المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌الباب التاسع عشر - فى الكلمات المفتتحة بحرف العين

- ‌بصيرة فى العين

- ‌بصيرة فى عبد

- ‌بصيرة فى عبث وعبر وعبس

- ‌بصيرة فى عبأ وعبقر وعتب

- ‌بصيرة فى عتد وعتق وعتل وعتو

- ‌بصيرة فى عثر وعثى وعجب

- ‌بصيرة فى عجز وعجف وعجل

- ‌بصيرة فى العجل

- ‌بصيرة فى عجم

- ‌بصيرة فى عد

- ‌بصيرة فى عدل

- ‌بصيرة فى عدن وعدو

- ‌بصيرة فى عذب وعذر

- ‌بصيرة فى عرب

- ‌بصيرة فى عرج وعرش

- ‌بصيرة فى عرض

- ‌بصيرة فى عرف

- ‌بصيرة فى عرى وعرم

- ‌بصيرة فى عزب وعز

- ‌بصيرة فى عزر وعزل وعزم

- ‌بصيرة فى عزه وعسر وعس (وعسل)

- ‌بصيرة فى عسى وعشر

- ‌بصيرة فى عشى

- ‌بصيرة فى عصب

- ‌بصيرة فى عصر

- ‌بصيرة فى عصف وعصم

- ‌بصيرة فى عصو وعض

- ‌بصيرة فى عضد وعضل

- ‌بصيرة فى عضو وعطف

- ‌بصيرة فى عطل وعطو وعظم

- ‌بصيرة فى عف وعفر وعفو

- ‌بصيرة فى عقب

- ‌بصيرة فى عقد وعقر

- ‌بصيرة فى عقل

- ‌بصيرة فى عقم وعكف وعلق

- ‌بصيرة فى علم

- ‌بصيرة فى علن وعلو

- ‌بصيرة فى عم وعمد

- ‌بصيرة فى عمر وعمق وعمل

- ‌بصيرة فى عمه وعمى وعن

- ‌بصيرة فى عنت وعند وعنق

- ‌بصيرة فى عنو وعوج

- ‌بصيرة فى عود

- ‌بصيرة فى عوذ وعور

- ‌بصيرة فى عول وعوق وعوم وعون

- ‌بصيرة فى عهد وعهن

- ‌بصيرة فى عيب

- ‌بصيرة فى عير (عيس) وعيش وعيل وعى

- ‌الباب العشرون - فى الكلم المفتتحة بحرف الغين

- ‌بصيرة فى الغين

- ‌بصيرة فى غبر وغبن

- ‌بصيرة فى غثو وغدر وغدق وغدو

- ‌بصيرة فى غرب

- ‌بصيرة فى غر

- ‌بصيرة فى غرض وغرف وغرق وغرم وغرى

- ‌بصيرة فى / غزل وغزو وغسق وغسل وغشى

- ‌بصيرة فى غض وغضب وغطش وغطا وغفر

- ‌بصيرة فى غفل

- ‌بصيرة فى غلب

- ‌بصيرة فى غل

- ‌بصيرة فى غلظ وغلف وغلق

- ‌بصيرة فى غلم وغلو وغمر وغمز

- ‌بصيرة فى غم

- ‌بصيرة فى غمض وغنم وغنى

- ‌بصيرة فى غيب

- ‌بصيرة فى غور وغوص وغول

- ‌بصيرة فى غيض وغيظ وغى

- ‌الباب الحادى والعشرون - فى الكلم المفتتحة بحرف الفاء

- ‌بصيرة فى الفاء

- ‌بصيرة فى فتح

- ‌بصيرة فى فتر وفتق وفتل وفتن

- ‌بصيرة فى فتى

- ‌بصيرة فى فتئ وفج وفجر وفجو وفحش وفخر

- ‌بصيرة فى فدى وفر وفرت وفرث وفرج وفرح

- ‌بصيرة فى فرد

- ‌بصيرة فى فرش وفرض

- ‌بصيرة فى فرط وفرع وفرغ

- ‌بصيرة فى فرق

- ‌بصيرة فى فره وفرى وفز

- ‌بصيرة فى فزع

