الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بصيرة فى من
وهى تأْتى على خمسة عشر وجهاً:
لابتداء الغاية، وهو الغالب؛ حتى قيل: إِن سائر معانيها راجعة إِليه. ويقع لذلك فى غير الزَّمان، نحو:{مِّنَ المسجد الحرام} ، {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ}
قيل فى الزمان أَيضاً نحو قوله تعالى: {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} ، وفى الحديث:"فمُطِرنا من الجُمُعة إِلى الجمعة".
الثَّانى: التبعيض نحو: {مِّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ الله} وعلامتها إِمكان سدّ (بعضٍ) مسدّها؛ كقراءَة ابن مسعود {حتى تُنْفِقُواْ بَعْضَ مَا تُحِبُّونَ} .
الثالث، بيان الجنس. وكثيرًا ما تقع بعد ما ومهما. وهما بها أَولى؛ لإِفراط إِبهامهما نحو:{مَّا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا} ، {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ} ، {مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ} . ومن وقوعها بعد غيرهما {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ} ، {وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِّن سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ} ، ونحو:{فاجتنبوا الرجس مِنَ الأوثان} .
وأَنكر مجئَ (مِنْ) لبيان الجنس قوم، وقالوا: هى فى {مِنْ ذَهَبٍ} و {مِن
ْ سُنْدُس} للتبعيض، وفى {مِنَ الأوثان} للإِبتداءِ، والمعنى: فاجتنبوا من الأَوثان الرّجس، وهو عبادتها. وهذا تكلّف.
وقوله: {وَعَدَ الله الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات مِنْهُم مَّغْفِرَةً} للتبيين، لا للتبعيض كما زعم بعض الزنادقة الطاعنين فى بعض الصّحابة. والمعنى: الذين آمنوا هم هؤلاءِ. ومثل قوله تعالى: {الذين استجابوا للَّهِ والرسول مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ القرح لِلَّذِينَ / أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ واتقوا أَجْرٌ عَظِيمٌ} ، وكلُّهم محسن مُتَّق، {وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الذين كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ، والمقول فيهم ذلك كلّهم كفَّار.
الرابع: التعليل، نحو:{مِّمَّا خطيائاتهم أُغْرِقُواْ} .
وذلك من نبإٍ جاءَنى
الخامس: البدل: {أَرَضِيتُمْ بالحياة الدنيا مِنَ الآخرة} ، {لَجَعَلْنَا مِنكُمْ مَّلَائِكَةً فِي الأرض يَخْلُفُونَ} لأَن الملائكة لا تكون من الإِنْسِ، {لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ الله شَيْئاً} أَى بدل طاعة الله، أَو بَدَل رحمة الله؛ "ولا ينفع ذا الجَدّ مِنْكَ الجَدّ".
السّادس: مرادفة عن: {فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِّن ذِكْرِ الله} {ياويلنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هاذا} .
السابع: مرادفة الباء: {يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ} .
الثامن: مرادفة فى، نحو:{أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الأرض} ، {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الجمعة} .
التاسع: موافقة عِنْد: {لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ الله شَيْئاً} قاله أَبو عبيدة. وقد قدّمنا أَنها للبدل.
العاشر: مرادفة على، نحو:{وَنَصَرْنَاهُ مِنَ القوم} ، وقيل على التضمين، أَى معناه منهم بالنصر.
الحادى عشر: الفصل، وهى الدّاخلة على ثانى المتضادّين:{والله يَعْلَمُ المفسد مِنَ المصلح} ، {حتى يَمِيزَ الخبيث مِنَ الطيب} .
الثانى عشر: الغايةِ، تقول: رأَيته من ذلك الموضع؛ فجعلته غاية لرؤْيتك أَى محلَاّ للابتداءِ والانتهاءِ.
الثالث عشر: التنصيص على العموم، وهى الزائدة (فى) نحو: ما جاءَنى من رجل.
الرابع عشر: توكيد العموم، وهى الزائدة [فى] نحو: ما جاءَنى من أَحد. وشرط زيادتها فى النَّوعين ثلاثة أُمور.
أَحدها: تقدّم نفى أَو نهى، أَو استفهام بهل، أَو شرط، نحو:{وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَاّ يَعْلَمُهَا} ، {مَّا ترى فِي خَلْقِ الرحمان مِن تَفَاوُتٍ فارجع البصر هَلْ ترى مِن فُطُورٍ} ، وقول الشاعر:
ومهما يكن عند امرئٍ من خليقة
…
وإِن خالها تخفى على النَّاس تُعْلَم
الثانى: تنكير مجرورها.
الثالث: كونه فاعلا أَو مفعولاً أَو مبتدأ.
وقيل فى قوله تعالى: {مَا اتخذ الله مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ} : إِنَّ (من) زائدة. وقال أَبو البقاءِ فى قوله تعالى: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكتاب مِن شَيْءٍ} : إِن (مِن) زائدة و (شىءٍ) فى موضع المصدر أَى تفريطاً. وَعدَّ أَيضاً من ذلك قوله تعالى: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ} فقال: يجوز كون (آية) حالاً و (من) زائدة، واستدلَّ بنحو:{وَلَقدْ جَآءَكَ مِن نَّبَإِ المرسلين} ، {يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ} ، {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ} ، {وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ} . وخرّج الكسائى على زيادتها قوله صلى الله عليه وسلم:"إِن مِن أَشدّ الناس عذاباً يوم القيامة عند الله المصوّرون"، وكذا ابن جِنَّى قراءَة بعضهم:{لَمَآ آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ} بتشديد
(لَمَّا)، والفارسىُّ فى قوله تعالى:{وَيُنَزِّلُ مِنَ السمآء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ} . ويجوِّز كون من ومن الأَخيرتين زائدة، وقال به بعضهم فى:{وَلَقدْ جَآءَكَ مِن نَّبَإِ المرسلين} .
وأَمّا قوله تعالى: {كُلَّمَآ أرادوا أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا مِنْ غَمٍّ} فمِن الأَولى للابتداءِ، والثانية للتعليل. وقوله:{مِمَّا تُنْبِتُ الأرض مِن بَقْلِهَا} ، مِن الأُولى للابتداءِ، والثانية إِمّا كذلك فالمجرور بدل بعض وأَعيد الجار، وإِمّا لبيان الجنس، فالظرف حال، والمنبَت محذوف، أَى مما تُنبته كائناً / من هذا الجنس.
وقوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ الله} ، (مِن الأُولى مثلها فى زيد أَفضل من عمرو، و (من) الثانية للابتداءِ. وقوله: {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرجال شَهْوَةً مِّن دُونِ النسآء} من للابتداءِ، والظرف صفة لشهوة أَى شهوة مبتدأَة من دونهنّ. وقوله:{مَّا يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب} الآية فيها (مِنْ) ثلاث مرات: الأُولى للبيان؛ لأَن الكافرين نوعان كتابيّون ومشركون، والثانية زائدة، والثالثة لابتداءِ الغاية. وقوله:{لآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ} ، {وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِّمَّن يُكَذِّبُ} الأُولى فيهما للابتداءِ، والثانية للتبيين. وقوله تعالى:{نُودِيَ مِن شَاطِىءِ الوادي الأيمن فِي البقعة المباركة مِنَ الشجرة} ، من فيهما للابتداءِ، ومجرور الثانية بدل من مجرور الأُولى بدل اشتمال؛ لأَنَّ الشجرة كانت ثابتة بالشاطىءِ.