الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بصيرة فى كره
الكَرْه والكُرْه - بالفتح والضمّ -: الإِباءُ، والمشقَّة. وقيل: الكُرْه - بالضمِّ -: ما أَكرهت نفسك عليه، والكَره - بالفتح -: ما أَكرهوك عليه. كَرِهَه - بالكسر - كَرْهاً وكُرْهاً وكَرَاههً وكَرَاهِيةً - بالتخفيف - ومَكْرَهة ومَكْرَها. وشىء كَرْه وكَرِيه أَى مكروه. وكرّهه إِليه: صيّره كرِيهاً.
وقيل: الكُره على ضربين: أَحدهما: ما يعافه (من حيث) الطَّبع، والثانى: ما يعافه من حيث العقل والشرع. ولهذا يصحّ أَن يقال فى الشىء الواحد: أَريده وأَكرهه، قال تعالى:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ القتال وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ} أَى تكرهونه طبعاً، ثم قال:{وعسى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} وبيَّن به أَنه لا يجب للإِنسان أَن يعتبر كراهيته للشىء أَو محبّته له حتَّى يعلم حاله. وقوله: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ} تنبيه أَن أَكل لحم الأَخ شىء قد جُبل الطَّبعُ على كراهته له، وإِن تحرَّاه الإِنسان. وقوله تعالى:{وَلَا تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى البغآء} نهى عن حملهن على ما فيه كَرْه وكُرْه.
وقوله: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدين} ، قيل: منسوخ، وإِنه كان فى أَوّل / الأَمر كان يُعرض الإِسلام على المرءِ، فإِن أَجاب وإِلَاّ تُرك. وقيل: إِنَّ ذلك فى أَهل الكتاب، (فإِنهم إِنْ أَدَّوا الجزية والتزموا الشرائط تُركوا) . وقيل: معناه لا حكم لمن أُكره على دين باطل، فاعترف به ودخل فيه، كما قال:{إِلَاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بالإيمان} . وقيل معناه: لا اعتداد فى الآخرة بما يفعله الإِنسان من الطَّاعة كرهاً، فإِنَّ الله تعالى عليم بالسَّرائر، ولا يرضى إِلَاّ الإِخلاص. وقيل معناه: لا يُحمل الإِنسان على أَمر مكروه فى الحقيقة ممَّا يكلِّفهم الله، بل يُحملون على نعم الأَبد. قال صلى الله عليه وسلم:"عجِب ربُّك من قوم يُقادون إِلى الجنَّة بالسّلاسل". وقيل: الدّين هنا بمعنى الجزاء، أَى أَنه ليس بمكره على الجزاءِ، بل يفعل ما يشاءُ بمن يشاءُ كما يشاءُ.
وقوله: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السماوات والأرض طَوْعاً وَكَرْهاً} قيل: من فى السّماوات طوعاً، ومن فى الأَرض كرهاً، أَى الحجة أَكرهتهم وأَلجأَتهم، وليس هذا من الكره المذموم. وقيل معناه: أَسلم المؤمنون طوعاً والكافرون كرهاً. وقال قتادة: أَسلم المؤمنون له طوعاً والكافرون كرهاً عند الموت حيث قال: {فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا} وقيل: عنى بالكره من قوتل وألجئ إِلى أَن يؤمن. قال أَبو العالية ومجاهد:
إِنّ كلاًّ أَقرَّ بخلقه إِياهم وإِنْ أَشركوا معه، كقوله:{وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله} . وقال ابن عباس: أَسلموا بأَحوالهم المنبئة عنهم، وإِن كفر بعضهم بمقالتهم، ذلك هو الإِسلام فى الذَّرْءِ الأَوّل حيث قال:{أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} ، وذلك هو دلائلهم الَّتى فُطِرُوا عليها من العقل المقتضى لأَن يسلموا، وإِلى هذا أَشار بقوله:{وَظِلالُهُم بالغدو والآصال} .
وقال بعض المحقِّقين: من أَسلم طوعاً هو الذى طالع المثيب والمعاقِب، لا الثواب والعقاب فأَسلم له، ومن أَسلم كرها هو الذى طالع الثواب والعقاب، فإِنه أَسلم رهبة ورغبة. ونحو هذه الآية:{وَللَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السماوات والأرض طَوْعاً وَكَرْهاً} وقوله: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً} أَى كُلْفة ومشقَّة، وقوله:{ولاكن كَرِهَ الله انبعاثهم} أَى لم يُرِد. والله أَعلم.