الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني أثر الإيمان باليوم الآخر على المجتمع
لا يخلو أي مجتمع من أفراد، والحكم على أي مجتمع بالصلاح أو الفساد منوط بأفراده، ولذا سعت الأمم لاستصلاح مجتمعاتها بشتى الوسائل فبذلت من أجل ذلك كل إمكاناتها، وسخرت كل طاقاتها؛ أملاً منها بقيام مجتمع صالح، وبيئة يمكن من خلالها، ممارسة الفرد لحقه دون ممانع.
إلا أن المجتمعات التي قامت على استصلاح أفرادها، على مبدأ دنيوي بحت، ثم أتاحت له كل المغريات وأنواع المنكرات، رغبة منها لإسعاد أفرادها، قد سقطت في أوحال الرذيلة، والأخلاق المشينة ، ففسد المجتمع وانحطت الأخلاق، وساءت المعاملة، ولم يبق لمعاني الرحمة، والتعاون والتكافل فيها أثر؛ لأن كل فرد في هذا المجتمع، يسعى لملء رغباته وإشباع نزواته، دون أي وازع ولا رقيب، فانهارت هذه المجتمعات أخلاقياً، وسلوكياً، ونفسياً، وإن ظهر لها نوع تقدم في النواحي الدنيوية المادية، إلا أنها في الحقيقة، دمرت أخلاقيات المجتمع، وهدمت سمعة أفراده.
فهذه المجتمعات وأمثالها التي خلت عن المعاني الإنسانية السامية، هي وإن كانت تشبع رغبات أفرادها المادية، إلا أنها أعجز المجتمعات، عن إشعارهم بالطمأنينة والسعادة، وأبعدها عن جعلهم جسداً واحداً متماسكاً متوادين، متراحمين، متعاطفين.
ولذا انهارت هذه المجتمعات، وانحدرت للهاوية، فلا غرابة حينها، أن تشيع في هذه المجتمعات الأنا الذاتية والأنانية، وغيرها من الأخلاق المشينة نتيجة لغياب الدين في حياتهم، وعدم الرقابة المبنية على خوف المجازاة في الآخرة.
أما المجتمعات القائمة على مبدأ الرقابة الذاتية، والخوف من الجزاء الأخروي، فهي مجتمعات متماسكة متلاحمة، مترابطة، مستقرة، بعيدة كل البعد عن الأنانية المفرطة، والنزعات المغرضة.
إن المجتمعات المسلمة، تُربي أفرادها على معرفة الحقوق والواجبات، فكل فرد في المجتمع المسلم، له حقوق يجب أن تستوفى له، وعليه واجبات يجب أن يقوم بها على أكمل وجه، ولذا متى قصّر في أداء هذه الواجبات، لحقه العتب وربما العقاب.
ومن هنا يُلزم الأفراد في هذه المجتمعات، بتقديم كل ما فيه رُقي أخلاقي واجتماعي، وهي من الحقوق التي أناطها الإسلام بالأفراد.
والإسلام يربي أفراده على الرقابة الذاتية، وعلى منهج الإحسان الذي يستشعر فيه المسلم معية الله ورقابته.
"وحين توجد في القلب هذه الحساسية المرهفة تجاه الله، تستقيم النفس ويستقيم المجتمع، وتستقيم جميع الأمور، ويعيش المجتمع نظيفاً من الجريمة نظيفاً من الدنس، نظيفاً من الأحقاد؛ لأنه لا يتعامل في الحقيقة بعضه مع بعض، وإنما يتعامل أولاً مع الله"
(1)
.
إن الإيمان بالآخرة، له أثره الفعال في إقامة مجتمع راقي المشاعر، راقي التفكير، طاهر في العمل والتعامل.
إن الإيمان بالآخرة، جدير بتحقيق الأخلاق الفاضلة المطلقة، في السلوك والحياة، تحقيقاً فعليا مستمراً ثابتا غير متقلب، بلا نفاق، ولا رياء، وهذا لا يكون إلا نتيجة حتمية للإيمان باليوم الآخر
(2)
.
ففرق بين المجتمعات التي قامت على أسس الأخلاق، فعاشت عيشة هنية رضية حميدة، وماتت ميتة شامخة سعيدة، وبين المجتمعات التي قامت على أنقاض الأخلاق الحميدة، وتنكرت لكل الآداب الكريمة، والعادات السليمة المستقيمة.
فعاشت في ظلها، عيشة نكدة خالية عن كل معاني الإنسانية، وماتت ميتة سيئة، لم تخلف إلا الدمار الأخلاقي، والضياع الأسري، والتفكك الاجتماعي؛ لأنها لم تحفظها بسياج يحميها من الانهيار ،كما حُفظت في المجتمعات المسلمة، الموقنة المصدقة بما عند الله جل وعلا من الخير والفضل
الإيمان باليوم الآخر، له آثار إيجابية على المجتمعات ، تنعكس على أفراده فيعيش كل فرد من أفراده ، مطمئناً على نفسه، وعرضه، وماله في ظل الإسلام، في حين ترى أن المجتمعات التي خلت قواميسها عن الإيمان بالآخرة، مجتمعات سلبية، تكثر فيها العداوة والبغضاء والحسد، وتنتشر فيها الأخلاقيات السيئة، التي تهدد بخطر اجتماعي جسيم، فلا ينعمون بأمن، ولا يحظون برغد العيش، وإن شعروا به لحظة فقدوه لحظات، ولذا حياتهم مليئة بالخوف، الذي يهدد كيانهم النفسي، والأخلاقي، والاجتماعي.
وللإيمان باليوم الآخر آثار حميدة على المجتمعات وتنتظم هذه الآثار في مسألتين:
(1)
محمد قطب: منهج التربية الإسلامية، دار الشروق، ط 16، (1/ 59).
(2)
النحلاوي: أصول التربية الإسلامية، دار الفكر، ط 25 1428 هـ، ص (83 بتصرف).