الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والأحاديث الواردة في عذاب القبر صحيحة لا مطعن فيها، يقول الإمام عبد الحق الإشبيلي:" وقد صحت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في عذاب القبر على الجملة، ولا مطعن فيها، ولا معارض لها"
(1)
.
"فالأحاديث الصحاح هنا بالغة إلى حد التواتر المعنوي "
(2)
.
المسألة الثالثة أدلة إثبات عذاب القبر
اجتمعت كل الدلائل السمعية على إثبات عذاب القبر، فدلت نصوص الكتاب والسنة على إثباته، وقد أورد بعض الأئمة تساؤلاً، وأجابوا عنه مفاده: ما الحكمة في عدم التصريح بذكر عذاب القبر في القرآن، مع شدة الحاجة إلى معرفته والإيمان به، ليحذر وليتقى؟
والجواب: أن القرآن مليء بالأدلة المثبتة لعذاب القبر، بعضها صريح والآخر ضمني، وإذا نظرت في الأحاديث الواردة في عذاب القبر ونعيمه
…
وجدتها تفصيلاً وتفسيراً لما دل عليه القرآن.
يقول القاضي أبو بكر بن الطيب وغيره:" قد ورد القرآن بتصديق الأخبار الواردة في عذاب القبر".
"وقال قتادة: عذاب القبر في القرآن"
(3)
، ويقول الإمام ابن رجب:"وقد دل القرآن على عذاب القبر في مواضع آخر "
(4)
، ويقول الإمام السيوطي عن عذاب القبر:"وقع ذكره في القرآن في عدة أماكن كما بينته في الإكليل في استنباط التنزيل"
(5)
.
ومن الأدلة القرآنية التي استدل بها أهل السنة في إثبات عذاب القبر:
1 -
قوله تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)} [غافر:46].
(1)
عبد الحق الإشبيلي: العاقبة في ذكر الموت، مكتبة دار الأقصى - الكويت، ط 1 1406 هـ، ص (245).
(2)
محمد الخادمي: بريقة محمودية، مطبعة الحلبي، 1348 هـ (1/ 174).
(3)
انظر: ابن القيم:: ص (57)، ابن الملقن: التوضيح لشرح الجامع الصحيح: (10/ 154)، السمرقندي: بحر العلوم: (3/ 356)
(4)
ابن رجب: تفسير ابن رجب: (2/ 355)، ابن رجب: أهوال القبور: ص (45)
(5)
السيوطي: شرح الصدور، دار المعرفة - بيروت، ط 1 1417 هـ، ص (161).
أكثر المفسرين على أن هذا في القبر، لأن العرض إنما يكون في القبر
(1)
، وإذا ثبت في حق هؤلاء، ثبت في حق غيرهم، لأنه لا قائل بالفرق
(2)
.
وثبت هذا التفسير عن جماعة من السلف منهم: مجاهد وعكرمة ومقاتل ومحمد بن كعب، كلهم قال: هذه الآية تدل على عذاب القبر في الدنيا
(3)
…
قال أبو البركات النسفي:" وهذا الآية دليل على عذاب القبر "
(4)
.
وقال الإمام ابن كثير:" وهذه الآية أصل كبير في استدلال أهل السنة على عذاب البرزخ في القبور"
(5)
.
وقال العلامة البقاعي: "وهذه الآية نص في عذاب القبر، كما نقل عن عكرمة ومحمد بن كعب"
(6)
.
وقال العلامة الكرماني في هذه الآية أنها:"أدل دليل على عذاب القبر، لأن المعطوف غير المعطوف عليه "
(7)
.
وقال الإمام ابن القيم عن الآية:" فذكر عذاب الدارين، ذكراً صريحاً لا يحتمل غيره"
(8)
.
(1)
السمعاني: تفسير القرآن: (5/ 32)، القرطبي: الجامع لأحكام القرآن: (15/ 318)، ابن البناء: الرد على المبتدعة: ص (184)
(2)
الرازي: مفاتيح الغيب، دار إحياء التراث العربي - بيروت، ط 3 1420 هـ (27/ 521).
(3)
القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، دار الكتب المصرية - القاهرة، ط 2 - 1384 هـ، (15/ 318)
(4)
النسفي: مدارك التنزيل، دار الكلم الطيب - بيروت، ط 1 1419 هـ (3/ 241).
(5)
ابن كثير: تفسر القرآن العظيم، دار طيبة للنشر والتوزيع، ت: سامي سلامة (7/ 146).
(6)
البقاعي: نظم الدرر، دار الكتاب الإسلامي - القاهرة، دون ذكر رقم الطبعة وتأريخها (17/ 82).
(7)
السيوطي: الإكليل، دار الكتب العلمية - بيروت، 1401 هـ، ص (226).
