الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقد قال:" حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وتجهزوا للعرض الأكبر، وإنما يخف الحساب يومئذ على من حاسب نفسه في الدنيا"
(1)
.
وقال أبو الدرداء رضي الله عنه:" إن أخوف ما أخاف، إذا وقفت على الحساب أن يقال لي: قد علمت فما عملت فيما علمت؟ "
(2)
ونقل ابن أبي نجيح عن الحسن البصري: أنه سئل فقيل له: أمؤمن أنت؟ فقال: إن كنت تسألني عن الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر والجنة والبعث والحساب، فأنا بها مؤمن، وإن كنت تسألني عن قوله:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنفال: 2] فلا أدري أمنهم أنا أم لا
(3)
؟
فالحساب يوم الدين في الآخرة مما أجمعت عليه الأمة، واستقرت عليه أقوالهم، وقد أشار العلامة الإيجي إلى هذا الإجماع قبل ظهور المخالف
(4)
.
المسألة الثانية: أدلة إثبات الحساب في الآخرة:
حفلت نصوص الكتاب والسنة بذكر أخبار الحساب يوم الدين، والكيفية التي يكون عليها في ذلك اليوم العظيم، وهذا دليل على عناية القرآن والسنة
…
بذكر الحساب وأحواله وعظيم شأنه.
أ - الأدلة القرآنية على إثبات الحساب:
جاءت الدلائل القرآنية المثبتة للحساب يوم القيامة، على أوجه متعددة وصور متنوعة، يجمعها بيان إثبات أحقية الحساب، والرد على منكريه والمتشاغلين عنه.
ومن أوجه دلائل القرآن الكريم على إثبات الحساب ما يلي:
1 -
تأكيد وقوع الحساب يوم القيامة وأنه آت لا محالة، ولذا سمى الله تعالى يوم القيامة بيوم الحساب: قال تعالى: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1)} [الأنبياء:1].
(1)
البغوي: شرح السنة، المكتب الإسلامي - بيروت، ط 2 - 1403 هـ، (14/ 309)
(2)
البغوي: شرح السنة، المكتب الإسلامي - بيروت، ط 2 - 1403 هـ، (14/ 335)
(3)
البغوي: معالم التنزيل، دار إحياء التراث العربي - بيروت، ط 1 1420 هـ، (2/ 268)
(4)
الإيجي: المواقف، دار الجيل - بيروت، ط 1 1417 هـ (3/ 523)
يقول الإمام ابن كثير: "هذا تنبيه من الله عز وجل على اقتراب الساعة ودنوها وأن الناس في غفلة عنها، أي: لا يعملون لها، ولا يستعدون من أجلها"
(1)
…
"وهذا تعجب من حالة الناس، وأنه لا ينجع فيهم تذكير، ولا يرعون إلى نذير وأنهم قد قرب حسابهم ومجازاتهم على أعمالهم الصالحة والطالحة"
(2)
.
واقتراب الحساب هو: اقتراب الوقت الذي يحاسبون فيه، ولذا سمى القرآن الكريم الساعة قريبة؛ لأنها كائنة لا محالة، وكل ما هو كائن لا محالة فهو قريب، وأيضاً فإن ما بقي من الدنيا في جنب ما مضى قليل
(3)
.
وفي تسمية يوم القيامة بيوم الحساب فائدة، كما قال جل وعلا:{لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26)} [ص:26]، قال الإمام الرازي:" الفائدة في تسمية يوم القيامة بيوم الحساب، أن الحساب هو الكاشف عن حال المرء فالخوف من ذكره أعظم "
(4)
.
- وقال جل وعلا في تأكيد الحساب: {فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (25)} [آل عمران:25]، ولذا أقسم الرب جل وعز على وقوع سؤالهم وحسابهم فقال سبحانه:
…
{فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)} [الحجر:92 - 93]، قال العلامة النسفي:" أقسم بذاته وربوبيته، ليسألن يوم القيامة واحداً واحداً من هؤلاء المقتسمين، عما قالوه في رسول الله صلى الله عليه وسلم أو في القرآن، أو في كتب الله"
(5)
.
(1)
ابن كثير: تفسير القرآن العظيم ت: سامي سلامة (5/ 331)
(2)
السعدي: تيسير الكريم الرحمن، مؤسسة الرسالة، ط 1 1420 هـ، ص (518)
(3)
السمعاني: تفسير القرآن، دار الوطن - الرياض، ط 1 1418 هـ (3/ 367)
(4)
الرازي: مفاتيح الغيب، دار إحياء التراث العربي - بيروت، ط 3 1420 هـ (22/ 119)
(5)
النسفي: مدارك التنزيل، دار الكلم الطيب - بيروت، ط 1 1419 هـ (2/ 20)
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "والذي لا إله غيره ما منكم من أحد إلا سيخلو الله به يوم القيامة، كما يخلوا أحدكم بالقمر ليلة البدر، فيقول: يا ابن آدم، ماذا غرك مني بي يا ابن آدم؟ ماذا عملت فيما علمت ابن آدم؟ ماذا أجبت المرسلين؟ "
(1)
.