- ‌بصيرة فى فسح وفسد وفسر وفسق وفشل وفصح

- ‌بصيرة فى فصل وفض

- ‌بصيرة فى فضل

- ‌بصيرة فى فضا وفطر وفظ

- ‌بصيرة فى فعل

- ‌بصيرة فى فقد

- ‌بصيرة فى فقر

- ‌بصيرة فى فقع وفقه وفك

- ‌بصيرة فى فكر

- ‌بصيرة فى فكه وفلح وفلق

- ‌بصيرة فى فلك وفلن وفن

- ‌بصيرة فى فند

- ‌بصيرة فى فوت وفوج

- ‌بصيرة فى فود و (فور)

- ‌بصيرة فى فوز وفوض

- ‌بصيرة فى فوق وفوه (وفوم)

- ‌بصيرة فى فهم وفيض وفيل وفيأ

- ‌الباب الثانى والعشرون - فى الكلم المفتتحة بحرف القاف

- ‌بصيرة فى القاف

- ‌بصيرة فى قبح وقبر وقبس

- ‌بصيرة فى قبص وقبض

- ‌بصيرة فى قبل

- ‌بصيرة فى قتر

- ‌بصيرة فى قتل

- ‌بصيرة فى قد

- ‌بصيرة فى قدر

- ‌بصيرة فى قدس

- ‌بصيرة فى قدم

- ‌بصيرة فى قذف وقر

- ‌بصيرة فى قرب

- ‌بصيرة فى قرح وقرد وقرطس

- ‌بصيرة فى قرض وقرع وقرف

- ‌بصيرة فى قرن

- ‌بصيرة فى قرأ وقرى

- ‌بصيرة فى قس وقسر وقسط

- ‌بصيرة فى قسم وقسو وقشعر

- ‌بصيرة فى قص وقصد

- ‌بصيرة فى قصر وقصف وقصم وقصو

- ‌بصيرة فى قض وقضيب وقضى

- ‌بصيرة فى قط وقطر

- ‌بصيرة فى قطع

- ‌بصيرة فى قطف وقطمير وقطن وقعد

- ‌بصيرة فى قعر وقفل وقفو

- ‌بصيرة فى قلب

- ‌بصيرة فى قل

- ‌بصيرة فى قلد وقلم وقلى

- ‌بصيرة فى قمح وقمر وقمص وقمطر وقمع وقمل

- ‌بصيرة فى قنت وقنط وقنع وقنى وقنو

- ‌بصيرة فى قوب وقوت وقوس

- ‌بصيرة فى قول

- ‌بصيرة فى قوم

- ‌بصيرة فى قهر وقوى

- ‌بصيرة فى قيض وقيع وقيل

- ‌الباب الثالث والعشرون - فى الكلم المفتتحة بحرف الكاف

- ‌بصيرة فى الكاف

- ‌بصيرة فى / كب وكبت وكبد

- ‌بصيرة فى كبد

- ‌بصيرة فى كبر

- ‌بصيرة فى كتب

- ‌بصيرة فى كتم

- ‌بصيرة فى كثب وكثر

- ‌بصيرة فى كدح وكدر وكدى

- ‌بصيرة فى كذب

- ‌بصيرة فى كر وكرب وكرس

- ‌بصيرة فى كرم

- ‌بصيرة فى كره

- ‌بصيرة فى كسب

- ‌بصيرة فى كسف وكسل وكسا

- ‌بصيرة فى كشط

- ‌بصيرة فى كشف

- ‌بصيرة فى كظم وكعب

- ‌بصيرة فى كف

- ‌بصيرة فى كفت

- ‌بصيرة فى كفر

- ‌بصيرة فى كفل

- ‌بصيرة فى كفو

- ‌بصيرة فى الكل

- ‌بصيرة فى كلب

- ‌بصيرة فى / كلف

- ‌بصيرة فى كلم

- ‌بصيرة فى كلا

- ‌بصيرة فى كلأ وكلا وكلتا

- ‌بصيرة فى كم

- ‌بصيرة فى كمل وكمه

- ‌بصيرة فى كن وكند وكنز

- ‌بصيرة فى كوب وكور

- ‌بصيرة فى كون وكين

- ‌بصيرة فى كهف وكهل وكهن

- ‌بصيرة فى كيد

- ‌بصيرة فى كيس وكيف (وكيل)

