الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 - يورث المحبة والتواد بين المسلمين:
إن من أكبر أسباب التحاسد والتباغض بين المسلمين، هو تناسيهم الآخرة وغفلتهم عنها، وإلا فمتى كانت الدار الآخرة حاضرة أمام أعينهم، ماثلة مشاهدها بين أيديهم، أورثهم ذلك المشهد خوفاً وقلقاً، ينعكس على أفعالهم فبعد أن كانت العداوة والبغضاء، مسيطرة على المشهد الإنساني اليومي، حل مكانها التواد والتسامح، والمحبة والتصافح، فسعدت به الحياة ، وأنست به الدنيا، ولذا كان علماء الآخرة بمعزل عن هذا التحاسد، يقول الإمام ابن الجوزي:"تأملت التحاسد بين العلماء، فرأيت منشأه من حب الدنيا، فإن علماء الآخرة يتوادون ولا يتحاسدون، كما قال تعالى: {وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا} [الحشر:9]، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10)} [الحشر:10]، وقد كان أبو الدرداء يدعو كل ليلة لجماعة من إخوانه، وقال الإمام أحمد بن حنبل لولد الشافعي: أبوك من الستة الذين أدعو لهم كل ليلة وقت السحر"
(1)
.
3 - يمنع الظلم:
إن من أكبر زواجر منع الظلم، هو الإيمان بالآخرة، فإذا كان الله جل وعلا يقتص في القيامة للبهائم بعضها من بعض، فكيف بحقوق العباد! ولذا فإن أكثر ما يزلزل كيان الظالم، علمه بأن الله تعالى خصمه، وأنه ربما عاجله بظلمه فأهلكه، أو أخره وأمهله، حتى إذا أخذه لم يفلته، وقد قيل:(الظلم مرتعه وخيم)
(2)
، وقد قال معاوية رضي الله عنه: إني لأستحي أن أظلم من لا أجد له ناصراً علي إلا الله "
(3)
.
(1)
ابن الجوزي: صيد الخاطر، دار القلم - دمشق، ط 1، ص (30).
(2)
أبو عبيد القاسم: الأمثال، دار المامون لتراث، ط 1 1400 هـ، ص (259).
(3)
الأصفهاني: محاضرات الأدباء، دار الأرقم بن ابي الأرقم - بيروت، ط 1 1420 هـ، (1/ 270).
يقول الجاحظ: "فإن الله تبارك وتعالى، لم يخلق مذاقاً أحلى من العدل ، ولا أروح على القلوب من الإنصاف، ولا أمرَّ من الظلم، ولا أبشع من الجور"
(1)
.
وقال حاكياً: "إن البغي يصرع أهله، وإن الظلم مرتعه وخيم، فلا تغتر بإبطاء العقاب، من ناصرٍ من شاء أن يغيث أغاث، وقد أملى لقوم كي يزدادوا إثماً "
(2)
، والظلم من أقبح ما يحمله الرجل معه إلى معاده، وقد كتب الفضل بن يحي إلى عامل له:"بئس الزاد إلى المعاد، العدوان على العباد"
(3)
.
وقد جرت السنن الإلهية، ببقاء دول العدل ولو كانت كافرة، وزوال دول الظلم ولو كانت مسلمة، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:" وأمور الناس تستقيم في الدنيا مع العدل، الذي فيه الاشتراك في أنواع الإثم، أكثر مما تستقيم مع الظلم في الحقوق، وإن لم تشترك في إثم، ولهذا قيل: إن الله يقيم الدولة العادلة، وإن كانت كافرة، ولا يقيم الظالمة، وإن كان مسلمة، ويقال: الدنيا تدوم مع العدل والكفر، ولا تدوم مع الظلم والإسلام "
(4)
. ولذا فإن الناس لم يتنازعوا، في أن عاقبة الظلم وخيمة، وأن عاقبة العدل كريمة، ولهذا يروى:(الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة)؛ لأن العدل نظام كل شيء، فإذا أقيم أمر الدنيا بعدل قامت، وإن لم يكن لصاحبها في الآخرة من خلاق، ومتى لم تقم بعدل لم تقم وإن كان لصاحبها من الإيمان، ما يُجزى به في الآخرة
(5)
.
(1)
الجاحظ: الرسائل الأدبية، مكتبة الهلال - بيروت، ط 2 - 1423 هـ، ص (103).
(2)
الجاحظ: الرسائل، مكتبة الهلال - بيروت، ط 2 - 1423 هـ، ص (245).
(3)
محمد حمدون: التذكرة الحمدونية، دار صادر - بيروت، ط 1 - 1417 هـ، (3/ 177).
(4)
ابن تيمية: مجموع الفتاوى، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف - المدينة النبوية (28/ 146)
(5)
ابن تيمية: مجموع الفتاوى، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف (28/ 63 - 146 بتصرف يسير)