(8)
ابن القيم: الروح، دار الحديث - القاهرة، 1424 هـ، ص (75).
2 -
وقوله تعالى: {وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (47)} [الطور:47]، قال ابن عباس: رضي الله عنهما: إن عذاب القبر في القرآن، ثم تلا:{وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (47)} ، وهو مروي عن البراء بن عازب وعلي أيضاً رضي الله عنه
(1)
.
3 -
وقوله تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)} [طه:124]، قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، في قوله تعالى:{مَعِيشَةً ضَنْكًا} : عذاب القبر، وهو المروي أيضاً عن أبي هريرة وابن مسعود رضي الله عنهما، وهو قول جماعة من أهل التفسير كأبي صالح والسدي
(2)
، ورجحه الإمام الطبري فقال:" وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال: هو عذاب القبر"
(3)
، وصحح هذا القول الإمام القرطبي، وقال مجاهد في تفسيره:" {مَعِيشَةً ضَنْكًا}: ضيّقه يضيّق عليه قبره "
(4)
.
وجاء في حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم: أنه فسر فيه المعيشة الضنك، بعذاب القبر، وجوّد إسناده الإمام ابن كثير في تفسيره
(5)
.
ولذا قال الإمام ابن القيم في قوله تعالى {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} : "فسره غير واحد من السلف بعذاب القبر، وجعلوا هذه الآية أحد الأدلة على عذاب القبر "
(6)
.
(1)
الطبري: جامع البيان ت: أحمد محمد شاكر، ص (22/ 487)، عبد الرزاق: تفسير عبد (3/ 247)
(2)
الطبري: جامع البيان: ص (18/ 393)، السمعاني: تفسير السمعاني (3/ 361).
(3)
الطبري: جامع البيان: ص (18/ 394)، القرطبي: الجامع لأحكام القرآن: (11/ 259).
(4)
مجاهد: تفسير مجاهد "، ت: د. محمد أبو النيل، ص (467).
(5)
ابن كثير: تفسير القرآن: (5/ 324)، البيهقي: إثبات عذاب القبر:،ص (59).
(6)
ابن القيم: التفسير القيم، دار ومكتبة الهلال – بيروت، ط 1 1410 هـ ص (375).
4 -
فقول الملائكة: {الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ): المراد به: عذاب البرزخ الذي أوله يوم القبض والموت
(1)
. ولو تأخر عنهم ذلك إلى انقضاء الدنيا، لما صح أن يقال لهم {اليوم تجزون}
(2)
.
5 -
وقوله تعالى: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101)} [التوبة:101].
قوله تعالى: {سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ} أي: سنعذب هؤلاء المنافقين مرتين إحداهما في الدنيا، والأخرى في القبر وهو المروي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقتادة
(3)
، وروي عن مجاهد
(4)
، وروي عن الحسن وابن زيد
(5)
. وقال الإمام الطبري: "والأغلب في إحدى المرتين، أنها في القبر"
(6)
.
(1)
ابن القيم: التفسير القيم، دار ومكتبة الهلال – بيروت، ط 1 1410 هـ ص (376).
(2)
ابن القيم: الروح، دار الحديث – القاهرة، 1424 هـ، ص (75).
(3)
ابن أبي حاتم: تفسير ابن أبي حاتم، مكتبة الباز –مكة المكرمة، ط 3 1419 هـ (6/ 1870)
(4)
البغوي: معالم التنزيل: (2/ 383)، ابن الجوزي: زاد المسير ت: عبدالرزاق المهدي، ص (2/ 293)
(5)
القرطبي: الجامع لأحكام القرآن:8/ 421)، ابن كثير: تفسير القرآن العظيم: (4/ 205).
(6)
الطبري: جامع البيان، مؤسسة الرسالة، ط 1 1420 هـ، ت: أحمد محمد شاكر، ص (14/ 445)
6 -
وقوله تعالى: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21)} [السجدة:21].
استدل بعض السلف بهذه الآية على إثبات عذاب القبر، وممن استدل بها على ذلك: ابن عباس والبراء بن عازب، وأبو عبيدة – رضي الله عنهم – وروي عن مجاهد، قالوا: العذاب الأدنى هو عذاب القبر
(1)
.
7 -
وقوله تعالى: {إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ} [الإسراء:75]
استدل بعض العلماء بهذه الآية كذلك على إثبات عذاب القبر، وهو المروي عن عطاء والحسن بن أبي الحسن، قال العلامة النسفي في معنى الآية:" لأذقناك عذاب الآخرة، وعذاب القبر مضاعفين"
(2)
.