- ‌بصيرة فى كى

- ‌الباب الرابع والعشرون - فى الكلم المفتتحة بحرف اللام

- ‌بصيرة فى اللام

- ‌بصيرة فى لب

- ‌بصيرة فى لبث ولبد

- ‌بصيرة فى لبس

- ‌بصيرة فى لبن ولج ولحد ولحف

- ‌بصيرة فى لحق

- ‌بصيرة فى لحم ولحن ولد

- ‌بصيرة فى لدن ولدى

- ‌بصيرة فى لزب ولزم ولسن

- ‌بصيرة فى لطف ولظى ولعب (ولعن)

- ‌ بصيرة فى لعل

- ‌بصيرة فى لغب ولغو

- ‌بصيرة فى لف ولفت ولفح ولفظ ولفى

- ‌بصيرة فى لقب ولقح ولقط ولقف

- ‌بصيرة فى لقى

- ‌بصيرة فى لم ولم ولما

- ‌بصيرة فى لو

- ‌بصيرة فى لولا

- ‌بصيرة فى لا

- ‌بصيرة فى لن وليت (واللات)

- ‌بصيرة فى لكن ولكن

- ‌بصيرة فى لوح ولوذ ولوط ولوم

- ‌بصيرة فى لون ولؤلؤ وليل (ولين) ولى

- ‌الباب الخامس والعشرون - فى الكلم المفتتحة بحرف الميم

- ‌بصيرة فى الميم نفسها

- ‌بصيرة فى متع

- ‌بصيرة فى متن ومتى

- ‌بصيرة فى مثل

- ‌بصيرة فى مجد

- ‌بصيرة فى محص ومحق ومحل

- ‌بصيرة فى محن ومحو ومخر ومد

- ‌بصيرة فى مدن ومر ومرج ومرح

- ‌بصيرة فى مرد ومرض

- ‌بصيرة فى مرا ومرى ومزج ومزن

- ‌بصيرة فى مس ومسح

- ‌بصيرة فى مسخ ومسد

- ‌بصيرة فى مسك ومشج

- ‌بصيرة فى مشى ومصر ومضغ ومضى

- ‌بصيرة فى مطر ومطا ومع

- ‌بصيرة فى معز ومعن

- ‌بصيرة فى مقت ومكك ومكث

- ‌بصيرة فى مكر ومكن ومكا

- ‌بصيرة فى ملأ ومل

- ‌بصيرة فى ملح وملك وملو

- ‌بصيرة فى ملو ومنع

- ‌بصيرة فى منّ

- ‌بصيرة فى من

- ‌بصيرة فى من

- ‌بصيرة فى موت

- ‌بصيرة فى موج وميد ومير وميز

- ‌بصيرة فى ميل وماء

الفصل: ‌بصيرة فى عرف

‌بصيرة فى عرف

عرفه يعرِفه مَعْرِفة وعِرْفاناً فهو عارِف وعَرِيف وعَرُوفة: عَلِمَهُ. وقرأَ الكسائى: {عَرَّفَ بَعْضَهُ} مخفَّفة أَى جازى حفصَة ببعض ما فعلتْ. ومنه: أَعرِف للمحسن والمسىءِ، أَى لا يخفى علىَّ ذلك ولا مقابلته بما يوافقه.

والمعرفة: إِدراك الشىءِ بتفكُّر وتدبّر لأَثره، وهو أَخَصّ من العلم. ويقال: فلان يعرف اللهَ، ولا يقال: يعلم الله متعدّياً إِلى مفعول واحد، لمَّا كان معرفة البشر لله هى بتدبّر آثاره دون إِدراك ذاته. ويقال: الله يعلم كذا ولا يقال: يعرف كذا، لمَّا كان المعرفة تستعمل فى العلم القاصر المتوصَّل إِليه بتفكُّر وتدبّر.

وفد ورد فى القرآن لفظ المعرفة ولفظ العلم.

فلفظ المعرفة كقوله تعالى: {مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الحق} ، {الذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} .