2 -
تأكيد الحساب يوم الدين بتوفية الجميع جزاء أعمالهم فيه:
قال أهل التفسير: (فوفاه حسابه): أي جزاء عمله
(2)
.
- وقال جل وعز: {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25)} [النور:25].
قال ابن عباس رضي الله عنهما، في قوله تعالى:{يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ} أي: حسابهم، وقال ابن عباس: كل شيء في القرآن الدين فهو الحساب وروي عن سعيد بن جبير مثل ذلك
(3)
.
وقال تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281)} [البقرة:281].
وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (161)} [آل عمران:161].
وقال تعالى: {وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (111)} [هود:111].
(1)
الطبري: جامع البيان، مؤسسة الرسالة، ط 1 1420 هـ، ت: أحمد محمد شاكر، ص (17/ 150)
(2)
السمعاني: تفسير القرآن، دار الوطن - الرياض، ط 1 1418 هـ (3/ 536)
(3)
الطبري: جامع البيان، مؤسسة الرسالة، ط 1 1420 هـ، ت: أحمد محمد شاكر، ص (19/ 141)
وقال تعالى: {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (111)} [النحل:111].
وقال تعالى: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (19)} [الأحقاف:19].
وقال تعالى: {وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70)} [الزمر:70].
3 -
أن حساب الخلائق من خصائص الرب جل وعز، ولذا نسبه إلى نفسه الشريفة المقدسة:
قال جل وعلا: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47)} [الأنبياء:47].
وقال سبحانه وتعالى: {وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ (40)} [الرعد:40].
وقال سبحانه وتعالى: {إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (113)} [الشعراء:113].
وقال سبحانه وتعالى: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26)} [الغاشية: 25 - 26].
4 -
أن يوم الجزاء والحساب، يظهر فيه مشهد الحق والعدل، فيؤتى بالعباد للحساب، فينبوأ كل فرد بما عمل، ليجازى ويحاسب، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.
قال الله تعالى: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48)} [المائدة:48].
وقال سبحانه وتعالى: {ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (60)} [الأنعام:60].
وقال سبحانه وتعالى: {كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108)} {كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} الأنعام 108
وقال سبحانه وتعالى: {ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (23)} [يونس:23].
والآيات الكريمات في هذا المعنى كثيرة، كلها تدل على موقف الحق، في يوم الحق، بين يدي الحق، لفصل القضاء بين الخلائق.
5 -
أخبر الرب جل وعلا عن نفسه سبحانه بأنه سريع الحساب
…
وأسرع الحاسبين في آيات كثيرة، كلها تؤكد هذه الحقيقة.
يقول المولى جل وعلا: {لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (51)} [إبراهيم:51].
يقول الإمام الطبري:" وإنما وصف جل ثناؤه نفسه بسرعة الحساب، لأنه جل ذكره يحصي ما يحصي من أعمال عباده بغير عقد أصابع، ولا فكر ولا روية، فعل العجزة الضعفة من الخلق ولكنه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، ولا يعزب عنه مثقال ذرة فيهما، ثم هو مُجاز عباده على كل ذلك، فلذلك امتدح نفسه جل ذكره بسرعة الحساب"، وقال الإمام البغوي في معنى الآية:" أي: حسابه واقع لا محالة، وكل ما هو واقع لا محالة فهو سريع "
(1)
، ولذا امتدح الرب نفسه في الآية الأخرى بأنه جل في علاه أسرع الحاسبين فقال:{ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ (62)} [الأنعام:62].
وقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم -على الأحزاب قوله: (اللهم منزل الكتاب سريع الحساب، اللهم اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم)
(2)
.
(1)
الطبري: جامع البيان، مؤسسة الرسالة، ط 1 1420 هـ، ت: أحمد محمد شاكر، ص (22/ 487).
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة ح (2933)، وأخرجه مسلم في صحيحه كتاب الجهاد والسير، باب استحباب الدعاء بالنصر عند لقاء العدو ح (1742) دار إحياء التراث العربي - بيروت، ت: محمد فؤاد عبد الباقي.
فهو سبحانه وتعالى سريع الحساب يوم القيامة، حيث لا يشغله محاسبة واحد عن الآخر، سريع المجازاة للعباد بأعمالهم، فيحاسبهم في حالة واحدة لا يشغله شأن عن شأن، قال الحسن: حسابه أسرع من لمح البصر
(1)
.
6 -
بيان تعنت الكفار وتكذيبهم بالحساب، أو تناسي بعض العصاة له:
قال الله تعالى عن الكفار: {إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (27)} [النبأ: 27].