قال العلامة الزمخشري: "فإن قلت: كيف حقيقة الكلام؟ قلت: أصله لأذقناك عذاب الحياة وعذاب الممات، لأن العذاب عذابان: عذاب في الممات وهو عذاب القبر، وعذاب في حياة الآخرة وهو عذاب النار "
(3)
.
والعذاب المضاعف في الآية: إما أن يراد به: العذاب المضاعف في القبر، أو العذاب المضاعف في الآخرة بعد البعث، وهي أقوال لأهل التفسير، والآية تشمل الجميع، كما قاله العلامة الأمين الشنقيطي
(4)
.
8 -
وقوله تعالى: {قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11)} [غافر:11].
(1)
ابن القيم:: ص (75)، الطبري: جامع: ت: أحمد محمد شاكر، ص (20/ 191)
(2)
النسفي: مدارك التنزيل: (2/ 271)، أبو السعود: إرشاد العقل السليم: (5/ 188)، البيهقي: إثبات عذاب القبر: ص (80 - 81).
(3)
الزمخشري: الكشاف، دار ابن خزيمة – الرياض، ط 1 1414 هـ (2/ 684)
(4)
الأمين الشنقيطي: أضواء البيان، دار الفكر – بيروت، 1415 هـ (3/ 179)
يقول الإمام الرازي: "احتج أكثر العلماء بهذه الآية في إثبات عذاب القبر وتقرير الدليل: أنهم أثبتوا لأنفسهم موتتين، حيث قالوا: ربنا آمتنا اثنتين فأحد الموتتين مشاهد في الدنيا، فلا بدّ من إثبات حياة أخرى في القبر، حتى يصير الموت الذي يحصل عقبها موتاً ثانياً، وذلك يدل على حصول حياة في القبر"
(1)
.
9 -
وقوله تعالى: {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (15)} [المجادلة:15]. والمراد منه عند بعض المحققين: عذاب القبر
(2)
، وقال بعضهم: أعد لهم عذاباً شديداً في جهنم، وهو الدرك الأسفل
(3)
، قال ابن الخطيب:" لأنا إذا حملنا هذا على عذاب القبر، وحملنا قوله جل ذكره: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (16)} [المجادلة:16] على عذاب الآخرة، لا يلزم منه تكرار"
(4)
.
10 -
وقوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2)} [التكاثر: 1 - 2]. قال الإمام الطبري في معنى هذه الآية: "يعني: حتى صرتم إلى المقابر فدفنتم فيها، وفي هذا دليل على صحة القول بعذاب القبر، لأن الله تعالى ذكره، أخبر عن هؤلاء القوم الذين ألهاهم التكاثر، أنهم سيعلمون ما يلقون إذا هم زاروا القبور، وعيداً منه لهم وتهديداً"
(5)
.
(1)
الرازي: مفاتيح الغيب،، دار إحياء التراث العربي - بيروت، ط 3 1420 هـ (27/ 494).
(2)
الرازي: مفاتيح الغيب، دار إحياء التراث العربي - بيروت، ط 3 1420 هـ (29/ 497).
(3)
القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، دار الكتب المصرية - القاهرة، ط 2 - 1384 هـ، (17/ 304).
(4)
أبو حيان: البحر المحيط، دار الفكر - بيروت، 1420 هـ، ت: صدقي جميل، ص (10/ 553)
(5)
الطبري: جامع البيان، مؤسسة الرسالة، ط 1 1420 هـ، ت: أحمد محمد شاكر، ص (24/ 580)
قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "كنا نشك في عذاب القبر حتى نزلت: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1)}
(1)
، قال الإمام الطحاوي عن هذا الأثر:"فكان هذا الحديث فيه إثبات عذاب القبر"
(2)
.
هذه جملة من الأدلة القرآنية التي تثبت عذاب القبر، وغيرها كثير في القرآن الكريم كلها تصب في معين واحد، وتدل على أمرين:
الأول: أن القرآن الكريم حافل بالكثير من الأدلة الصريحة أو الضمنية على إثبات عذاب القبر.
الثاني: أن عذاب القبر حق لا ريب فيه ولا شك، ومتى ثبت عذاب القبر وجب القول بثواب القبر أيضاً، لأن العذاب حق الله تعالى على العبد والثواب حق للعبد على الله تعالى
(3)
.
أما الأدلة الواردة في السنة المطهرة المثبتة لعذاب القبر، فهي كثيرة مستفيضة ومنها:
- ما أخرج الإمام البخاري: عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ يَهُودِيَّةً دَخَلَتْ عَلَيْهَا، فَذَكَرَتْ عَذَابَ القَبْرِ، فَقَالَتْ لَهَا: أَعَاذَكِ اللَّهُ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم -عَنْ عَذَابِ القَبْرِ، فَقَالَ:«نَعَمْ، عَذَابُ القَبْرِ» قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدُ صَلَّى صَلَاةً إِلَّا تَعَوَّذَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ زَادَ غُنْدَرٌ: «عَذَابُ القَبْرِ حَقٌّ»
(4)
.