وأَمّا لفظ العلم فهو أَكثر وأَوسع إِطلاقاً كقوله تعالى: {فاعلم أَنَّهُ لَا إلاه إِلَاّ الله} ، {شَهِدَ الله أَنَّهُ لَا إلاه إِلَاّ هُوَ والملائكة وَأُوْلُواْ العلم قَآئِمَاً بالقسط} ، وقوله: {والذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن

ص: 47

رَّبِّكَ بالحق} ، وقوله:{وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً} ، وقوله:{أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الحق كَمَنْ هُوَ أعمى} ، وقوله:{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الذين يَعْلَمُونَ والذين لَا يَعْلَمُونَ} ، وقوله:{وَقَالَ الذين أُوتُواْ العلم والإيمان لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ الله إلى يَوْمِ البعث فهاذا يَوْمُ البعث} {وَقَالَ الذين أُوتُواْ العلم وَيْلَكُمْ ثَوَابُ الله خَيْرٌ} ، وقوله:{وَتِلْكَ الأمثال نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلَاّ العالمون} ، وقوله:{قَالَ الذي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الكتاب} ، وقوله:{اعلموا أَنَّ الله يُحْيِي الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا} ، وقوله:{واعلموا أَنَّ الله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} ، وقوله:{اعلموا أَنَّمَا الحياة الدنيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} ، {واتقوا الله واعلموا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ} {فاعلموا أَنَّمَآ أُنزِلِ بِعِلْمِ الله} وغير ذلك من الآيات.

واختار الله لنفسه اسم العلم وما يتصرّف منه كالعالِم والعلِيم والعَلَاّم، وعَلِم ويَعْلم، وأَخبر أَن له عِلماً دون لفظ المعرفة، ومعلوم أَنَّ الاسم الذى اختاره لنفسه أَكمل نوعى المشارِك له فى معناه. وإِنما جاءَ لفظ المعرفة فى مؤمنى أَهل الكتاب خاصّة كقوله: {ذلك بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى الرسول ترى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ

ص: 48

مِنَ الدمع مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الحق} ، وقوله:{الذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} وقد تقدّمت الآيتان.

وإِنَّ الطائفة المتصوّفة -نفع الله بهم- يُرجّحون المعرفة على العلم، وكثير منهم لا يرفع بالعلم رأساً، ويراه قاطعاً وحجاباً دون المعرفة، وأَهل الاستقامة منهم أَشدّ الناس وصِيّة للمريدين بالعلم. وعندهم أَنه لا يكون ولِىٌّ لله كامل الولاية من غير أولى / العلم أَبدًا، فما اتَّخذ الله ولا يتَّخذ ولِيًّا جاهلا. فالجهل رأْس كلّ بدعة وضلال ونقص، والعلم أَصل كلّ خير وهدى.

والفرق بين المعرفة والعلم من وجوه لفظاً ومعنى:

أَمّا اللفظ: ففعل المعرفة يقع على مفعول واحد، تقول: عرفت الدّيار وعرفت زيداً، قال تعالى:{فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ} ، وقال:{يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} . وفعل العلم يقتضى مفعولين، كقوله تعالى:{فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} ، وإِذا وقع على مفعول كان بمعنى المعرفة كقوله تعالى:{وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ الله يَعْلَمُهُمْ} .

وأَمّا الفرق من جهة المعنى فمن وجوه:

أَحدها: أَنَّ المعرفة تتعلَّق بذات الشىءِ والعلم يتعلَّق بأَحواله، فتقول: عرفت أَباك وعلِمته صالِحاً، ولذلك جاءَ الأَمر فى القرآن بالعلم دون المعرفة

ص: 49

كقوله تعالى: {فاعلم أَنَّهُ لَا إلاه إِلَاّ الله} ، وقوله:{واعلموا أَنَّ الله شَدِيدُ العقاب} ، {فاعلموا أَنَّمَآ أُنزِلِ بِعِلْمِ الله} . فالمعرفة: تصوّر صورة الشىءِ ومثالِه العلمىّ فى النَّفس، والعلم: حضور أَحواله وصفاته ونسبتها إِليه. فالمعرفة: نسبة التصوّر، والعلم: نسبة التصديق.

