الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بصيرة فى كبر
الكبير والصَّغير من الأَسماءِ المتضايفة. ويُستعملان فى الكمّيَّةِ المتَّصلة كالأَجسام، وذلك كالكثير والقليل فى الكمِّيَّة المنفصلة كالعدد؛ وربَّما يتعاقب الكثير والكبير على شىء واحد بنظرين مختلفين، نحو قوله تعالى:{قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ} و (كَثِير) وقرئ بهما. وأَصل ذلك أَن يستعمل فى الأَعيان ثم استعير فى المعانى نحو قوله: {لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَاّ أَحْصَاهَا} .
وقوله: {يَوْمَ الحج الأكبر} إِنَّما وصفه بالأَكبر تنبيها أَنّ العُمرة هى الحجَّة الصغرى، كما قال صلى الله عليه وسلم:"العمرة / هى الحجّ الأَصغر" وقيل المراد بالحجِّ الأَكبر حجّة الوداع؛ لأَنَّه لم يقع مثلها من حين خلق الله الكعبة إِلى يوم القيامة، فإِنَّه حضرها النبىّ صلى الله عليه وسلم فى نحو من تسعين أَلف صحابىّ. وقيل: الحجّ الأَكبر بالنسبة إِلى كلِّ أَحد حجّة يجتمع فيها بأَحد من أَكابر الأَولياءِ والأَقطاب الواصلين، ويشمله نظره وبركته ودعاؤه خصوصاً، فذلك الحجّ الأَكبر بالنِّسبة إِليه؛ وقيل: إِذا كان الوقوف بعرفة يوم جمعة، وقيل غير ذلك.
ومن ذلك ما اعتبر فيه الزمان، فيقال: فلان كبير أَى مُسِنٌّ، نحو
قوله: {وَقَدْ بَلَغَنِي الكبر} . ومنه ما اعتبر فيه المنزلة والرفعة، نحو قوله:{أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً} ، وقوله:{فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلَاّ كَبِيراً لَّهُمْ} فسمَّاه كبيرًا بحسب اعتقادهم فيه لا لقدْر ورفعة حقيقيَّة، وقوله:{أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا} أَى رؤساءَها، {إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ} أَى رئيسكم. ومن هذا النَّحو: ورِثه كابرًا من كابرٍ، أَى إِنه عظيم القدر عن أَب مثله.
والكبيرة متعارفة فى كل ذنب تعظُم عقوبته، والجمع: الكبائر. وقوله: {الذين يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإثم} ، وقوله:{إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} ، قيل: أَريد بهما الشِّرك لقوله: {إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} ، وقيل: هى الشرك وسائر المعاصى الموبِقة كالزنى وقتل النَّفس المحرَّمة. وقيل: هى السَّبع المنصوص عليها فى الحديث. وقيل: هى المذكورات فى أَوّل سورة النِّساءِ إِلى قوله: {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ} الآية. وقيل: الكبائر سبعون، وقيل: سبعمائة. وقيل: كلُّ ذنب ومَعْصِية لله عز وجل كبيرة، ولا صغائر فى الذنوب حقيقة، وإِنَّما يقال لبعضها صغائر بالنِّسبة إِلى ما هى أَعظم وأَكثر منها.
ويستعمل الكبير فيما يصعب ويشقّ على النَّفس، نحو قوله تعالى:{وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَاّ عَلَى الخاشعين} . وقوله: (كَبيرة) فيه تنبيه على عظم ذلك من بين الذنوب وعظم عقوبته، ولهذا قال:{كَبُرَ مَقْتاً عِندَ الله} . وقوله: {تولى كِبْرَهُ} إِشارة إِلى مَن تولَّى حديث الإِفك، وتنبيه بأَنَّ من سنَّ سنَّة قبيحة يصير مقتدًى بها فذنبه أَكبر.
والكِبْر والتكبُّر والاستكبار متقاربة. فالكِبْر حالة يتخصّص بها الإِنسان من إِعجابه بنفسه، وأَن يرى نفسه أَكبر من غيره. وأَعظم الكِبْر التكبُّر على الله بالامتناع عن قبول الحقِّ.