(1)
ابن أبي عاصم: السنة، المكتب الإسلامي – بيروت، ط 1 1400 هـ، (2/ 424)
(2)
الطحاوي: شرح مشكل الآثار، مؤسسة الرسالة – ط 1 1415 هـ (13/ 176)
(3)
الرازي: مفاتيح الغيب، دار إحياء التراث العربي – بيروت، ط 3 1420 هـ (4/ 126).
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الجنائز، باب ما جاء في عذاب القبر ح (1372).
- وفي الصحيحين: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِحَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ المَدِينَةِ، أَوْ مَكَّةَ، فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«يُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ» ثُمَّ قَالَ: «بَلَى، كَانَ أَحَدُهُمَا لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ، وَكَانَ الآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ»
(1)
.
قال الإمام الخطابي: "وفيه إثبات عذاب القبر"
(2)
.
وقال الإمام تاج الدين الفاكهاني: "فيه نص صريح على إثبات عذاب القبر - أجارنا الله منه - كما هو مذهب أهل السنة، وقد اشتهرت الأخبار بذلك"
(3)
.
وقال الإمام ابن بطال:" أن عذاب القبر حق يجب الإيمان به والتسليم له وهو مذهب أهل السنة"
(4)
.
- وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
…
(5)
.
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الوضوء: ح (216)، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الطهارة، باب الدليل على نجاسة البول ووجوب الاستبراء منه ح (292).
(2)
الخطابي: معالم السنن، المطبعة العلمية - حلب، ط 1 1351 هـ، (1/ 19)
(3)
الفاكهاني: رياض الأفهام، دار النوادر -دمشق، ط 1 1431 هـ (1/ 232)
(4)
ابن بطال: شرح صحيح البخاري، مكتبة الرشد - الرياض، ط 2 - 1423 هـ (1/ 324)
(5)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز: ح (1379)،وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب: الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه ح (2866).
قال الإمام العراقي عن هذا الحديث:" فيه إثبات عذاب القبر، لأن عرض مقعده من النار عليه، نوع عظيم من العذاب، وهو مذهب أهل السنة، وقد تظاهرت عليه أدلة الكتاب والسنة، ولا يمتنع في العقل "
(1)
.
- وفي الصحيحين: عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: دَخَلَتْ عَلَيَّ عَجُوزَانِ مِنْ عُجُزِ يَهُودِ المَدِينَةِ، فَقَالَتَا لِي: إِنَّ أَهْلَ القُبُورِ يُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ فَكَذَّبْتُهُمَا وَلَمْ أُنْعِمْ أَنْ أُصَدِّقَهُمَا، فَخَرَجَتَا، وَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ عَجُوزَيْنِ، وَذَكَرْتُ لَهُ، فَقَالَ:«صَدَقَتَا، إِنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ عَذَابًا تَسْمَعُهُ البَهَائِمُ كُلُّهَا» فَمَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ فِي صَلَاةٍ إِلَّا تَعَوَّذَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ
(2)
.
ولما ذكر الإمام ابن القيم، حديث البراء بن عازب الطويل، والذي فيه وصف لحال المقبور في قبره، قال:"هذا حديث ثابت مشهور مستفيض صححه جماعة من الحفاظ، ولا نعلم أحداً من أئمة الحديث طعن فيه، بل رووه في كتبهم، وتلقوه بالقبول، وجعلوه أصلاً من أصول الدين في عذاب القبر ونعيمه"
(3)
.
وكما ثبت عذاب القبر بنصوص الكتاب والسنة، فهو كذلك جائز بالعقل يقول الإمام ابن قتيبة:"إنه إذا جاز في المعقول وصح في النظر، وبالكتاب والخبر أن الله تعالى يبعث من في القبور، بعد أن تكون الأجساد قد بليت والعظام قد رمت، جاز أيضاً في المعقول، وصح في النظر، وبالكتاب والخبر أنهم يعذبون بعد الممات في البرزخ"
(4)
.
(1)
العراقي: طرح التثريب، مكتبة الباز - مكة، ط 1 1424 هـ (3/ 306).
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الدعوات، باب التعوذ من عذاب القبر ح (6366)، وأخرجه مسلم في صحيحه كتاب المساجد باب التعوذ بالله من عذاب القبر ح (586).
(3)
ابن القيم: الروح، دار الحديث - القاهرة، 1424 هـ، ص (48).
(4)
ابن قتيبة: تأويل مختلف الحديث، المكتب الإسلامي، ط 2 - 1419 هـ، ص (227).