الثانى: أَنَّ المعرفة فى الغالب تكون لِمَا غاب عن القلب بعد إِدراكِه، فإِذا أَدركه قيل: عرفه، أَو تكون لِمَا وُصف له بصفات قامت فى نفسه فإِذا رآه وعلم أَنَّه الموصوف بها قيل: عرفه، قال تعالى:{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يلبثوا إِلَاّ سَاعَةً مِّنَ النهار يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ} ، وقال:{وَجَآءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ} ، وفى الحديث:"إِنَّ الله سبحانه يقول لآخر أَهل الجنّة دخولا: أَتعرف الزمان الذى كنت فيه فيقول: نعم. فيقول: تمنَّ. فيتمنَّى على ربّه". وقال تعالى: {وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الذين كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ} . فالمعرفة نسبة الذِكر النفسىّ وهو حضور ما كان غائباً عن الذاكر، ولهذا كان ضدّها الإِنكار وضدّ العلم الجهل، قال تعالى:{يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ الله ثُمَّ يُنكِرُونَهَا} ويقال: عرف الحقَّ فأَقرّ به، وعرفه فأنكره.

الوجه الثالث: أَنَّ المعرفة تفيد تمييز المعروف عن غيره، والعلم يفيد تمييز ما يوصف به عن غيره. وهذا الفرق غير الأَوّل، فإِنَّ ذلك يرجع إِلى

ص: 50

إِدراك الذات وإِدراك صفاتها، وهذا يرجع إِلى تخليص الذات من غيرها، وتخليص صفاتها من صفات غيرها.

الفرق الرابع: أَنك إِذا قلت: علمت زيداً لم تفد المخاطب شيئاً، لأَنَّه يَنتظر أَن تخبره على أَىّ حال علمته، فإِذا قلت: كريماً أَو شجاعاً حصلت له الفائدة، وإِذا قلت: عرفت زيدا استفاد المخاطب أَنك أَثبتَّه وميّزته عن غيره ولم يبق ينتظر شيئاً آخر. وهذا الفرق فى التحقيق إِيضاح الذى قبله.

الفرق الخامس: أَنَّ المعرفة علم بعين الشىءِ مفصَّلاً عمّا سواه، بخلاف العلم فإِنه قد يتعلَّق بالشىءِ مُجملاً، فلا يتصوّر أَن يعرف الله البتَّة، ويستحيل هذا الباب بالكليّة؛ فإِن الله سبحانه لا يحاط به علمًا ولا معرفة ولا رؤية، فهو أَكبر من ذلك وأَعظم. قال تعالى:{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ} .

والفرق بين العلم والمعرفة عند المحقِّقين أَنَّ المعرفة عندهم هى العلم الذى يقوم العالِم بموجَبه ومقتضاه، فلا يطلقون المعرفة على مدلول / العلم وحده، بل لا يصفون بالمعرفة إِلَاّ من كان عالِمًا بالله وبالطَّريق الموصِّل إِليه وبآفاتها وقواطعها وله حال مع الله يشهد له بالمعرفة. فالعارف عندهم مَن عرف الله سبحانه بأَسمائه وصفاته وأَفعاله، ثمّ صَدَق الله فى معاملاته، ثمّ أَخلص له فى قصوده ونِيَّاتِه، ثمّ انسلخ من أَخلاقه الرّديئة وآفاته، ثمّ تطهَّر من أَوساخه وأَدرانه ومخالفاته، ثم صبر على أَحكامه فى نِعمه

ص: 51

وبليّاته، ثمّ دعا [إِلى] الله على بصيرة بدينة وإِيمانه، ثم جرّد الدّعوة إِليه وحده بما جاءَ به رسوله صلى الله عليه وسلم ولم يَشُبْهَا بآراءِ الرِّجال وأَذواقهم ومواجيدهم ومقاييسهم ومعقولاتهم، ولم يزِنْ بها ما جاءَ به الرّسول صلى الله عليه وسلم، فهذا الذى يستحقُّ اسم العارف على الحقيقة، وإِذا سمّى به غيره فعلى الدّعوى والاستعارة.

