الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بنظرة تأمل واحدة في كتاب الله عز وجل ، يجد المرء إجابة شافية على تساؤله، فالله عز وجل خوّف عباده بهذا اليوم ، وذكّرهم وبيّن لهم بعض أخباره وأحواله وأهواله، قال جل شأنه:{إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1)}
…
[الزلزلة:1] ، فهذا مشهد من مشاهد القيامة، متى تأمله الإنسان بحق، رق قلبه، وخفق فؤاده، ورعدت فرائصه؛ لأنه يرى ويناظر أثر الزلازل المدمرة في هذا العالم المشهود. فهذه الأرض المستقرة، يتغير شأنها، ويتبدل حالها وتزلزل بمن فيها، ولذا يقول المولى سبحانه:{إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1)} ، أي:" إذا تحركت الأرض بأهلها، فزلزلت من نواحيها، وارتجت من مشرقها ومغربها، فلا تزال كذلك حتى يكسر ما على ظهرها من جبل وبناء فلا تسكن حتى يدخل في بطنها جميع ما يخرج منها. وزلزلتها من شدة صوت إسرافيل عليه السلام وذلك إذا فرغت أحيان الدنيا وساعاتها وشهورها وأوقاتها وأعوامها وأيامها وحلالها وحرامها "
(1)
ومع خلاف العلماء في هذه الزلزلة ، هل هي بعد النفخة الثانية وقيام الناس من قبورهم ، أو قبلها عند النفخة الأولى؟
(2)
إلا أن هول المطلع ، وشدة المفزع ، وذهول المرضع ، وإسقاط الحامل الموجع دليل على شدة هذا اليوم وعظيم هوله.
ولذا ليس عجباً أن يسمى بهذه الأسماء المفزعة ، ويوصف بهذه الأوصاف المخيفة، فهو يوم الطامة والصآخة والقارعة والواقعة. فالله جل وعلا يذّكر
…
ويخوّف بهذا اليوم العظيم؛ " لينتهوا عما نهاهم عنه من العصيان، ويمتثلوا ما أمرهم به من الطاعة والإيمان.
وخوفهم من يوم القيامة؛ ليستعدوا لها، ولعظيم أهوالها "
(3)
المطلب الثالث: سبب تسمية اليوم الآخر بهذا الاسم:
(1)
ابن الجوزي: بستان الواعظين ص (26).
(2)
السيوطي: البدور السافرة ص (46).
(3)
ابن الجوزي: بستان الواعظين ص (26).
إذا أدبرت الدنيا حلت الآخرة ، التي هي آخر مراحل الإنسان ، فتنقضي الأزمان ، وتفنى الأعوام ، وتختفي المعالم. فهو يوم لا ليل بعده، لذا وصف بالآخر؛ لأنه لا يقال يوم إلا لما تقدمه ليل
(1)
وذكر العلماء في سبب تسمية اليوم الآخر بهذا الاسم عدة أوجه:
قال الإمام الطبري رحمه الله: " فكذلك الدار الآخرة ، سميت آخرة؛ لتقدم الدار الأولى أمامها ، فصارت التالية لها آخرة ، وقد يجوز أن تكون سميت آخرة؛ لتأخرها عن الخلق ، كما سميت الدنيا " دنيا " لدنوها من الخلق "
(2)
وقال العلامة السمرقندي رحمه الله: " لأنه لا يكون بعده ليل ، فيصير بمنزلة يوم واحد "
(3)
وقال الإمام البغوي رحمه الله: " وسميت الآخرة آخرة؛ لتأخرها ، وكونها بعد فناء الدنيا "
(4)
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " وأما اليوم الآخر فقيل له ذلك؛ لأنه آخر أيام الدنيا ، أو آخر الأزمنة المحدودة "
(5)
وقال العلامة ابن باز رحمه الله: " سمي الآخر؛ لأنه دبر الدنيا ، الدنيا ثم يوم القيامة "
(6)
، وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله:" لأنه لا يوم بعده "
(7)
فاليوم الآخر يوم طويل ، لا يكون حتى تفنى الدنيا وما عليها. تقف فيه الخلائق حتى يُقضى بينها، ففريق في الجنة وفريق في السعير. وقد فاز من حاز الدول الثلاث فيها ، قال أبوبكر الواسطي: " الدول ثلاث: دولة الحياة ودولة الموت ، ودولة يوم القيامة.
فأما دولة الحياة: فإنه يعيش فيها في طاعة الله تعالى.
وأما دولته عند الموت: بأن تخرج روحة عند شهادة أن لا إله إلا الله.
وأما الدولة الصحيحة: فدولة يوم القيامة البشرى ، فحين يخرج من القبر يأتيه البشير بالجنة "
(8)
* * *
(1)
الثعالبي: الجواهر الحسان: (1/ 187).
(2)
الطبري: جامع البيان: (1/ 245).
(3)
السمرقندي: بحر العلوم: (2/ 495).
(4)
البغوي: معالم التنزيل: (1/ 85).
(5)
ابن حجر: فتح الباري: (1/ 118)، السمعاني: تفسير القرآن: (1/ 44)، ابن الجوزي: زاد المسير (1/ 29)، الخازن: لباب التأويل (1/ 25)، ابن علان: دليل الفالحين: (5/ 181).
(6)
ابن باز: عقيدة أهل السنة والجماعة: موقع الشيخ الرسمي على الشبكة العنكبوتية، وهي عبارة عن محاضرة ألقيت في الرياض بتأريخ: 7/ 6/1415 هـ.
(7)
ابن عثيمين: شرح ثلاثة الأصول: ص (100).
(8)
السمرقندي: تنبيه الغافلين: ص (65).