الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول مظاهر تكريم الإنسان
الإنسان هو الإنسان الأول بعينه، في خصائصه وتراكيبه وميزاته، "كائن عاقل، يدرك ويتصور، ويفهم ويستنتج ويحكم"
(1)
.
تربع هذا الكائن على عرش الكائنات الأخرى، وعلا قمة البسيطة، فإذا ما جئت توازن بين هذه المخلوقات، وجدت هذا الإنسان أكرمها، وأفضلها، وأعلاها منزلة، ومقاماً، وشرفاً، لمِا أودعه الله تعالى من خصائص، ووهبه من صفات، ولمِا أعده من جليل الغايات، التي لا تصل إلى مثلها سائر الكائنات
(2)
. وقد حكى الله جل وعلا حالات هذا المخلوق والكائن العجيب، فقال سبحانه وتعالى:{هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2) إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)} [الإنسان:1 - 3].
(1)
أحمد علوش: دعوة الرسل عليهم السلام، مؤسسة الرسالة، ط 1 1423 هـ، ص (488)
(2)
عبد الكريم عثمان: معالم الثقافة الإسلامية، مؤسسة الأنوار - الرياض، ط 7 1416 هـ، ص (15)
فقد" ذكر الله في هذه السورة الكريمة، أول حالة الإنسان، ومبتدأها ومتوسطها، ومنتهاها، فذكر أنه مرّ عليه دهر طويل، وهو الذي قبل وجوده وهو معدوم، بل ليس مذكوراً، ثم لما أراد الله تعالى خلقه خلق أباه من طين ثم جعل نسله متسلسلاً (من نطفة أمشاج) أي: ماء مهين مستقذر (نبتليه) بذلك لنعلم هل يرى حاله الأولى ويتفطن لها، أم ينساها وتغره نفسه؟ فأنشأه الله، وخلق له القوى الباطنة والظاهرة، كالسمع، والبصر، وسائر الأعضاء، فأتمها له، وجعلها سالمة؛ ليتمكن بها من تحصيل مقاصده، ثم أرسل إليه الرسل، وأنزل عليه الكتب، وهداه الطريق الموصلة إلى الله ورغبة فيها، وأخبره بماله عند الوصول إلى الله، ثم أخبره بالطريق الموصلة إلى الهلاك ورهبه منها، وأخبره بماله إذا سلكها، وابتلاه بذلك، فانقسم
…
الناس إلى شاكر لنعمة الله عليه، قائم بما حمله الله من حقوقه، وإلى كفور لنعمة الله عليه"
(1)
.
والمتتبع لسور القرآن الكريم، وأحاديث النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، يجد أكبر أوجه التكريم لهذا المخلوق العظيم عند الله تعالى فالإنسان مخلوق مكرّم، وقد تناول القرآن الكريم هذا التكريم في مناسبات عدة، وبأساليب متنوعة، كلها تُعطي دلالة أكيدة، لمركز هذا الكائن ومسئولية في الحياة
(2)
.
ومن الآيات الكريمة التي قررت مبدأ التكريم للبشرية على حد سواء قوله جل في علاه: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)} [الإسراء:70].
(1)
السعدي: تفسير الكريم الرحمن، مؤسسة الرسالة، ط 1 1420 هـ، ص (900)
(2)
أبو اليزيد العجمي: حقيقة الإنسان بين القرآن وتصور العلوم، دورية دعوة الحق، العدد (22) 1404 هـ، ص (68).
ومن العجيب، أن الرب سبحانه وتعالى قال في مفتتح هذه الآية:(ولقد كرمنا) فنسب التكريم إليه، وهذا تشريف وتكريم من نوع خاص لهذا المخلوق العجيب، وقال:{كَرَّمْنَا} ولم يقل: أكرمنا؛ لأنها أشد مبالغة من الأخرى
(1)
، وهذه دلالة واضحة على كمال التكريم.
وقال جل وعلا في الآية: {كَرَّمْنَا} ، من الكرم الذي هو ضد اللؤم، والله جل وعلا هو الكريم، كثير الخير، الجواد المنعم المتفضل، هو اسم جامع لكل ما يحمد، فالله كريم حميد الفعال
(2)
. فما يُعطى لهذا المخلوق، إنما هو من كرم الكريم، ومن كرمه جل وعلا قال:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} فهو تكريم شامل، يقول العلامة أبو السعود في هذه الآية:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} :
…
قاطبة، تكريماً شاملاً، لبرهم وفاجرهم"
(3)
.
وأورد بعضهم في المقام إيراداً مفاده: كيف أطلق ذكر الكرامة على الكل، وفيهم الكافر المهان؟
واُجيب عنه من وجهين
(4)
:
أحدهما: أنه عامل الكل معاملة المكرم بالنعم الوافرة.
