الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بصيرة فى كتب
قوله تعالى: {الم ذَلِكَ الكتاب} يعنى القرآن سمّى كتاباً لما جُمع فيه من القصص والأَمر والنَّهى والأَمثال والشرائع والمواعظ، أَو لأَنه جُمع فيه مقاصد الكتب المنزلة على سائر الأَنبياء. وكلُّ شىء جمعت بعضه إِلى بعض فقد كتبته. وقوله تعالى:{لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ الله إلى يَوْمِ البعث} أَى أَنزل الله فى كتابه أَنكم لابثون إِلى يوم القيامة. وقوله عز وجل: {لَّوْلَا كِتَابٌ مِّنَ الله سَبَقَ} أَى حُكْم.
وقال القتبىّ فى قوله تعالى: {أَمْ عِندَهُمُ الغيب فَهُمْ يَكْتُبُونَ} أَى يحكمون، يقولون نحن نفعل بك كذا وكذا، ونطردك ونقتلك، وتكون العاقبة لنا عليك. وقوله تعالى:{أولائك كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمان} أَى ثبَّت. وقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصيام} أَى فرض وأوجب.
وقوله تعالى: {كِتَابَ الله عَلَيْكُمْ} مصدر أَريد به الفعل، أَى كتب الله عليكم، وهذا قول حذَّاق النحويين. وقال الكوفيُّون: هو منصوب على الإِغراءِ بعليكم، وهو بعيد؛ لأَنَّ مَا انتصب على الإِغراءِ لا يتقدّم على ما قام مقام الفعل وهو (عليكم)، ولو كان النَّص: عليكم كتاب الله لكان النَّصب على الإِغراءِ أَحسن من المصدر.
واكتتبتُ الكتابَ: كَتَبْتُهُ، ومنه قوله تعالى:{أَسَاطِيرُ الأولين اكتتبها} . ويقال: اكتتب فلان فلاناً: إِذا سأَله أَن يكتُب له كتاباً فى حاجة، وعليه فَسَّر بعضهم:{أَسَاطِيرُ الأولين اكتتبها} أَى استكتبها. ابن الأَعرابىّ: سمعت أَعرابيًّا [يقول] : اكتتبت فم السِقاءِ فلم يَستكتب لى، أَى لم يَسْتَوْكِ لجفائه وغِلظه.
وكاتبت العبد (فهو يكاتب) . والمكاتَب: العبد يكاتَب على نفسه بثمنه، فإِذا سعى فأَدّاه عَتَق. وأَصلها من الكتابة، يراد بها الشرط الذى يُكتب بينهما.
/ ابن الأَعرابىّ: الكاتب عندهم: العالم، وبه فسَّر قوله تعالى:{أَمْ عِندَهُمُ الغيب فَهُمْ يَكْتُبُونَ} . والكِتاب: القَدَر، قال النَّابغة الجعدىّ:
يا ابنة عمِّى كتاب الله أَخرجنى
…
عنكم فهل أَمنعنَّ اللهَ ما فعلا
قال بعض المفسِّرين: ورد الكتاب فى القرآن لمعان: -
1-
بمعنى اللَّوح المحفوظ: (كِتابٌ سَبَقَ) ، {وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَاّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} ، {وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ} ، {فِي الأرض وَلَا في أَنفُسِكُمْ إِلَاّ فِي كِتَابٍ} ، {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً} .
2-
بمعنى التوراة: {لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الكتاب وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ} .
3-
بمعنى الإِنجيل: {قُلْ ياأهل الكتاب تَعَالَوْاْ إلى كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} .
4-
بمعنى كتاب سليمان إِلى بلقيس: {إني أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ} .
5-
بمعنى القرآن المجيد: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا} ، {وهاذا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} ، {الم ذَلِكَ الكتاب لَا رَيْبَ فِيهِ} ، وله نظائر.
6-
كتاب الرَّحمة والمغفرة: {لَّوْلَا كِتَابٌ مِّنَ الله سَبَقَ} ، {كَتَبَ رَبُّكُمْ على نَفْسِهِ الرحمة} .
7-
بمعنى الكتابة المعروفة: {وَيُعَلِّمُهُ الكتاب والحكمة} .
8-
بمعنى تاريخ أَرباب السَّعادة: {كَلَاّ إِنَّ كِتَابَ الأبرار لَفِي عِلِّيِّينَ} .
9-
بمعنى تاريخ أَرباب الشقاوة: {كَلَاّ إِنَّ كِتَابَ الفجار لَفِي سِجِّينٍ} .
10-
بمعنى الرِّزق المعلوم فى العمر والمدَّة: {وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلَاّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ} .
11-
بمعنى فريضة الطَّاعة: {إِنَّ الصلاة كَانَتْ عَلَى المؤمنين كِتَاباً مَّوْقُوتاً} .
12-
ديوان الأَعمال والأَفعال المعروضُ على المطيع والعاصى، يوم تشيب فيه النواصى:{كُلُّ أمَّةٍ تدعى إلى كِتَابِهَا اليوم} ، {وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القيامة كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً اقرأ كتابك} .