والاستكبار على وجهين: أَحدهما: أَن يتحرَّى الإِنسان ويطلب أَن يكون كبيرًا، وذلك متى كان على ما يجب، وفى المكان الَّذى يجب، وفى الوقت الَّذى يجب فمحمود. والثانى: أَن يتشبَّع فيُظهر من نفسه ما ليس له، فهذا هو المذموم، وعليه ورد القرآن الكريم وهو قوله تعالى:{أبى واستكبر} ، وقوله:{فَيَقُولُ الضعفاء لِلَّذِينَ استكبروا} ، وقوله:{فاستكبروا وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ} ، ونبّه بقوله (مُجْرمين) أَن حاملهم على ذلك ما تقدَّم من جُرمهم، وأَنَّ ذلك دأْبهم لا أَنه شىء حادث منهم.
والتكبّر على وجهين:
أَحدهما: أَن تكون الأَفعال الحسنة كبيرة فى الحقيقة وزائدة على محاسن غيره، وعلى هذا قوله تعالى:{العزيز الجبار المتكبر} .
والثانى: أَن يكون متكلِّفاً لذلك متشبِّعا، وذلك فى عامّة الناس؛ نحو قوله تعالى:{يَطْبَعُ الله على كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} . وكل من وصف بالتكبّر على الوجه الأَوّل فمحمود دون الثانى، ويدلُّ على صحَّة وصف الإِنسان به / قوله:{سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الذين يَتَكَبَّرُونَ فِي الأرض بِغَيْرِ الحق} . والتَّكبّر على المتكبّر صدقة.
والكبرياءُ: الترفُّع عن الانقياد، ولا يستحقه إِلَاّ الله تعالى، قال تعالى:"الكبرياءُ ردائى، والعظمة إِزارى، فمن نازعنى فى شىء منهما قصمته".
وأَكبرت الشىء: رأَيته كبيرًا، قال تعالى:{فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} والتكبير يقال لذلك، ولتعظيم الله بقول اللهُ أَكبر، ولعبادته واستشعار بعظمته. وقوله:{لَخَلْقُ السماوات والأرض أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ الناس} إِشارة إِلى ما فيهما من عجائب صنعه، وغرائب حكمته التى لا يعلمها إِلَاّ قليل ممَّن وصفهم الله بقوله:{وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السماوات والأرض} . وقوله: {يَوْمَ نَبْطِشُ البطشة الكبرى} تنبيه أَنَّ جميع ما ينال الكافر من العذاب قبل ذلك فى الدُّنيا وفى البرزخ صغير فى جنب عذاب ذلك اليوم.
وقال بعض المفسِّرين ورد الكِبْرُ والكِبَرُ على اثنى عشر وجهاً فى القرآن:
1-
بمعنى الثقيل: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَاّ عَلَى الخاشعين} ، {وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَاّ عَلَى الذين هَدَى الله} ، {وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ} ، {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} ، (أَى ثقلت) .
2-
الكِبَر والصِّغر بمعنى الكثرة والقلَّة: {وَلَا يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً} ، {وَلَا تسأموا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَو كَبِيراً} ، أَى كثيرًا.
3-
بمعنى كمال قبح الذَّنب والذلَّة: {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} ، {كَبَائِرَ الإثم والفواحش} .
4-
بمعنى انتشار النُور والشُّعاع: {فَلَماَّ رَأَى الشمس بَازِغَةً قَالَ هاذا رَبِّي هاذآ أَكْبَرُ} ، أَى أَنور.
5-
بمعنى الفضل والعلم والفطنة: {إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الذي عَلَّمَكُمُ السحر} ، أَى أَعلمكم ومعلِّمكم.
6-
بمعنى عِظَم الشخص والجثَّة: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ} .
7-
بمعنى زيادة السِّنّ: {إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً} ، {وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} ، {وَأَصَابَهُ الكبر} ، {وَقَدْ بَلَغَنِي الكبر} .
8-
بمعنى البعد والتجاوز من الحدّ: {وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً} ، {وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً} ، {إِنْ أَنتُمْ إِلَاّ فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ} ، {فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَاّ طُغْيَاناً كَبِيراً} .
9-
بمعنى شدَّة العذاب: {نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً} .
10-
بمعنى الفوز بالجنَّة: {وَمُلْكاً كَبِيراً} ، {ذَلِكَ الفوز الكبير} .
11-
بمعنى زيادة الثَّواب والكرامة: {لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} .
12-
بمعنى الجلال والعظمة: {الكبير المتعال} .