هذه النُّون إِنَّما تزاد فى الأَفعال وقاية لها، مثل: ضربنى وشتمنى. قال ابن عَتَّاب الطَّائىّ:
فناولته من رِسْل كَوْماءَ جَلْدة
…
وأَغضيت عنه الطَرْف حتى تضلَّعا
إِذا قال: قدنى، قلت: بالله حلفة
…
لَتُغنِنَّ عنىّ ذا إِنائك أَجمعا
وفى رواية أَبى زيد فى نوادره:
إِذا هو آلى حلْفَة قلت مثلها
…
لتُغِننَّ عنىِّ ذا إِنائك أَجمعا
وقد: كلمة لا يكون الماضى حالا إِلَاّ بإِضمارها أَو بإِظهارها معه، وذلك مثل قول الله تعالى:{أَوْ جَآءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} ، لا يكون (حصرت) حالاً إِلا باضمار قَدْ، فيكون تقدير الكلام: حَصِرةً صدورهم. وقال الفرَّاءُ فى
قوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بالله وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً} ، المعنى: وقد كنتم، ولولا إِضمار قد لم يجز مثله فى الكلام؛ أَلا ترى أَنَّ قوله تعالى فى سورة يوسف {إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ} معناه فقد صدقت. وأَمَّا الحال فى المضارع فشائعة دون قد ظاهرة أَو مضمرة.
وقَدْ تقرِّب الماضى من الحال، إِذا قلت قد فعل، ومنه قول المؤذِّن: قد قامت الصَّلاة. ويجوز الفصل بينها وبين الفعل بالقَسَم، كقولك: قد واللهِ أَحسنتَ، وقد لعمرى بِتُّ ساهرا. ويجوز طرح الفعل بعدها إِذا فُهِم كقول النابغة الذبيانىّ:
أَفِدَ الترحُّلُ غيرَ أَنَّ ركابنا
…
لَمَّا تَزُلْ برحَالِنا وكأَنْ قَدِ
أَى كأَن قد زالت.
وإِذا دخلت قد على فعل ماض فإِنما تدخل على كلِّ فعل متجدِّد، نحو قوله:{قَدْ سَمِعَ الله} ، ولذلك لا يصحّ أَن تستعمل فى أَوصاف الله تعالى الذاتيَّة، نحو قد كان الله عليماً حكيماً. وقوله:{عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مرضى} متناول للمرض فى المعنى؛ كما أَن النفى فى قولك: ما علم الله زيدا يخرج، هو للخروج، وتقدير ذلك: قد يمرضون فيما علم الله، وما يخرج زيد فيما علِم الله. وإِذا دخل قَدْ على الفعل المستقبل من الفعل فذلك الفعل يكون فى حالة دون حالة، نحو:{قَدْ يَعْلَمُ الله الذين يَتَسَلَّلُونَ} أَى قد يتسلَّلُون فيما علم الله. والله أَعلم.