الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَعُرِفَ النبي صلى الله عليه وسلم بالجود والكرم، والعطاء والبذل، في أول حياته وآخرها وكان ما بينهما تأريخ حافل عاطر، بكل ما عرفته الإنسانية من معاني السخاء والإيثار، فتحكي أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها شيئاً من مفاخره صلى الله عليه وسلم فتقول حينما جاءها يرجف فؤاده من نزول الوحي عليه قائلاً:«لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي» فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ،
(1)
.
فالمؤمن بالآخرة، سيسخر كل ما يملك لخدمة الخلق، حتى يحظى بما عند الخالق، من العطاء والجود والكرم.
3 - أداء الحقوق:
الحقوق كثيرة متنوعة ، فحق يجب القيام به ، وحق يتحتم السعي إليه ، يقول الله تعالى. {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا (36)} [النساء:36].
إن الباعث الرئيس للقيام بأداء هذه الحقوق، هو الإيمان بالدار الآخرة ، وأنها مستقر أعمال الخلائق من خير وشر. فاستشعار رهبة الموقف بين يدي الجبار جل جلاله ، والخوف من السؤال، والرهبة التي تغشى القلوب، من مغبة التهاون في هذه الحقوق، كلها دواع للفرد تدفعه للقيام بهذه الحقوق حق قيام.
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه، باب كيف بدء الوحي ح (3)، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان باب بدء الوحي ح (160).
وهناك بواعث أخرى تدعوا إلى أداء الحقوق، إلا أن الداعي الأكبر، هو داعي الخوف من الحساب والجزاء، والبواعث الأخرى لأداء الحقوق، لها تعلق بصفاء النفس ونقائها، بما جُبلت عليه من الكرم، والنخوة، والقيام مع الآخرين، فكل "ما يبعث على أداء الحقوق، فأجدر به حمداً ، وما صدّ عنها، فأخلق به ذماً"
(1)
قال أبو النجيب السهروردي في أماليه لنفسه:
أداء الحقوق دليل الكرم
…
وفي ذلك مرضاة مولى الأمم
ومن قام لله في خلقه
…
بحسن الرعاية حاز النعم
(2)
إن داعي الإيمان في القلوب، ورجاء فضل ما عند علام الغيوب ، هو الدافع للقيام بحقوق الناس. وحقوقهم كثيرة ، يصعب وصفها ، ويطول رصفها في هذا المقام ، إلا أن المقصود الأعظم هو الالتزام بهذه الحقوق والوصف الأكرم قوله جل وعلا:{ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ} [الإسراء:39]، أي:"هذا الذي أمرناك به من الأخلاق الجميلة، ونهيناك عنه من الصفات الرذيلة، مما أوحينا إليك يا محمد لتأمر به الناس "
(3)
؛ "لأنها اشتملت على محاسن الأخلاق والحكمة ، وقوانين المعاني المحكمة، والأفعال الفاضلة "
(4)
.
إن الآيات التي نزل بها جبريل عليه السلام إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من سورة الإسراء من قوله تعالى {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ}
…
إلى قوله
…
{كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (38)} [الإسراء] ، اشتملت على جملة من الأداب، والقصص، والأحكام ، يرجع حاصلها "إلى الأمر بالتوحيد وأنواع البر والطاعات ، والإعراض عن الدنيا ، والإقبال على الآخرة"
(5)
.
(1)
الماوردي: أدب الدنيا والدين، دار مكتبة الحياة، 1986 م، ص (91).
(2)
ابن المستوفى: تاريخ إربل، دار الرشيد - العراق، 1980 م، (2/ 144).
(3)
ابن كثير: تفسير القران العظيم، دار طيبة للنشر والتوزيع، ت: سامي سلامة (5/ 77).
(4)
القرطبي: الجامع الأمثال للقرآن، دار الكتب المصرية - القاهرة، ط 2 - 1384 هـ، (10/ 264).
(5)
الخازن: لباب التأويل، دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1 1415 هـ (3/ 131).