والثاني: أنه لما كان فيهم من هو بهذه الصفة، أجرى الصفة على جماعتهم، كقوله تعالى:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:110]، ويشهد للأول قول إبراهيم لما دعا للمؤمنين خاصة:{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126)} [البقرة:126].
(1)
ابن الجوزي: زاد المسير، دار الكتاب العربي - بيروت، ط 1 1422 هـ (3/ 39).
(2)
الأزهري: تهذيب اللغة: (10/ 132)، ابن منظور، لسان العرب:(12/ 510).
(3)
أبو السعود: إرشاد العقل السليم: (5/ 186) ،
(4)
ابن الجوزي: زاد المسير، دار الكتاب العربي - بيروت، ط 1 1422 هـ (3/ 39).
يقول الإمام السمعاني:" دعا إبراهيم أن يرزق من الثمرات المؤمنين خاصة {قَالَ وَمَنْ كَفَرَ}
…
يقول الله: والكافرين أيضاً؛ وذلك أن الله سبحانه وتعالى وعد الرزق للخلق كافة، مؤمنهم وكافرهم"
(1)
، فاشتملت آية التكريم، على جملة من إفضال الباري على هذا المخلوق دون ما سواه، فكرمه على سائر المخلوقات فقال سبحانه وتعالى:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} .
فهذا اللفظ القرآني الفاضل، حمل في طياته صور التكريم، وضُمِّنَ في فحواه مدار التعظيم، لهذا الكائن الكريم. وقد أفاض العلماء في بيانها، والإشارة إليها، بأوجه متنوعة، وأحرف مختلفة، كلها تتفق على معنى التكريم والتشريف لهذا المخلوق الكريم على خالقه. وما ذُكر وأُشير إليه في بيان معنى هذا التكريم، فإنما هو على سبيل التمثيل لا الحصر، يقول الإمام أبو حيان:" وما جاء عن أهل التفسير من تكريمهم وتفضيلهم بأشياء ذكرها، هو على سبيل التمثيل لا الحصر في ذلك"
(2)
.
ومع أن الإمام القرطبي جزم بأن مدار التكريم هو العقل فقال: "والصحيح الذي يعول عليه، أن التفضيل إنما كان بالعقل الذي هو عمدة التكليف، وبه يعرف الله، ويفهم كلامه، ويوصل إلى نعيمه وتصديق رسله"
(3)
،إلا أنه لا يمنع حمل الآية على ما هو أعم، مما له دلالة على تكريم هذا المخلوق والكائن العجيب.
فمما قيل في معنى الإكرام ووجه التكريم
(4)
:
1 -
كرمناهم: بأن جعلنا لهم عقولاً، وتمييزاً، ونطقا.
2 -
كرمناهم: بأن جعلنا منهم خيرا أمة أخرجت للناس.
3 -
كرمناهم: بأن يأكلوا ما يتناولونه من الطعام والشراب بأيديهم، وغيرهم يتناوله بفمه.
4 -
كرمناهم: بالأمر والنهي.
5 -
كرمناهم: بأن سخرنا جميع الخلق لهم.
(1)
السمعاني: تفسير القرآن، دار الوطن - الرياض، ط 1 1418 هـ (1/ 138).
(2)
أبو حيان: البحر المحيط، دار الفكر - بيروت، 1420 هـ، ت: صدقي جميل، ص (7/ 84).
(3)
القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، دار الكتب المصرية - القاهرة، ط 2 - 1384 هـ، (10/ 294).
(4)
الماوردي: النكت والعيون (3/ 257)، ابن الجوزي: زاد المسير: (3/ 39) ،
6 -
كرمناهم: بتعديل القامة، وانتصابها، وامتدادها.
7 -
كرمناهم: بحسن الصورة.
8 -
كرمناهم: بالكلام والخط.
وجماع الأمر: أنهم كرموا على جميع المخلوقات، من البهائم، والسباع والجن، والشياطين، بما أعطوا من التمييز، وبصر من الهدى
(1)
.
وهنا يشير الجاحظ إلى وجه من أوجه هذا التكريم، وهو ما من الله جل وعلا به لهذا الكائن من إمكان النطق، والتعبير عما تجيش به نفسه، فقال: "فاعلم أن الكلام من أسباب الخير، لا من أسباب الشر.
والكلام أبقاك الله، سبيل التمييز بين الناس والبهائم، وسبب المعرفة لفضل الآدميين على سائر الحيوان، قال الله عز وجل:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الإسراء:70]، كرمهم باللسان وجملهم بالتدبر ولو لم يكن الكلام، لما استوجب أحد النعمة، ولا أقام على أداء ما وجب عليه من الشكر سببا للزيادة، وعلة لامتحان قلوب العباد، والشكر بالإظهار في
…
القول، والإبانة باللسان، ولا يعرف الشكر إلا بهما"
(2)
.
