الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بصيرة فى لم ولم ولما
لَمَّ الشىءَ يَلُمّه: جمعه. ولمّ الله شَعَثه: قارب بين شتيت أَمره. ورجل مِلَمّ: يجمع القوم، أَو يجمع بين عشيرته. قال الله تعالى:{أَكْلاً لَّمّاً} الأَكل يلمّ الثريد. وأَلمّ به: نزل. ويزورنى لِمَاماً، أَى غِبًّا.
واللَمَم: مقاربة المعصية. ويعبر به عن الصغيرة. وقوله تعالى: {إِلَاّ اللمم} من قولك: أَلممت بكذا، أَى نزلت به وقاربته من غير مواقعة. وغلام مُلِمّ: مراهق. والمُلِمَّة: النازلة. وأَلمّ بالأَمر: لم يتعمّق فيه. وأَلمّ: باشر صغار الذنوب. وأَلمّ النخلُ: قارب الإِرطاب.
لَمْ: حرف جازم / ينفى المضارع ويقلبه ماضياً، قال تعالى:{لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} . وقد يرتفع الفعل بعدها؛ كقول الشاعر:
لولا فوارِسُ من نُعْمٍ وإِخوتهم
…
يوم الصُّلَيفاء لم يُوفُون بالجار
وقيل: ضرورة. وقيل: بل لغة صحيحة لبعض العرب. وقال اللِّحيانىّ: وقد ينصب الفعل بعدها. وهى لغة لبعض العرب:
فى أَىّ يَوْمَىَّ من الموتِ أَفِرّْ
…
أَيَوْمَ لَمْ يُقْدَرْ أَمْ يومَ قُدِرْ
ومنه قراءَة بعضهم: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} ، وقيل: كان الأَصل:
نشرحَنْ فحذفت النون؛ وليس بجيّد. وقد تفُصل (لَمْ) من مجزومها بالظرف لضرورة الشعر؛ كقوله:
فذاك ولم إِذا نحن امْتَرَيْنا
…
تكنْ فى الناس يُدركُك المِراءُ
وقول الآخر:
فأَضحت مغانيها قِفارا رُسومُها
…
كأنْ لم سِوَى أَهلٍ من الوحش تؤهِلِ
وقد يليها الاسم معمولا لفعل محذوف يفسّره ما بعده؛ كقوله،
ظننت فقيرا ذا غِنًى ثم نلته
…
فلمْ ذا رجاء أَلقَه غير ذاهب
وَأَمَّا لَمَّا فعلى ثلاثة أَوجه:
أَحدها: أَن تختص بالمضارع فتجزمه، وتنفيه، وتقلبه ماضياً، كلَمْ إِلَاّ أَنها تفارقها فى خمسة أَمور:
1-
أَنها لا تقترن بأَداة شرط، لا يقال: إِنْ لَمَّا يقم. وفى التنزيل: {وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ} ، و {لَئِن لَّمْ تَنتَهُواْ} ، {وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَآ آمُرُهُ} .
2-
أَن منفيّها مستمرّ النفى إِلى الحال؛ كقول عثمان:
فإِنْ كنتُ مأْكولا فكن خير آكل
…
وإِلَاّ فأَدركنى ولمّا أَمزّق
ومنفىّ لم يحتملَ الاتِّصال؛ نحو قوله تعالى: {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّاً} ، والانقطاعَ نحو قوله تعالى:{لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً} ، ولهذا
جاز لم يكن ثمَّ كان، ولم يجز لمّا يكن [ثمّ كان. بل يقال: لمَّا يكن] وقد يكون.
3-
منفىّ لَمَّا لا يكون إِلَاّ قريباً من الحال، ولا يشترط ذلك فى منفىّ لم، تقول: لم يكن زيد فى العام الماضى مقيما، ولا يجوز لمّا يكن.
4-
أَن منفىّ لَمَّا متوقَّع ثبوته، بخلاف منفىّ لم؛ ألا ترى أَن معنى {بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ} أَنهم لم يذوقوه إِلى الآن، وأَنَّ ذوقهم له متوقَّع. ومثله قوله تعالى:{وَلَمَّا يَدْخُلِ الإيمان فِي قُلُوبِكُمْ} ، وقد آمنوا فيما بعد.
5-
أَن منفىّ لمَّا جائز الحذف لدليل؛ كقوله:
فجئت قبورهم بَدْءًا ولمَّا
…
وناديت القبور فلم يُجبْنَهْ
أَى ولما أكن بَدءًا قبل ذلك، أَى سيدًا. ولا يجوز وصلت إِلى بغداد ولم، تريد: ولم أَدخلها.
