الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بصيرة فى غض وغضب وغطش وغطا وغفر
الغُصَّة: الشَجَا، وما اعترَض فى الحَلْق فأَشرق، والجمع: غُصَص. وقد غَصِصْت وغَصَصْت تَغَصّ غَصَصًا.
والغَضّ والغضيض: الطرىّ. وغَضَّ طَرْفَه: خفضه واحتمل المكروه، ومن فلان: نقص ووضع من قَدْره.
والغَضَب: ثَوَران دم القلب إِرادةً للانتقام، قال تعالى:{فَبَآءُو بِغَضَبٍ} . غَضِب عليه غَضَبًا ومَغْضَبَة: سخِطَ. وقوله / تعالى: {غَيْرِ المغضوب عَلَيْهِم} . يعنى اليهود.
وقال ابن عرفة: الغضب من المخلوقين شىءٌ يُداخل قلوبَهم، ويكون منه محمود ومذموم، فالمذموم ما كان فى غير الحقِّ. وأَمّا غضب الله عز وجل، فهو إِنكاره على من عصاه فيعاقبه. وقال الطحاوى: إِنَّ الله يغضب ويرضى لا كأَحد من الوَرَى. وقال غيرهما: المفاعيل إِذا وليتها الصّفات فإِنها تذكِّر الصفات وتجمعها وتؤَنِّثها، وتترك المفاعيل على أَحوالها، يقال: هو مغضوب عليه، وهما مغضوب عليهما.
وهم مغضوب عليهم، وهى مغضوب عليها، وهُنَّ مغضوب عليهنَّ. ورجل غضبان وامرأَة غَضْبىَ. ولغة بنى أَسَد غضبانة. وقوم غَضْبى وغُضَابى وغَضابى مثل سكرى وسُكارَى وسَكارَى.
وقوله تعالى: {وَذَا النون إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً} أَى مراغماً لقومه.
{وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا} ، أَى أَذهب ضوءَه وجعله مظلمًا. وأَصله من الغَطَش، وهو شبه الغَمَش فى العين.
والغِطاءُ - ككساء -: ما يغطَّى به الشىءُ. وقد استعير للجهالة، قال تعالى:{فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ} .
والغَفْر: الستر. اللهُمّ غَفْرًا. والغُفْرَان والمَغْفِرَة من الله هو أَن يصون العَبْدَ مِن أَن يمسّه العذاب. وقد يقال: غفر له إِذا تجاوز عنه فى الظَّاهر وإِن لم يتجاوز فى الباطن، نحو:{قُل لِّلَّذِينَ آمَنُواْ يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ الله} . والاستغفار: طلب المغفرة قولاً وفعلاً. وقوله: {استغفروا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً} لم يؤْمَرُوا أَن يسأَلوه ذلك باللسان فقط، بل به وبالفعل، فبدونه قول الكذَّابين. وقوله:{وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ} ، وقوله:{إِنَّ الله يَغْفِرُ الذنوب جَمِيعاً} ، وقوله:{إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} ، وقوله:{إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً} ، وقوله:{غَافِرِ الذنب وَقَابِلِ التوب} فيه من تأْميل الرّاجين، وتأْنِيس المذنبين ما لا يخفى.
ومن دعاءِ الأَعراب: اللَّهُمّ أَسأَلك الغَفِيرة، والناقة الغزيرة، والعزّ فى العشيرة قال:
كلّ الذنوب فإِنَّ الله يغفرها
…
إِنْ شيَّع المرءَ إِخلاص وإِيمانُ
وكل كسر فإِن الله يَجبرهُ
…
وما لكسر قناة الدين جُبْرانُ
واعلم أَنَّ كلّ أَحد - من عهد آدم إِلى يومنا هذا وإِلى يوم القيامة - من نبىٍّ وولىٍّ، ومؤْمن موقِن وصادق، وفاسق، وكافر ونافر، ومخلص، إِلَاّ وهو ينتظر بحقَّه المغفرة. أَما ترى آدم عليه السلام وابتهالَه وتضرّعه فى سؤال الغفران فى قوله:{رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا} . وقال شيخ المرسلين: {رَّبِّ اغفر لِي وَلِوَالِدَيَّ} وأَمَر قومه به: {فَقُلْتُ استغفروا رَبَّكُمْ} . وقال هود لقومه: {وياقوم استغفروا رَبَّكُمْ} . وقال صالح: {لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ الله} . وقال إِبراهيم: {سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ ربي} وقال فى حقِّ نفسه: {والذي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي} . وإِخوة يُوسفَ سأَلوا وَالِدَهم أَن يستغفر لهم: {ياأبانا استغفر لَنَا} فوعدهم بقوله: {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ ربي} ، ويوسف بشرّهم بالمغفرة بقوله:{لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ اليوم يَغْفِرُ الله لَكُمْ} . سَحَرة فرعون كانوا فى طلب المغفرة: {إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَآ} . موسى ساعة قَتْلِه
القِبطىّ عرض هذه الحاجة فقال: {إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فاغفر لِي} ، ثم أَشرك أَخاه فى دعائه / فقال:{رَبِّ اغفر لِي وَلأَخِي} . داوُد رفع قصّة ضراعته فى هذه الحاجة: {فاستغفر رَبَّهُ} فقوبلت قصته بإِجابته {فَغَفَرْنَا لَهُ} . سليمان افتتح سؤَاله قبل سؤال المُلْك بطلب المغفرة: {رَبِّ اغفر لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً} . عيسى فى عرَصات القيامة يُحِيل أُمَّتَه إِلى عالم المغفرة: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ} . سيّد المرسلين ومقصد الوجود وأُعجوبة العالَم أُمِر بطلبه له ولأُمَّتِه: {واستغفر لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} فكانت المغفرة أَعظم هداياه من ربِّ العالمين: {لِّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ} . عتاب الصدّيق من الله لم يكن إِلَاّ لأَجل المغفرة: {أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ الله لَكُمْ} . شفاعة الملكِ الوهّاب إِلى عمر بن الخَطَّاب فى قوم قد استوجبوا أَشدّ العقاب ما كانت [إِلَاّ] فى المغفرة: {قُل لِّلَّذِينَ آمَنُواْ يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ الله} . أَعظم حاجات عثمان فى أَعقاب الصّلوات وخَتْم القرآن طلب المغفرة والرضوان: {وبالأسحار هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} . والثناء على علّى، من الملِك العلىِّ، كان بهذا المُهمّ الجلىّ:{والمستغفرين بالأسحار} .
ثمّ إِنَّ الله تعالى نبّه على أَنَّ المشرك غيرُ أَهل للمغفرة فقال: {إِنَّ الله لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} . دعوة سيّد المرسلين كانت بطمع طلبه المغفرة: {تَعَالَوْاْ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ الله} ، ثم عَرَّف بعدم معرفة الكافر قدر المغفرة:{سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} . ثمّ أَمر بالعفو والاستغفار، للأَخيار والأَبرار:{فاعف عَنْهُمْ واستغفر لَهُمْ} . حَمَلة العرش يتوسّلون إِلى الله بطلب المغفرة للمؤْمنين من عباده: {الذين يَحْمِلُونَ العرش وَمَنْ حَوْلَهُ} إِلى قوله: {فاغفر لِلَّذِينَ تَابُواْ} ، {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الأرض} ، {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ} . تضرّع أَهل الإِيمان وانتهاؤُهم إِلى الرحمان فى طلب الغفران:{سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ} . بشَّر عباده بأَعظم البُشْرى: {هُوَ أَهْلُ التقوى وَأَهْلُ المغفرة} ، {نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الغفور الرحيم} .