وقد تكلَّموا فى المعرفة بآثارها وشواهدها، فقال بعضهم: مِن أَمارات المعرفة بالله حصول الهيبة، فمن ازدادت معرفته ازدادت هيبته. وقال أَيضا: المعرفة توجب السكينة. وقيل: علامتها أَن يحس بقرب قلبه من الله فيجده قريباً منه. وقال الشِّبلى: ليس لعارف عَلَاقة، ولا لمحبّ شكوى، ولا لعبد دَعْوَى، ولا لخائف قرار، ولا لأَحد من الله فِرار. وهذا كلامٌ جيّد، فإِن المعرفة الصّحيحة تقطع من القلب العلائق كلَّها، وتعلّقه بمعروفه فلا يبقى فيه عَلَاقة لغيره، ولا يمرّ به العلائق إِلَاّ وهى مجْتازَة. وقال أَحمد بن عاصم: من كان بالله أَعرف كان من الله أَخوف. ويدلّ على هذا قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماء} ، وقول النَّبى صلى الله عليه وسلم:"أَنا أَعرفكم بالله وأَشدّكم له خَشْية". وقال آخر: من عرف الله ضاقت عليه الأَرضُ بسعتها؛ وقال غيره: من عرف الله اتَّسَع عليه كلُّ ضيق. ولا تنافى بين هذين الكلامين فإِنَّه يضيق عليه كلَّ مكان لاتِّساعه فيه على شأْنه ومطلوبه، ويتَّسع له ما ضاق على غيره لأَنَّه ليس فيه ولا هو مساكن له بقلبه، فقلبه غير محبوس فيه. والأَوّل فى بداية المعرفة والثانى فى غايتها التى يصل اليها العبد. وقال: من عرف الله

ص: 52

تعالى صفا له العيش، وطابت له الحياة، وهابه كلّ شىءٍ، وذهب عنه خوف المخلوقين، وأَنِس بالله. وقال غيره: من عرف الله قرّت عينه بالله وقرّت به كلُّ عين، ومن لم يعرف الله تقطَّع قلبه على الدّنيا حَسَرَاتٍ، ومن عرف الله لم يبق له رغبة فيما سواه.

وعلامة العارف أَن يكون قلبه مرآة إِذا نظر فيها رأَى فيها الغَيْب الذى دعا إِلى الإِيمان به، فعلى قَدْر جلاءِ تلك المرآة يتراءَى فيها سبحانه والدّارُ الآخرة والجنَّة والنار والملائكة والرُّسُل، كما قيل:

إِذا سكن الغَديرُ على صَفاءٍ

فيُشْبه أَن يحرّكه النسيمُ

بَدَتْ فيه السماءُ بلا مِرَاءٍ

كذلك الشمسُ تبدو والنجومُ

كذلك قلوبُ أَربابِ التَجَلِّى

يُرى فى صَفْوِهَا اللهُ العظيمُ

ومن علامات المعرفة أَن يَبدو لك الشاهد وتَفْنَى الشَّواهد، وتنجلى العَلائق وتنقطع العَوائق، وتجلس بين يدى الرّب، وتقوم وتضطجع على التأَهب للقائه كما يجلس الذى قد شدّ أَحماله وأَزمع السفر على تأَهب له ويقوم على ذلك ويضطجع عليه.

ومن علامات العارف أَنه لا يطاِلب ولا يخاصِم ولا يعاقب ولا يرى له على أَحد حقًّا، ولا يأْسف على فائت ولا يفرح بآت لأَنه ينظر فى الأَشياءِ الفناءَ والزَّوال، وأَنَّها فى الحقيقة كالظِّلال والخيال. وقال الجنيد: لا يكون العارف عارفاً حتىَّ يكون كالأَرض يطؤها البَرّ والفاجر، وَكالسّحاب يُظلّ كلّ شىءٍ، وكالمطر يَسقى ما يحِبُّ وما لا يحبّ.

ص: 53

وقال يحيى بن مُعاذ: يخرج العارف من الدنيا ولم يقض وطره من شيئين: بكاؤه على نفسه، وثناؤه على ربّه. وهذا من أَحسن ما قيل، لأَنَّه يدلُّ على معرفته بنفسه وعلى معرفته بربّه وجماله وجلاله، فهو شديد الإِزراءِ على نفسه لِهجٌ بالثناءِ على ربّه.