الثانى من أَوجه لمَّا: أَن تختص بالماضى؛ ويقال: لَمَّا حرف وجود لوجود، وقيل: حرف وجوب لوجوب. وقيل: ظرف بمعنى حين، وقيل: بمعنى إِذْ، ويكون جوابها فعلا ماضياً اتِّفاقا، وجملة اسميّة مقرونة بإِذا الفجائية، أَو بالفاء عند بعضهم، وفعلاً مضارعاً عند بعضهم.
دليل الأَوّل قوله تعالى: {فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى البر أَعْرَضْتُمْ} ودليل الثانى: {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى البر إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} ودليل الثالث: {فَلَمَّا
نَجَّاهُمْ إِلَى البر فَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ} ، ودليل الرابع:{فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الروع وَجَآءَتْهُ البشرى يُجَادِلُنَا} ، وهو مؤوّل بجادَلنا.
وقيل فى آية الفاء: إِن الجواب محذوف، أَى انقسموا قسمين. فمنهم مقتصد، وفى آية المضارع: إِن الجواب {جَآءَتْهُ البشرى} على زيادة الواو، أَو الجواب محذوف، أَى أَقبل يجادلنا.
الثالث: يكون حرف استثناء، فيدخل على الجملة الاسميّة، نحو:{إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} فيمن شدَّد الميم؛ وعلى الماضى لفظاً لا معنًى، نحو / أَنْشُدُك اللهَ لَمَّا فعلتَ، أَى ما أَسأَلك إِلَاّ فِعْلك، ومنه قوله تعالى:{وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ} قال الفرّاءُ: لَمَّا وُضعت فى معنى إِلَاّ، فكأَنها لَمْ ضمّت إِليها ما وصارا جميعا حرفا واحدا، وخرجا من حدّ الجحد. قال الأَزهرى: ومما يدلّ على أَنَّ لَمَّا يكون بمعنى إِلَاّ مع إِنْ التى تكون جحدا قول الله عز وجل: {إِن كُلٌّ إِلَاّ كَذَّبَ الرسل} وهى قراءَة قرّاء الأَنصار، وقال الفرَّاءُ: وهى فى قراءَة عبد الله (إِنْ كُلّهم لَمَّا كَذَّب الرسل) ، والمعنى واحد.
وتكون لمّا مركَّبة من كلمات ومن كلمتين.
فأَمَّا المركَّبة من كلمات فكما فى: {وَإِنَّ كُلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ} فى قراءَة ابن عامر وحمزة وحفص بتشديد نون (إِن) وميم (لمَّا) فيمن قال: الأَصل: لَمِنْ مَا، فأَبدلت النون ميماً، وأُدغمت، فلمَّا كثرت الميمات حُذفت الأُولى. وهذا القول ضعيف؛ لأَن حذف هذه الميم استثقالا لم يثبت.
وأَضعف منه قول آخر: إِن الأَصل: لَمًّا بالتنوين بمعنى جمعاً، ثم حذف التنوين إجراء للوصل مُجرى الوقف؛ لأَن استعمال لَمَّا فى هذا المعنى بعيد، وحَذف التنوين من المنصرف أَبعد. وأَضعف من هذا قول من قال: إِنه فَعْلَى من اللمّ وهو بمعناه، ولكنه مُنع الصرف لأَلف التأْنيث. ولم يثبت استعمال هذه اللفظة.
واختار ابن الحاجب أَنها لَمَّا الجازمة حذف فعلها، والتقدير: لمّا يُهمَلوا، أَو لَمَّا يُتركوا لدلالة ما تقدم من قوله تعالى:{فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} ، ثم ذكر الأَشقياءَ والسعداء. وقيل: الأَحسن أَن يقدّر: لَمَّا يُوَفَّوْا أَعمالهم، أَى إنهم إِلى الآن لم يوَفَّوها وسيوفَّونها.
وأَمَّا قراءَة أَبى بكر بتخفيف (إِن) وتشديد (لمَّا) فيحتمل وجهين: أَحدهما: أَن تكون مخففة من الثقيلة. والثانى: أَن تكون (إِنْ) نافية و (كُلاّ) مفعولا بإضمار أَرى، ولَمَّا بمعنى إِلاّ.
وأَمَّا قراءَة النحويِّيْن بتشديد النون وتخفيف الميم فواضحة.
وأَمَّا قراءَة الحرمِيَّيْن بتخفيفهما فإِنَّ الأُولى على أَصلها من التشديد ووجوب الإعمال، وفى الثانية مخففة من الثقيلة، وأُعملت على أَحد الوجهين. واللام مِن (لما) فيهما لام الابتداء.
وأَمَّا المركَّبة من كلمتين فكقوله:
لمَّا رأَيت أَبا يزيدَ مقاتلاً
…
أَدع القتال وأَشهد الهيجاءَ
الأَصل فيه: لن ثم أدغمت النون فى الميم للتقارب، ووُصِلا خطأ للإلغاز، وإِنما حقها أَن يكتبا منفصلين. والله أَعلم.