الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس الأدلة العامة لإثبات اليوم الآخر
تمهيد
تبين مما سبق في أمر المعاد، أنه يُعلم بالعقل، كما يُعلم بالسمع، وأن السمع ورد بتفصيل ما يدل العقل على إثباته.
يقول الإمام ابن القيم: " والصحيح: أن العقل دل على المعاد، والثواب والعقاب إجمالا، وأما تفصيله فلا يُعلم إلا بالسمع، ودوام العقاب والثواب مما لا يدل عليه العقل بمجرده، وإنما عُلم بالسمع "
(1)
، فالعقل يثبته إجمالا والوحي يسرد تفاصيل أحداثه.
وكما أن المعاد معلوم بالعقل مع الشرع، فإن كمال الرب تعالى، وكمال أسمائه وصفاته، تقتضيه وتوجبه
(2)
، ولذا فإن المولى جل وعلا يقرر المعاد بذكر كمال علمه، وكمال قدرته، وكمال حكمته
(3)
، فيذكر أدلة القدرة الدالة على إمكان المعاد، وأدلة الحكمة المستلزمة لوقوعه
(4)
، ويقرن سبحانه وتعالى العلم بالخلق، فيقول جل شأنه في سياق آيات تقرير المعاد:{أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81)} [يس:81]" فكونه خلاقا عليما يقتضي أن يخلق ما يشاء، ولا يعجزه ما أراده من الخلق "
(5)
.
وقد أقام القرآن الكريم الدلائل الواضحة، وأظهر البراهين الساطعة، على إثبات المعاد فـ"ليس تحت أديم السماء، كتاب متضمن للبراهين والآيات على المطالب العالية، من التوحيد، وإثبات الصفات، وإثبات المعاد، والنبوات ورد النِحل الباطلة، والآراء الفاسدة، مثل القرآن، فإنه كفيل بذلك كله متضمن له على أتم الوجوه وأحسنها، وأقربها إلى العقول "
(6)
.
ومن هنا " جاءت براهين المعاد في القرآن مبنية على ثلاثة أصول: أحدها: تقرير كمال علم الرب سبحانه، والثاني: تقرير كمال قدرته، والثالث: كمال حكمته "
(7)
. فتضافرت هذه البراهين والشواهد النقلية والعقلية على إثبات اليوم الآخر.
(1)
ابن القيم: حادي الأرواح، ص (365)، ابن القيم: الصواعق المرسلة (2/ 740)، بدائع الفوائد: 2/ 36، ابن القيم: مفتاح دار السعادة (2/ 12).
(2)
ابن القيم: الفوائد ص (7).
(3)
ابن القيم: الفوائد، ص (5).
(4)
ابن القيم: الرسالة التبوكية ص (70).
(5)
ابن القيم: إعلام الموقعين (1/ 110).
(6)
ابن القيم: إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان (1/ 44).
(7)
ابن القيم: الفوائد ص (7).
ولذا حين تقلب صفحات القرآن الكريم، فإنك تعيش مشاهد القيامة واقعا حقيقيا، يلامس وجدانك، ويحرك شعورك، فتظهر صورتها ماثلة أمامك فيرجف فؤادك، ويخفق قلبك، وترتعد فرائصك، فتعلم أن كل تلك المشاهد، حق لا ريب فيها، وصدق لا مرية تعتريها، وهي واقعة قطعا شرعا وعقلا، حتى الفطر السليمة المستقيمة، تُسلم بوجود هذا اليوم العظيم الذي تنكشف فيه الحقائق، وتظهر فيه الدقائق، يقول المولى جل وعلا:
…
{أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10)} [العاديات:9 - 10] قال الزجاج: " والمعنى: أفلا يعلم إذا بعث الموتى "
(1)
؛ ليتميز وينكشف حال المحسن والمسيء، ومن هنا قال:{وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10)} فإن " كثيرا ما يكون باطن الإنسان بخلاف ظاهره، أما في يوم القيامة، فإنه تنكشف الأسرار، وتنتهك الأستار، ويظهر ما في البواطن، كما قال {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (9)} [الطارق:9] "
(2)
، {إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (11)} [العاديات:11] أي " لخبير عالم بما أعلنوا وما أسروا، فيجازيهم عليه "
(3)
.
إن القلب السليم، يعلم ويوقن بأن الله تعالى حق، والساعة حق، وأن الله يبعث من في القبور
(4)
.
(1)
الزجاج: معاني القرآن وإعرابه، عالم الكتب - بيروت، ط 1 - 1408 هـ، ص (5/ 354)
(2)
الرازي: مفاتيح الغيب، دار إحياء التراث العربي - بيروت، ط 3 - 1420 هـ (32/ 263).
(3)
البيضاوي: أنور التنزيل (5/ 331)، ابن عطية: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (5/ 515 (.
(4)
ابن أبي حاتم: تفسير ابن أبي حاتم (8/ 2783).