الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومعلوم أن عود الأرواح إلى الأجساد إنما يكون بعد نفخة القيام، قال تعالى:{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68)} [الزمر:68]، تعاد الأرواح نفسها إلى الأبدان التي أنشأها الرب جل وعلا، فيجمع شتات الأبدان مما تفرق وتمزق
…
{يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا (108)} [طه:108]، {وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (41) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (42)} [ق:41 - 42]، ينادي صاحب القرن المكلف بالنفخ في الصور فيقول: أيتها العظام البالية والجلود المتمزقة والأجساد المتفرقة والأوصال المتقطعة ارجعي إلى ربك فإن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء وهو اليوم الذي يسمعون فيه صيحة الحق - {مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ}
…
[القمر: 8]- ليوم الحق، للقيام للحق سبحانه وتعالى
(1)
.
المطلب الثاني إعادة الأرواح للأجساد (البعث)
البعث والمعاد الجسماني والروحاني حق، وثبوته معلوم بالاضطرار من دين الإسلام
(2)
وقد قرر القرآن الكريم البعث والمعاد بأنواع من التقرير
(3)
.
وقد سبق بيان أدلة البعث ودلائلها وشبهات المنكرين والرد عليها ويتلخص مما سبق بحثه وبيانه فيما يتعلق بأمر البعث والمعاد ما يلي:
1 -
أن الإيمان بالمعاد الجسماني أمر واجب، اتفقت عليه جميع الملل، يقول الإمام العراقي:"والإيمان بالمعاد الجسماني واجب وجحده كفر، وقد اتفقت عليه أهل الملل"
(4)
.
(1)
السمعاني: تفسير القرآن: (3/ 355 - 5/ 248)، البغوي: معالم التنزيل: (3/ 275 - 4/ 280)
(2)
ابن تيمية: درء تعارض العقل النقل، جامعة الإمام محمد بن سعود - السعودية ـ (5/ 301)
(3)
ابن تيمية: الصفدية، مكتبة ابن تيمية - مصر، ط 2 - 1406 هـ (2/ 226)
(4)
العراقي: طرح التثريب، مكتبة الباز - مكة، ط 1 1424 هـ (3/ 309).
2 -
أن الدلائل على إثبات البعث كثيرة متواترة متضافرة، وقد جاءت النصوص القرآنية مؤكدة حقيقة البعث بالدلائل الشرعية والعقلية النفسية مؤيدة ذلك بقوة القسم المؤكد لإثباته ووقوعه، قال تعالى بعد أن أكد أخبار البعث وما خلق في السماء من الرزق:{فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (23)} [الذاريات:23]
(1)
.
يقول الإمام ابن كثير:" يقسم تعالى بنفسه الكريمة، أن ما وعدهم به من أمر القيامة والبعث والجزاء كائن لا محالة، وهو حق لا مرية فيه، فلا تشكوا فيه كما لا تشكوا في نطقكم حين تنطقون"
(2)
.
وقال العلامة السعدي: "أقسم الله تعالى على أن وعده وجزاءه حق، وشبه ذلك بأظهر الأشياء لنا وهو النطق فقال: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (23)}، فكما لا تشكون في نطقكم فكذلك لا ينبغي الشك في البعث بعد الموت"
(3)
.
3 -
أن البعث والمعاد للروح والبدن معا، وأنهما ينعمان ويعذبان، وهو قول جماهير أهل السنة والجماعة وجماهير المتكلمين وجماهير اليهود والنصارى والمجوس وغيرهم
(4)
.
يقول الإمام ابن تيمية في إثبات معاد الأرواح والأبدان جميعاً:" وهو مذهب سلف المسلمين من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وأئمة المسلمين المشهورين وغيرهم من أهل السنة والحديث من الفقهاء والصوفية والنظار"
(5)
.
4 -
إن إنكار البعث له أسباب: فتارة يتولد من الشبهة وأخرى من الشهوة:
(1)
القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، دار الكتب المصرية - القاهرة، ط 2 - 1384 هـ، (17/ 41).
(2)
ابن كثير: تفسير القرآن، ت: سامي سلامة (7/ 420)
(3)
السعدي: تيسير الكريم الرحمن، مؤسسة الرسالة، ط 1 1420 هـ، ص (809)
(4)
ابن تيمية: جامع المسائل، دار عالم الفوائد - ط 1 1422 هـ، (3/ 232).
(5)
ابن تيمية: الجواب الصحيح، دار العاصمة، السعودية، ط 2 - 1419 هـ، ص (6/ 7)
أما تولده من الشبهة: فهو ما حكاه الله تعالى بقوله: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3)} [القيامة:3]، وتقريره: أن الإنسان هو هذا البدن، فإذا مات تفرقت أجزاؤه واختلطت تلك الأجزاء بسائر أجزاء التراب، وتفرقت في مشارق الأرض ومغاربها، فكان تمييزها بعد ذلك عن غيرها محالاً، فكان البعث محالاً.
وهذه الشبهة ساقطة من وجهين:
الأول: لا نسلّم أن الإنسان هو البدن، فلِم لا يجوز أن يقال: هو شيء مدبر لهذا البدن، فإذا فسد االبدن بقي هو حيا كما كان، وحينئذ يكون الله تعالى قادراً على أن يرده إلى أي بدن شاء وأراد.
الثاني: إن سلمنا أن الإنسان هو هذا البدن، فلم قلتم: إنه بعد تفريق أجزائه لا يمكن جمعه مرة أخرى؟ وذلك لأنه تعالى عالم بجميع الجزئيات فيكون عالماً بالجزء الذي هو عمرو، وهو تعالى قادر على كل الممكنات وذلك التركيب من الممكنات، وإلا لما وجد أولاً، فيلزم أن يكون قادراً على تركيبها، ومتى ثبت كونه تعالى عالماً بجميع الجزئيات، قادر على جميع الممكنات، لا يبقى في المسألة إشكال.
وأما تولده من الشهوة: فهو الذي حكاه الله تعالى بقوله: {بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ (5)} [القيامة:5]، ومعناه: أن الإنسان الذي يميل طبعه إلى الاسترسال في الشهوات، والاستكثار من اللذات، لا يكاد يقر بالحشر والنشر وبعث الأموات؛ لئلا تتنغص عليه اللذات الجسمانية، فيكون أبداً منكراً لذلك، قائلاً على سبيل الهزء والسخرية:{أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (6)}
(1)
.
(1)
الرازي: مفاتيح الغيب، دار إحياء التراث العربي - بيروت، ط 3 1420 هـ (30/ 723)