الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقول الإمام ابن رجب:" والرضا بربوبية الله تتضمن: الرضا بعبادته وحده لا شريك له، وبالرضا بتدبيره للعبد، واختياره له"
(1)
.
ويقول الإمام ابن القيم:" فالرضا بإلهيته يتضمن: الرضا بمحبته وحده وخوفه، ورجائه، والإنابة إليه، والتبتل إليه، وانجذاب قوى الإرادة والحب كلها إليه، فعل الراضي بمحبوبه كل الرضا، وذلك يتضمن: عبادته والإخلاص له، والرضا بربوبيته يتضمن: الرضا بتدبيره لعبده، ويتضمن إفراده بالتوكل عليه، والاستعانة به، والثقة به، والاعتماد عليه، وأن يكون راضياً بكل ما يفعل به"
(2)
.
وهذا الرضا والتسليم الناشئ عن الإيمان باليوم الآخر، له أثر آخر على النفس البشرية وهو:
7 - الشعور بالراحة والطمأنينة:
فمن علم أن الأمور كلها من الله جل وعلا، خيرها وشرها، حلوها ومرّها وإنما هي ابتلاءات في الدنيا؛ ليعلم الصابر من الساخط، والراضي من الجاحد، والشاكر من الكافر، عاش مطمئنا راضياً؛ لعلمه بالخلف من الله جل وعلا في الآخرة، فتستوي عنده الأحوال، وتستقر الأمور، فيعلم أن فقره خير له من غناه عند الله، وسقمه خير له من صحته، فإن من عباد الله من لا يصلح حاله إلا الفقر، فإن أغناه الله طغى، ومنهم من لا يصلح حاله إلا السقم، فلو أصحَّه لطغى، هم في ذلك يسيرون تحت المشيئة والحكمة الإلهية، مع مشروعة أخذهم بأسباب الصحة والغنى، ولكن حين يستقر في قلب المرء، كمال الحكمة الإلهية، يعيش مطمئن البال، مرتاح الحال، مع أن الراحة الحقيقية، إنما تكون حين يضع المؤمن أول قدم في الجنة.
جاء رجل من أهل خراسان إلى الإمام أحمد بن حنبل فقال: يا أبا عبد الله قصدتك من خراسان أسألك عن مسألة، قال له سل: قال: متى يجد العبد طعم الراحة؟ قال: عند أول قدم يضعها في الجنة
(3)
.
(1)
ابن رجب: جامع العلوم والحكم، مؤسسة الرسالة - بيروت، ط 7 1422 هـ، (1/ 118).
(2)
ابن القيم: مدارج السالكين، دار الكتاب العربي - بيروت، ط 3 1416 هـ (2/ 171).
(3)
أبو يعلي: طبقات الحنابلة، دار المعرفة -بيروت، دون ذكر رقم الطبعة وتأريخها (1/ 293).
ولذا كان عامر بن عبد الله بن عبد قيس يقول:" في الدنيا الغموم والأحزان، وفي الآخرة النار والحساب، فأين الراحة والفرج؟ "
(1)
، فكانوا يعلمون أن الراحة في الجنة، ولما قيل لأبي حازم: ما الراحة؟ قال: دخول الجنة
(2)
.
ومع ذلك فالوصول للراحة الحقيقية لا تكون بالراحة، قال محمد الكتاني:"من طلب الراحة بالراحة عدم الراحة"
(3)
، وقال الإمام إبراهيم الحربي:" أجمع عقلاء كل أمة، أن النعيم لا يدرك بالنعيم، ومن آثر الراحة فاتته الراحة"
(4)
. فالوصول إلى الراحة واللذة ، لا يكون إلا على جسر التعب والألم ، ولذا فالمصائب والآلام حشوها نعيمٌ ولذات ومسرات
(5)
، فبحسب ركوب الأهوال، واحتمال المشاق، تكون الفرحة واللذة، "فلا فرحة لمن لا هم له، ولا لذة لمن لا صبر له، ولا نعيم لمن لا شقاء له، ولا راحة لمن لا تعب له، بل إذا تعب العبد قليلاً، استراح طويلاً، وإذا تحمل مشقة الصبر ساعة، قاده لحياة الأبد، وكل ما فيه أهل النعيم المقيم، فهو صبر ساعة"
(6)
.
(1)
الأصفهاني: سير السلف الصالحين، دار الراية - الرياض، دون ذكر رقم الطبعة وتأريخها (834).
(2)
الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد، دار الغرب الإسلامي - بيروت، ط 1 1422 هـ، (12/ 379).
(3)
الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد، دار الغرب الإسلامي - بيروت، ط 1 1422 هـ، (4/ 127).
(4)
ابن القيم: مفتاح دار السعادة، دار الكتب العلمية، دون ذكر رقم الطبعة وتأريخها، (1/ 142).
(5)
ابن القيم: مفتاح دار السعادة، دار الكتب العلمية، دون ذكر رقم الطبعة وتأريخها، (2/ 15).
(6)
وكان السلف رحمهم الله، على هذا الفقه، فكان علقمة يقول للأسود بن يزيد، وكان من العباد الزهاد، ما تُعذب هذا الجسد، فيقول: إنما أريد له الراحة
(1)
، ولذا قال مالك بن دينار: إنما طلب العابدون بطول النصب دوام الراحة
(2)
، فالجنة لا تنال براحة الجسد، وجزاء الإحسان الإحسان، يقول أبو سعيد الخراز:"وهل جزاء التعب في الدنيا والنصب فيها إلا الراحة في الآخرة "
(3)
.
فلا راحة للعبد في دنياه، إلا بالرضا والتسليم لأمر الله جل وعلا، قال النباجي:"ما التنعم إلا في الإخلاص، ولا قرة العين إلى التقوى، ولا الراحة إلا في التسليم "
(4)
.
ولما سئل ابن الحواري عن دواء الراحة قال: "وأما دواء الراحة، فالرضا عن الله في جميع الأمور كلها"
(5)
.
وهذا الشعور بالراحة والاطمئنان الذي يطغى على المؤمن، حقيق بإظهار أثر آخر على الفرد من الناحية النفسية؛ نتيجة إيمانه باليوم الآخر، وهو:
(1)
ابن سعد: الطبقات الكبرى، دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1 1410 هـ، (06/ 135).
(2)
ابن عساكر: تاريخ دمشق، دار الفكر، 1415 هـ، (56/ 423).
(3)
ابن عساكر: تاريخ دمشق، دار الفكر، 1415 هـ، (5/ 138).
(4)
ابن عساكر: تاريخ دمشق، دار الفكر، 1415 هـ، (21/ 17).
(5)
ابن عساكر: تاريخ دمشق، دار الفكر، 1415 هـ، (69/ 116).