فكرم الله جل وعلا الإنسان بهذه المكارم، ووهبه هذه الأعطيات والمواهب مع تفضيله على كثير ممن خلق تفضيلاً، "فعُلم بهذه الآية: أن الإنسان صفوة العالم، وخلاصته، وسلالته، وخاصته، ونخبته، وثمرته، وزبدته"
(3)
.
(1)
* من اللطيف ما ذكره كمال الدين الأنباري في علة كون الأصل في الجمع السالم لمن يعقل، فإن قيل: إن الأصل في الجمع السالم أن يكون لمن يعقل؟ قيل: تفضيلاً لهم؛ لأنهم المقدمون على سائر المخلوقات بتكريم الله تعالى لهم، وتفضيله إياهم. أسرار العربية:66.
(2)
الجاحظ: رسائل الجاحظ، مكتبة الخانجي - القاهرة، 1384 هـ، (4/ 236).
(3)
برهان الدين الوطواط: مباهج الفكر، ت: عبدالرزاق الحربي، (1/ 1).
وفي الجمع في هذه الآية الكريمة، من التكريم في أولها، والتفضيل في آخرها وجه بديع: وذلك "أن الله تعالى كرم الإنسان على سائر الحيوان بأمور خلقية ذاتية طبيعية، مثل: العقل، والنطق، والخط، وحسن الصورة ثم إنه سبحانه وتعالى عرفه بواسطة ذلك العقل والفهم، اكتساب العقائد الصحيحة، والأخلاق الفاضلة، فالأول هو التكريم، والثاني هو التفضيل"
(1)
.
ومن أوجه التكريم نشأت خصائص التكليف، فخصائص الإنسان في القرآن الكريم تتمثل في جهتين:
1 -
جهة التكليف والمسؤولية، وما يتبع ذلك من أخلاق.
2 -
وجهة العقل، وما يتبع ذلك من العلم.
وبالمسؤولية والعلم، يتميز الإنسان عن سائر المخلوقات
(2)
، وبقدر تمسكه بالتكاليف الشرعية، يكون شعوره بالطمأنينة، والسعادة، والرضا، والقناعة ملازماً له في حياته، مع أن ملاك أمر الإنسان العاقل في هذه المسألة أمور ثلاثة
(3)
:
(أ) الاعتدال في الإقبال على الدنيا.
(ب) أن يدرك حقيقة رسالته في الحياة، وهي أن يُعمر الحياة بالمثل العليا من إيمان بالله تعالى، وتواصي بالحق، وتعامل بالحب والإيثار.
(ج) أن يروض نفسه على التفاؤل، والبشر، والابتسام، والتسامح.
وبعد هذا البيان، نقف على بعض مظاهر التكريم الإلهي للإنسان فيما يلي:
1/ أن الله جل وعلا خلق الإنسان الأول، آدم عليه الصلاة والسلام، بيده الشريفة، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وعلمه أسماء الأشياء فأي إكرام بعد هذا الإكرام.
2/ أن الله جل وعلا خلقه في أحسن صورة، وأجمل منظر، يقول سبحانه وتعالى:{لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)} [التين:4].
(1)
الخازن: لباب التأويل، دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1 1415 هـ (3/ 138)
(2)
عبد المعطي بيومي: خصائص الإنسان في القرآن الكريم: بحث منشور في موقع المؤلف على الشبكة العنكبوتية، منشور في حولية كلية أصول الدين: العدد (8) بتاريخ 1411 هـ.
(3)
محمد الهاشمي: ومضات الخاطر، دار البشائر - بيروت، ط 1 1408 هـ، ص (187)
يقول ابن عباس رضي الله عنهما: يعني: في أعدل خلق
(1)
.
وقال سبحانه وتعالى في موضع آخر: {يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8)} [الانفطار: 6 - 8].
يقول الإمام ابن أبي زمنين:" {الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ} يعني: سوى خلقك {فَعَدَلَكَ} يعني: اعتدال الخلق أي: جعل عينيك سواء، ويديك سواء ورجليك سواء، وجنبيك سواء"
(2)
.
3/ أن الله جل وعلا، مكنه من أدوات التكليف من العقل الذي يميز به والجوارح التي يؤدي بها.
4/ أن الله جل وعلا سخر له ما في الأرض، وهيأ له الحياة بما تناسبه ليكون خليفة في الأرض، يحكم بما أراد الله تعالى وشرع.
5/ أن الله جل وعلا أرسل الرسل عليهم الصلاة والسلام، وأنزل عليهم الكتب:{لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء:165]، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وَلَا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ العُذْرُ مِنَ اللَّهِ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثَ المُبَشِّرِينَ وَالمُنْذِرِينَ «
(3)
.
