الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بصيرة فى عدل
العَدْل والعِدْل واحد فى معنى المِثْل، قاله الزَّجَّاج. قال: والمعنى واحد، كان المثلُ من الجنس أَو من غير الجنس، قال: ولم يقولوا إِن العرب غَلِطَتْ، وليس إِذا أَخطأَ مخطئٌ وجب أَن تقول: إِن بعض العرب غَلِطَ. وقال ابن الأَعرابىِّ: عَدْل الشىءِ وعِدْله سواءٌ أَى مثله. وقال الفرّاءُ: العَدْل - بالفتح -: ما عادل الشىء من غير جنسه، والعِدْل - بالكسر - المِثْل، تقول: عندى عِدْل غلامك وعِدْل شاتك: إِذا كان غلامًا يعدل غلامًا أَو شاة تعدل شاة، فإِذا أَردت قيمته من غير جنسه نصبت العين. وربّما كسرها بعض العرب فكأَنَّه منهم غلط. وقد أَجمعوا على واحد الأَعدال أَنّه عِدْل بالكسر.
والعَدْل: خلاف الجَوْرِ. يقال: عدل عليه فى القضيّة فهو عادل، وبسط الوالى عَدله ومَعْدِلته ومَعدَلته، وفلان من أَهل المعدَِلة أَى من أَهل العَدْل. ورجل عَدْلٌ، أَى رِضًا ومَقْنع فى الشهَّادة؛ وهو فى الأَصل مصدر. وهو عادل من قوم عُدُول وعَدْلِ، الأَخيرة اسم للجمع كتَجْر وشَرْب.
ورجل عَدْل، وصف بالمصدر وعلى هذا لا يثنَّى ولا يجمع ولا يؤَنَّث. فإِن رأَيته مجموعاً أَو مثنى أَو مؤَنّثًا فعلى أَنَّه قد أُجرى مُجرى الوصف الذِّى ليس بمصدر. وقد حكى ابن جنىّ: امرأَة عَدْلة، أَنَّثوا المصدر لمّا جرى وصفا على المؤَنَّث وإن لم يكن على صورة اسم الفاعل ولا هو الفاعل فى الحقيقة.
وقيل: العَدّل يستعمل فيما يدرك بالبصيرة كالأَحكام، كقوله تعالى:{أَو عَدْلُ ذلك صِيَاماً} . والعِدل - بالكسر - والعَدِيل فيما يدرك بالحاسّة كالموزونات والمعدودات والمكِيلات. والعَدْل: هو التقسيط على سواء، وعلى هذا رُوى: بالعَدْلِ قامت السّماوات والأَرض، تنبيهاً أَنَّه لو كان ركن من الأَركان الأَربعة فى العالم زائدا على الآخر أَو ناقصاً عنه على مقتضى الحكمة لم يكن العالَمُ منتظمًا.
والعَدل ضربان: مطلق يقتضى العقلُ حسنه، ولا يكون فى شىءٍ من الأَزمنة منسوخاً، ولا يوصف بالاعتداءِ بوجه، نحو الإِحسان إِلى من أَحسن إِليك، وكفّ الأَذى عَمّن كَفَّ أَذاه عنك. وعَدْل يعرف كونه عدلا بالشرع، ويمكن أَن يكون منسوخاً فى بعض الأَزمنة كالقصاص وأَرش الجنايات وأَخذ مال المرتدّ، ولذلك قال تعالى:{فَمَنِ اعتدى عَلَيْكُمْ فاعتدوا عَلَيْهِ} ، قال:{وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} فسمّى ذلك سيّئة واعتداء. وهذا النحو هو المعنىّ بقوله تعالى: {إِنَّ الله يَأْمُرُ بالعدل والإحسان} ، فإِنَّ العدل هو المساواة فى المكافأَة إِنْ خيرا فخير وإِن شرًّا فشرّ، والإِحسان أَن يقابل الخير بأَكثر منه والشر بأَقلّ منه.
وقوله: {وَأَشْهِدُواْ ذَوَي عَدْلٍ مِّنكُمْ} أَى ذَوَىْ عدالة. وقوله: {وَلَن تستطيعوا أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النسآء} [فإِشَارةٌ] إِلى ما عليه جِبِلّة الإِنسان من الميل؛ فإِن الإِنسان لا يقدر على أَن يسوّى بينهنَّ
فى المحبة {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَاّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً} إِشارة إِلى العدل الذى هو القَسْم والنفقة.
وقوله: {أَو عَدْلُ ذلك صِيَاماً} أَى ما يعادل من / الصّيام الطعام. ويقال للفِداء إِذا اعتبر فيه معنى المساواة. وفى الحديث: "لا يُقبل منه صَرْف ولا عَدْل". قيل: الصرف: التوبة، وقيل: النافلة. والعدل: الفِدْية، وقيل: الفريضة. وقيل: الصّواب أَنَّ الصرف بمعنى التصرّف والتدّبير والحيلة، والعدل بمعنى الفدية. قال تعالى:{فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلَا نَصْراً} أَى تصرّفاً وتدبيراً. وقال تعالى: {وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَاّ يُؤْخَذْ مِنْهَآ} وكأَن المعنى: ما يقبل منه ما تصرَّف فيه بحيلة وكَدَح له وتعب ونصِب، ولا فداء ولو افتدى به. وقيل: العدل السويّة، وقيل العدل: التطوّع، والصرف: الفريضة. ومعنى: (لا يقبل منه) أَى لا يكون له خير يقبل منه.
وقوله: {ثْمَّ الذين كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} أَى يجعلون له عديلا، فصار كقوله:{والذين هُم بِهِ مُشْرِكُونَ} ، وقيل: يعدلون بأفعاله عنه وينسُبونها إِلى غيره. وقيل: يعدلون بعبادتهم عنه تعالى، وقيل: الباءُ بمعنى عن. وقوله: {بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} يصحُّ أَن يكون من قولهم: عدل عن الحقِّ: إِذا جار. وفلان يعادل هذا الأَمر: إِذا ارتبك فيه ولم يُمضِه. قال:
إِذا الهَمُّ أَمسى وهْو داء فأمضِه
…
فلستَ بممضيه وأَنت تعادلُه