وقال أَبو يزيد: إِنَّما نالوا المعرفة بتضييع ما لَهُم، والوقوف مع ما لَه. يريد تضييع حظوظهم والوقوف مع حقوق الله تعالى. وقال آخر: لا يكون العارف عارفاً حتى لو أُعطى مُلْك سليمان لم يشغله عن الله طَرْفة عين. وهذا يحتاج إِلى شرح، فإِنَّ ما هو دون ذلك يشغل القلب، لكن إِذا كان اشتغاله بغير الله لله فذلك اشتغال بالله.

وقال ابن عطاء: المعرفة على ثلاثة أَركان: الهيبة، والحَياءُ، والأُنْس. وقيل: العارف ابن وقته. وهذا من أَحسن الكلام وأَخصَره. فهو مشغول بوظيفة وقته عمّا مضى وصار فى العدم، وعمّا لم يدخل بعد فى الوجود، فهمّه عمارة وقته الذى هو مادّة حياته الباقية. ومن علاماته أَنه مستوحش ممّن يقطعه عنه. ولهذا قيل: العارف من أَنس بالله فأَوحشه من الخَلْق، وافتقر إِلى الله فأَغناه عنهم، وذلَّ لله فأَعزَّه فيهم، وتواضع لله فرفعه بينهم، واستغنى بالله فأَحوجهم إِليه. وقيل: العارف فوق ما يقول، والعالم دون ما يقول. يعنى أَنَّ العالِم علمُه أَوسع من حاله وصفته، والعارف حاله وصفته فوق كلامه وخبره. وقال أَبو سليمان الدارانى: إِن الله يفتح للعارف وهو على فراشه ما لا يفتح لغيره وهو قائم يصلىِّ.

وقال ذو النون: لكل شىءٍ عقوبة، وعقوبة العارف انقطاعه عن ذكر الله

ص: 54

وقال بعضهم: رياءُ العارفين أَفضل من إِخلاص المريدين. وهذا كلام ظاهره منكر ومحتاج إِلى شرح؛ فإِن العارف لا يرائى المخلوق طلباً لمنزلة فى قلبه، وإِنما يكون ذلك منه نصيحة وإِرشادا وتعليما، فهو يدعو إِلى الله بَعمله كما يدعو إِلى الله بقوله، وإِخلاصُ المريد مقصور على نفسه.

وقال ذو النون: الزُّهَّاد ملوك الآخرة، وهم فقراءُ العارفين.

وسئل الجُنَيد عن العارف فقال: لون الماءِ لون إِنائِه. وهذه كلمة رمز بها إِلى حقيقة العبوديّة، وهو أَنَّه يتلوّن فى أَقسام العبوديّة، فبينا تراه مصلِّيًا إِذْ رأَيته ذاكراً أَو قارئاً أَو متعلمًا أَو معلِّمًا أَو مجاهدًا أَو حاجّاً أَو مساعدًا للضَّيف أَو معيناً للملهوف، فيضرب فى كلِّ غنيمة بسهم. فهو مع المنتسبين منتسب، ومع المتعلِّمين متعلِّم، ومع الغُزَاة غاز، ومع المصلِّين مصلٍّ، ومع المتصدِّقين متصدّق [و] هكذا ينتقل فى منازل العبوديّة من عبوديّة إِلى عبوديّة، وهو مستقيم على معبود واحد لا ينتقل عنه إِلى غيره.

وقال يحيى بن مُعاذ: العارف كائن بائن. وقد فسّر كلامه على وجوه: منها أَنه كائن مع الخَلْق بظاهره بائن عن / نفسه. ومنها أَنَّه كائِن مع أَبناءِ الآخرة بائِن عن أَبناءِ الدّنيا. ومنها أَنَّه كائن مع الله بموافقته، بائن عن النَّاسِ لمخالفته. ومنها أَنَّه داخل فى الأَشياءِ خارج عنها، يعنى [أَن] المريد لا يقدر على الدّخول فيها والعارف داخل فيها خارج منها.