6/ أن الله عز وجل، حرر الإنسان من رق كل العبوديات البشرية، وعلقه به سبحانه وتعالى، ولم يجعل بينه وبين خلقه وسائط، قال جل وعلا:
…
وقال جل في علاه: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)} [غافر:60].
(1)
مجاهد: تفسير مجاهد ت: د. محمد أبو النيل، ص (737)
(2)
ابن أبي زمنين: تفسير القرآن العزيز، الفاروق الحديثة - القاهرة، ط 1 1423 هـ (5/ 104)
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا شخص أغير من الله ح (7416)، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب التوبة ح (2760).
7/ أن الله عز وجل، حرره كذلك من الخوف من المستقبل، وعزز في نفسه أركان التوحيد، وعقيدة الإيمان بالقضاء والقدر، فقال سبحانه:{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22)} [الحديد:22].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: « ..... وَتَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَأَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ «
(1)
.
8/ أن الله عز وجل، حرره كذلك من رق الخرافات التي تستولي على مناط التشريف والتكليف، وذلك أن ينظر، ويتدبر، ويتأمل، بما وهب له من عقل؛ ليصل إلى الحق، ويتحرر من عبودية الخلق.
9/ أن الله عز وجل، ساوى بين أفراد الإنسان في الحقوق والواجبات، ولم يفرق بينهم على أساس الصورة الظاهرة، وإنما على أساس الصورة الباطنة
…
وذلك بقدر ما في الباطن والظاهر من عمل، والتزام بالشرع المطهر، يقول جل وعلا:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)} [الحجرات:13]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأجسامكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)
(2)
.
يقول الإمام ابن رجب:" يكون كثير ممن له صورة حسنة، أو مال، أو جاه أو رياسة في الدنيا، قلبه خراباً من التقوى، ويكون من ليس له شيء من ذلك قلبه مملوء من التقوى، فيكون أكرم عند الله تعالى"
(3)
.
(1)
أخرجه أبو داود في سننه: كتاب السنة: باب في القدر ح (4699).
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه،:تاب البر والصلة والآداب، باب تحريم ظلم المسلم ح (2564).
(3)
ابن رجب: جامع العلوم والحكم، مؤسسة الرسالة – بيروت، ط 7 1422 هـ (2/ 276)
فنظر الرب جل وعلا يكون إلى القلوب، التي هي محل التقوى، وأوعية العلم والجواهر، وكنوز المعرفة، "فيا عجباً ممن يهتم بوجهه، الذي هو محمل نظر الخلق، فيغسله، وينظفه من ا لقذر والدنس، ويزينه بما أمكن لئلا يطلع فيه مخلوق على عيب، ولا يهتم بقلبه الذي هو محل نظر الخالق، فيظهره ويزينه؛ لئل يطلع ربه على دنس، أو غيره فيه، وعليه: فلا عبرة بحسن الظاهر، وزخرف اللسان، مع خبث الجنان"
(1)
.
9/ أن الله عز وجل، جعل من طبيعة تكوين هذا المخلوق، الأنس والوئام والمحبة والانسجام، والود والسلام، يقول تعالى:{وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ (61)}
…
[الأنفال:61] حتى يستطيع أن يتعايش مع غيره في ود وأمان وسلام، وجعل كل ما يتجافى مع طبيعة الأنس فيه مرفوض مذموم، من العداوة والبغضاء، والحقد والحسد والجفاء، والظلم والاعتداء
(2)
.
10/ أن الله عز وجل، جعله أهلاً لحبه ورضاه، وأرشده في القرآن الكريم إلى ما يجعله خليقاً بهذا الحب.
11/ أن الله عز وجل، جعله في معينة وقربه، وحفظه من السوء، متى كان قريباً من الله تعالى، متمسكاً بدينه
(3)
.
12/ أن الله عز وجل، أعد للمطيعين منهم من الكرامة في دار المقامة، ما لا يخطر على قلب، ولم تره عين، مع ما يحظون فيها، من التمتع بالنظر إلى وجه الله الكريم، ويحظون بالرضوان، والفضل العظيم، والنعيم المقيم.
وبذا نعرف أنه ليست " هناك قيمة مادية في هذه الأرض، تعلو على قيمة الإنسان، أو تهدد من أجلها قيمته"
(4)
.
(1)
المناوي: فيض القدير، المكتبة التجارية الكبرى - مصر، ط 1 1356 هـ (5/ 49)
(2)
انظر: على مصطفى صبح: المذاهب الأدبية، مكتبة تهامة - جدة، ط 1 1404 هـ، ص (87).
(3)
ابن حميد: نضرة النعيم، دار الوسيلة - جدة، ط 4 (4/ 1139 - 1141).
(4)
سيد قطب: خصائص التصور الإسلامي، دار الشروق، 1995 م، ص (124).