قال مجاهد في تفسير الآية: لا يبالون الحساب ولا يخافونه ولا يصدقون بالغيب والبعث
(2)
، فلم يكونوا يعتقدون أن ثَم داراً يجازون فيها ويحاسبون
(3)
، ولهذا قال في الآية بعدها:{وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا (28)} [النبأ: 28]، وقال جل وعلا في هذا المعنى:{وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ (27)} [غافر:27]، وقال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26)} [ص:26].
ومعناه: لهم عذاب شديد يوم الحساب بما نسوا: أي تركوا أمر الله وغفلوا عن القيامة
(4)
.
7 -
التعبير بالمساءلة الدال على الحساب:
يقول جل وعلا: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6)} [الأعراف:6]، ويقول جل وعلا:{فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92)} [الحجر:92]، ويقول جل وعلا:{وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (13)} [العنكبوت:13]، ويقول جل وعلا:
…
{وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24)} [الصافات:24]، ويقول جل وعلا:{ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)} [التكاثر:8].
(1)
القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، دار الكتب المصرية - القاهرة، ط 2 - 1384 هـ، (2/ 435).
(2)
مجاهد: تفسير مجاهد ت: د. محمد أبو النيل، ص (695).
(3)
ابن كثير: ت: سامي سلامة (8/ 307).
(4)
السمعاني: تفسير القرآن (4/ 437).
قد نبه العلماء في هذا الموضع وأمثاله الذي تذكر فيه الآيات المثبتة للسؤال والمحاسبة ما قد يشكل من ورود جملة أخرى من الآيات الكريمة التي تنفي السؤال والحساب من مثل قوله تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ (39)} [الرحمن:39]، {وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78)} [القصص:78].
وظاهر هذه الآيات يوهم التعارض مع ما سبق من الآيات الأخرى المثبتة للحساب، وقد أجاب العلماء عن هذا التعارض الظاهر ودُفع بما يلي:
أ. أن المسألة التي نفاها الله تعالى عن نفسه بقوله: {وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78)} [القصص:78]، ونحوها، فهي محمولة على المسألة التي هي مسألة استرشاد واستثبات، فيما لا يعلمه السائل عنها، ويعلمه المسؤول ليعلم السائل علم ذلك من قِبَلِ من سأل منه، وهذا غير جائز أن يوصف الله تعالى به؛ لأنه العالم بالأشياء قبل كونها، وحال كونها، وبعد كونها، فهو العالم بذلك كله وبكل شيء غيره
(1)
.
ب. أن المنفي في السؤال هو سؤال الاستعلام، والمثبت هو سؤال التقريع والتوبيخ، فلا يقال لهم: هل فعلتم؟ بل يقال لهم: لم فعلتم؟
(2)
.
ج. أن القيامة مواطن؛ لطول ذلك اليوم، فيسأل في بعض، ولا يسأل في بعض، وعليه فتحمل الآيات الكريمات على تعدد المواقف في القيامة فيسألون في مواقف دون مواقف
(3)
.
د. وقيل: نفي السؤال عن المجرمين محمول على أنهم لا يسألون سؤال من له عذر في الجواب، وإنما يسألون على معنى إظهار قبائحهم؛ ليفتضحوا على رؤوس الجمع
(4)
.
(1)
الطبري: جامع البيان، مؤسسة الرسالة، ط 1 1420 هـ، ت: أحمد محمد شاكر، ص (12/ 308)
(2)
السمعاني: تفسير القرآن: (5/ 332)، البغوي: معالم التنزيل: (4/ 338)
(3)
القرطبي: الجامع الأحكام القرآن:، (17/ 174)، ابن كثير: تفسير القرآن العظيم: (7/ 449)
(4)
السمعاني: تفسير القرآن، دار الوطن - الرياض، ط 1 1418 هـ (4/ 157)
هـ. وقيل: المراد أنهم لا يسألون عن إحصاء أعمالهم، ويعطون الصحائف فيعرفونها، ويعترفون بها
(1)
.
8 -
ذكر خوف أنبياء الله تعالى ورسله من هول الموقف، وما فيه من الحساب والجزاء، قال تعالى عن نبيه إبراهيم الخليل عليه السلام:
…
{رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41)} [إبراهيم:41]
وقال تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل وأنت رسول الله: {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13)} [الزمر:13]، واليوم العظيم: يوم القيامة، وهذا شرط ومعناه: التعريض بغيره بطريق الأولى والأحرى. ولهذا فأنبياء الله جل وعز يخوفون أقوامهم بهذا اليوم وما فيه من الجزاء والحساب:
قال الله تعالى حكاية عن نبيه نوح عليه السلام، {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59)} [الأعراف:59].
وقال شعيب لقومه: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84)} [هود:84]، قال الإمام ابن كثير:" أي في الدار الآخرة "
(2)
.
9 -
أشار القرآن الكريم إلى أحوال المحاسبين يوم القيامة:
(1)
العز بن عبد السلام: تفسير القرآن، دار ابن حزم - بيروت ن ط 1 1416 هـ، (2/ 501)
(2)
ابن كثير: تفسير القرآن العظيم، ت: سامي سلامة (4/ 342)