الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول مذهب أهل السنة والجماعة في اليوم الآخر
الناس مختلفون في الإيمان باليوم الآخر، مع كثرة أدلته، ووضوح دلالته ووفرة الشواهد الحسية والعقلية على وقوعه وحتميته، ومع تأييد نبض النفس البشرية، والفطرة الإنسانية على حقيقته. رغم ذلك انحرفت بعض الفطر، وضلت بعض العقول، فأصبحت تعيش بأجسادها تهيم كالأنعام بل هم أضل.
ومع أن هذا المقام الغيبي، واضح كوضوح الشمس في رابعة النهار، إلا أن طوائف أنكرت، وأخرى تأولت، وفي هذا يقول الإمام ابن تيمية: " افترق الناس في هذا المقام ثلاث فرق:
- فالسلف والأئمة وأتباعهم: آمنوا بما أخبر الله به عن نفسه وعن اليوم الآخر، مع علمهم بالمباينة التي بين ما في الدنيا، وبين ما في الآخرة وأن مباينة الله لخلقه أعظم
- والفريق الثاني: الذين أثبتوا ما أخبر الله به في الآخرة، من الثواب والعقاب، ونفوا كثيرا مما أخبر به من الصفات، مثل طوائف من أهل الكلام.
- والفريق الثالث: نفوا هذا وهذا، كالقرامطة، والباطنية، والفلاسفة أتباع المشائين ونحوهم من الملاحدة، الذين ينكرون حقائق ما أخبر الله به عن نفسه، وعن اليوم الآخر "
(1)
.
فأهل الإيمان الحق، هم الذين آمنوا بكل ما جاء عن الله تعالى، وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، من الأخبار. وما جاء عن الله تعالى، وعن رسوله صلى الله عليه وسلم من الأخبار هو الصدق والعدل، قال تعالى:{وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115)} [الأنعام:115]، والمقصود هو القرآن الكريم، وتمامه يكون في حججه ودلائله، وفي أحكامه وأوامره، وفي تمام كلامه، واستكمال صوره، وفي وعده ووعيده. فالقرآن صدقا فيما حكاه عدلا فيما قضاه
(2)
.
قال الإمام ابن كثير: "صدقا في الأخبار، وعدلا في الأحكام، فكله حق
…
وصدق، وعدل، وهدى، ليس فيه مجازفة، ولا كذب، ولا افتراء "
(3)
.
ولما كان خبره تعالى هو الصدق، وحكمه هو العدل، قال جل شأنه لنبيه صلى الله عليه وسلم:{وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6)} [النمل:6]" حكيم بتدبير خلقه، عليم بأخبارهم، وما فيه الخير لهم "
(4)
.
وكيف لا يكون صدقا وعدلا، وقد أنزله الله جل وعلا بعلمه، قال تعالى:{لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (166)} [النساء:166].
فأهل الإيمان الحق يُسلمون لنصوص الوحيين، وما دلت عليه، ولا يُعارضون بعقل، أو قياس، أو عادة، ولا يردون بشبهة، أو هوى. فأخبار اليوم الآخر كلها على السواء، في التسليم والانقياد، ما ورد على وجه التواتر أو الآحاد. فالشريعة واحدة، ومصدرها واحد، فما جاء فيها من النصوص فهو حق، يجب الإيمان به، وتصديقه، وتقديمه.
(1)
ابن تيمية: مجموع الفتاوى،:(3/ 29).
(2)
الطبري: جامع البيان: أحمد محمد شاكر، ص (12/ 62)، الماوردي: النكت والعيون (2/ 160).
(3)
ابن كثير: تفسير القرآن العظيم ت: سامي سلامة (1/ 199)
(4)
المراغي: تفسير المراغي: (19/ 122).