ص: 55

وقال ذو النون رحمه الله: علامة العارف ثلاثة: لا يطفئُ نور معرفته نورَ ورعه، ولا يعتقد باطنًا من العلم ينقض عليه ظاهرًا من الحكم، ولا يحمله كثرة نعم الله على هتك أَستار محارم الله. وهذا أَحسن ما قيل فى المعرفة. وقال: ليس بعارفٍ مَن وصف المعرفة عند أَبناءِ الآخرة فكيف عند أَبناءِ الدّنيا؟ يريد أَنه ليس من المعرفة وصف المعرفة لغير أَهلها سواءٌ كانوا عُبَّادًا أَو من أَبناءِ الدنيا. وسئل ذو النون عن العارف فقال: كان هاهُنا فذهب. فسئل الجنيد عن معناه فقال: لا يحصرُه حال عن حال، ولا يحجبه منزل عن التنقّل فى المنازل، فهو مع أهل كل منزل (على الَّذِى هم) فيه، يجد مثل الذى يجدون، وينطق بمعالمها ليتبلغوا.

وقال بعض السّلف: نوم العارف يقظة، وأَنفاسه تسبيح، ونومه أَفضل من صلاة الغافل. إِنما كان نومه يقظة لأَنَّ قلبه حىّ فعيناه تنامان وروحه ساجدة تحت العرش بين يَدَىْ ربِّها؛ وإِنَّمَا كان نومه أَفضل من صلاة الغافل لأَنَّ بدنه فى الصلاة واقف وقلبه يَسْبح فى حُشُوش الدنيا والأَمانىِّ.

وقيل: مجالسة العارف تدعوك من ستٍّ إِلى ستّ: من الشك إِلى اليقين، ومن الرياءِ إِلى الإِخلاص، ومن الغفلة إِلى الذكر، ومن الرغبة فى الدنيا إِلى الرغبة فى الآخرة، ومن الكِبْر إِلى التواضع، ومن سوءِ الطوِيّة إِلى النصيحة. وللكلام فى المعرفة تتمة نذكرها فى محلّها فى المقصد المشتمل على علوم الصوفية إِن شاءَ الله.

ص: 56

وتعارفوا: عَرَف بعضهم بعضًا. وعرّف: جعل له عَرْفاً أَى ريحاً طيبة. قال تعالى: {وَيُدْخِلُهُمُ الجنة عَرَّفَهَا لَهُمْ} أَى طيَّبَهَا وزيَّنَهَا. وقيل: عّرفها لهم من المعرفة أَى وصفها وشوّقهم إِليها.

وعَرَفَات: موقف الحاجّ فى تاسع ذى الحِجّة ببطن نَعْمان. سميّت لأَن آدم وحوّاءَ تعارفا بها، أَو لقول جبريل عليه السلام لإِبراهيم عليه السلام لمّا أَعلمه المناسك: أَعَرَفْتَ، أَو لأَنها مقدّسة معظَّمة كأَنَّها عُرّفت أَى طيِّبت، أَو لأَن النَّاس يتعارفون فيه، أَو لتعرّف العباد إِلى الله تعالى بالعبادات والأَدعية. ويوم عرفة يوم الوقوف. وهو اسم فى لفظ الجمع فلا يجمع. وهى معرفة وإِن كانت جمعاً؛ لأَن الأَماكن لا تزول فصارت كالشىءِ الواحد، مصروفة لأَنَّ التاءَ بمنزلة الياء والواو فى مسلمين ومسلمون، والنسبة إِليه عَرَفىّ.

والمعروف: اسم لكلّ فعل يُعرف بالشرع والعقل حُسنُه. وقوله: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بالمعروف} أَى بالاقتصاد والإِحسان. وقوله: {قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى} أَى رَدّ جميل ودعاءٌ خير من صدقة هكذا.

والعُرْف: المعروف من الإِحسان. وجاءَت القَطَا عُرْفًا أَى متتابعة، قال تعالى:{والمرسلات عُرْفاً} . والعرّاف: الكاهن، غير أَن العَرَّاف يخصّ بمن يخبر بالأَحوال المستقبلة، والكاهن بالماضية. والعريف مَن يعرف الناس ويعرّفهم، وسيّد القوم. والاعتراف: الإِقرار بالذنب، وأَصله / إِظهار معرفة الذَّنب.

ص: 57