الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
11 - أنه يرى الموت نعمة كالحياة:
ووجه كونه نعمة: أنه أحد الأسباب الموصلة إلى النعيم الأبدي، وهو الانتقال من دار إلى دار.
يقول الإمام أبو القاسم الأصفهاني:" الموت هو باب من أبواب الجنة، منه يتوصل إليها، ولو لم يكن موت لم تكن الجنة، ولذلك منّ الله تعالى به على الإنسان فقال: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)} [الملك:2]، فقدم الموت على الحياة؛ تنبيهاً على أنه يتوصل به إلى الحياة الحقيقية وعدّه علينا في نعمه فقال: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28)} [البقرة:28]، فجعل الموت أنعاماً، كما جعل الحياة أنعاماً؛ لأنه لما كانت الحياة الأخروية نعمة، لا وصول إليها إلا بالموت، فالموت نعمة؛ لأن السبب الذي يتوصل به إلى النعمة نعمة "
(1)
.
إن المؤمن بالآخرة، يرى عالم الموت المجهول، والمخيف الموحش
…
والمحاط بالكثير من الأساطير، يراه عالماً رحباً واسعاً، فهو بداية لعالم رحيب، يتحقق فيه للمؤمن ما كان يسعى لأجله.
ولذا يثبته الله جل وعلا في هذه المواضع الرهيبة، فييسر له تلقين حجته فيعصم من الكفر، ويخرج من الدنيا بشهادة التوحيد، بعد أن سعدت نفسه بالبشارات والمكرمات، فتراه ينادي بصوته المجهول وهو على سريرة محمول:(قدموني قدموني)؛ لما يرى من الخيرات والبركات، فيصبح القبر المظلم روضة غنّاء، تُذهِب عنه رهبة القبر ووحشته، بل ويفتح له باب إلى الجنة ويرى مكانه ومقعده منها، فيقول منادياً بشوق:(يارب أقم الساعة).
فلا مكان للاغتمام لأجل الموت عند هؤلاء، وإنما يكون الغم مداخلاً للمرء لأحد أربعة أوجه:
- إما لشهوة بطنه وفرجه.
- وإما على ما يخلفه من ماله.
- وإما على جهله بحاله بعد الموت ومآله.
- وإما لخوفه على قدمه من عصيانه
(2)
.
(1)
الأصبهاني: تفصيل النشأتين، مكتبة الحياة - بيروت، 1983 م، ص (117).
(2)
الغزالي: ميزان العمل، دار المعارف - مصر، ط 1 1964 م، ص (394).
وأما المؤمنون الذين عمروا أوقاتهم بالطاعة، فإنهم لا يخافون الموت لعلمهم أنه السبيل الموصل إلى السعادة الكبرى، حتى قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه:"والله ما أبالي، أقع على الموت، أو يقع الموت عليّ"
(1)
.وأثر عنه من قوله رضي الله عنه، إذا أراد المبارزة في الحرب:
أي يوميّ من الموت أفر يوم لا يقدر أم يوم قدر
يوم لا يقدر لا أرهبه ومن المقدور لا ينجو الحذر
(2)
وقيل لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أي ابني الزبير كان أشجع؟ فقال: ما منهما إلا شجاع كلاهما مشى إلى الموت وهو يراه
(3)
.
يقول الإمام الأصبهاني:" وكانوا يتوقعونه ويرون أنهم في حبس فينتظرون المبشر بإطلاقهم، وعلى هذا روي:«الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ، وَجَنَّةُ الْكَافِرِ»
(4)
وقيل: أنه لما مات داود الطائي سُمع هاتف يقول: اطلق داود من السجن"
(5)
.
والخلاصة: أن الإيمان باليوم الآخر، له أثر مباشر على النفس البشرية، فهو من أعظم أسباب تزكية النفس، والارتقاء بها، والنجاة من سلطان الوساوس والأوهام، وتسلط الشياطين.
وبه يحتفظ المرء بتوازنه في الحياة، فيعطي كل ذي حق حقه، مع ما ينميه في الضمير الإنساني، من الرقابة العامة، ويحيي فيه باستمرار الخوف والرجاء وهو أساس حركة النفس اللوامة، التي تلوم صاحبها لوقوعه في المحارم فتلومه على الخير والشر، وتندم على ما فات.
(1)
الأصبهاني: تفصيل النشائين، مكتبة الحياة - بيروت، 1983 م، ص (117).
(2)
ابن عبد ربه: العقد الفريد، دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1 1404 هـ، (6/ 142)
(3)
ابن سعد: الطبقات الكبرى، دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1 1410 هـ، (2/ 91).
(4)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزهد والرقائق ح (2956).
(5)
الأصبهاني: تفصيل النشائين، مكتبة الحياة - بيروت، 1983 م، ص (117).