والكتاب فى الأَصل: اسم للصّحيفة مع المكتوب فيها. ويعبَّر عمَّا ذكرنا من الإِثبات والتقدير والإِيجاب والفرض بالكتابة، ووجه ذلك أَنَّ الشىء يراد، ثم يقال، ثم يكتب. والإِرادة مبدأ، والكتابة منتهًى، ثم يعبَّر عن المبدإِ بالمنتهى إِذَا قُصد تأكيده. قال تعالى:{كَتَبَ الله لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ ورسلي} . وقوله: {وَأْوْلُواْ الأرحام بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ الله} أَى فى حكمه. وقوله: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ} ، أَى أَوحينا وفرضنا.
قال: ويعبَّر بالكتابة عن القضاء المُمْضَى وما يصير فى حكم الممضى، وحُمل على هذا قوله:{بلى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} . وقوله: {فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ} إِشارة إِلى أَن ذلك مثبت له ومجازًى به. وقوله: {فاكتبنا مَعَ الشاهدين} ، أَى اجعلنا فى زمرتهم إِشارة إِلى قوله:{فأولائك مَعَ الذين أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم مِّنَ النبيين والصديقين والشهدآء والصالحين} . وقوله: {قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلَاّ مَا كَتَبَ الله لَنَا} أَى قدّره وقضاه؛ وذكر (لَنَا) ولم يقل: علينا / تنبيهاً أَنَّ كل ما يصيبنا نعدّه نعمة لَنَا، ولا نعدُّه نقمة علينا. وقوله: {ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ
الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} ، قيل معناه: وهبها الله لكم، ثمَّ حَرَّمها عليكم بامتناعكم من دخولها وقبولها، وقيل: كتب لكم بشرط أَن تدخلوها وقرئ: (عليكم) أَى أَوجبها عليكم. وإِنما قال (لكم) تنبيهاً أَنَّ دخولهم إِيَّاها يعود عليهم بنفع عاجل وآجل؛ فيكون ذلك لهم لا عليهم، و. {لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ الله} أَى فى علمه وحكمه، وقوله:{اثنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ الله} ، أَى فى حكمه.
ويعبَّر بالكِتاب عن الحُجَّة الثابتة من جهة الله، نحو قوله:{ومِنَ الناس مَن يُجَادِلُ فِي الله بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ} ، وقوله:{أَمْ عِندَهُمُ الغيب فَهُمْ يَكْتُبُونَ} إِشارة إِلى العلم والتحقيق والاعتقاد. وقوله: {وابتغوا مَا كَتَبَ الله لَكُمْ} إِشارة فى تحرِّى النِّكاح إِلى لطيفة، وهى أَنَّ الله تعالى جعل لنا شهوة النكاح ليُتحرَّى به طلب النَّسل الذى يكون سبباً لبقاءِ نوع الإِنسان إِلى غاية قدَّرها، فيجب للإِنسان أَن يتحرَّى بالنكاح ما جعل الله على حسب مقتضَى العقل والدِّيانة، ومَن تحرَّى بالنكاح حفظ النسل وحظَّ النفس على الوجه المشروع فقد انتهى إِلى ما كتب الله له، وإِلى هذا أَشار من قال: عنى بـ (ما كتب الله لكم) الولدَ.
ويعبَّر بالكتابة عن الإِيجاد، وعن الإِزالة والإِفناءِ بالمحو، قال تعالى:{لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ يَمْحُواْ الله مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ} نبَّه أَن لكلِّ وقت إِيجاداً، فهو يوجد ما تقتضى الحكمة إِيجاده، ويزيل ما تقتضى الحكمة إِزالته. ودلَّ قوله:{لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} على نحو ما دلَّ عليه قوله: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} .
وقوله: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بالكتاب لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الكتاب وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ} ، فالكتاب الأَول كتبوه بأَيديهم المذكورُ بقوله:{فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الكتاب بِأَيْدِيهِمْ} ، والثانى التوراة، والثالث لجنس كتب الله تعالى كلِّها، أَى ما هو من شىءٍ من كتب الله تعالى وكلامه.
وقوله: {وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الكتاب والفرقان} ، قيل: هما عبارتان عن التوراة سمِّيت كتاباً باعتبار ما ثبت فيها من الأَحكام، وفرقاناً باعتبار ما فيها من الفرق بين الحقِّ والباطل. وقوله:{فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الكتاب بِأَيْدِيهِمْ} تنبيه أَنَّهم يختلقونه ويفتعلونه. وقوله: {وَمَا كَانَ هاذا القرآن أَن يفترى مِن دُونِ الله ولاكن تَصْدِيقَ الذي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الكتاب لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ العالمين} أَراد بالكتاب هاهنا ما تقدّم من كُتُب الله دون القرآن؛ أَلا ترى أَنه جعل القرآن مصدِّقا له. وقوله: {وَهُوَ الذي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الكتاب مُفَصَّلاً} ، منهم من قال: هو القرآن، ومنهم من قال: هو وغيره من الحُجج والعلم والعقل. وقوله: {قَالَ الذي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الكتاب} ، قيل: أَريد علم الكتاب، [وقيل] علم من العلوم الَّتى آتاها الله سليمان فى كتابه المخصوص به، وبه سُخِّر له كلُّ شىءٍ. وقوله:{وَتُؤْمِنُونَ بالكتاب كُلِّهِ} أَى بالكتب المنزلة، فوضع المفرد موضع الجمع، إِمَّا لكونه جنساً، كقولك: كثر الدرهم بأَيدى الناس، وإِمَّا لكونه فى الأَصل مصدراً، والله أَعلم.