الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: اليوم الآخر في السنة النبوية المطهرة
، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: صور العناية النبوية باليوم الآخر.
المطلب الثاني: أسباب عناية السنة النبوية باليوم الآخر.
المبحث الثاني اليوم الآخر في السنة النبوية المطهرة
حفلت السنة النبوية المطهرة بذكر أخبار المعاد واليوم الآخر، وتفاصيل أحداثه، على وجه لا يعهد مثله عند بقية الأمم، وما ذاك إلا لأن النبي صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء، وأمته خاتمة الأمم، فهي وارثة علوم السابقين، وحائزة فضل التقدم يوم الدين.
ولما كانت رسالة الأنبياء والمرسلين، تقوم على دلالة أممهم على الخير وتحذيرهم من الشر، كما قال عليه الصلاة والسلام: «إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ «
(1)
.
قال الإمام أبو العباس القرطبي:" أي: حقا واجباً، لأن ذلك من طريق النصيحة والاجتهاد في التبليغ والبيان"
(2)
.
وهي الحكمة في إرسال الرسل عليهم السلام ليسوقوا العباد إلى نفعهم ودفع ما يضرهم
(3)
.
فقد قام بهذا النهج النبي الأمي الكريم الأكرم خير قيام فبلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في سبيل ربه حتى أتاه اليقين عليه الصلاة والسلام.
وقد أخرج الشيخان عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: "لَقَدْ خَطَبَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خُطْبَةً، مَا تَرَكَ فِيهَا شَيْئًا إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلَّا ذَكَرَهُ، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ "
(4)
.
(1)
أخرجه مسلم في صحيحه: في كتاب الإمارة، باب الأمر بالوفاء وبيعة الخلفاء، الأول فالأول ح
…
(1844) ت: محمد فؤاد عبد الباقي.
(2)
القرطبي: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (4/ 51).
(3)
ابن علان: دليل الفالحين، دار المعرفة -بيروت، ط 4 1425 هـ (5/ 130).
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب القدر باب: وكان أمر الله قدر مقدوراً ح (6604)، وأخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فيما يكون إلى قيام الساعة ح (2891)، ت: محمد فؤاد عبد الباقي.
وثبت عن سلمان رضي الله عنه أنه قيل له:" قَدْ عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ صلى الله عليه وسلم كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْخِرَاءَةَ فَقَالَ:" أَجَلْ لَقَدْ نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِغَائِطٍ، أَوْ بَوْلٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ أَوْ بِعَظْمٍ"
(1)
.
وقال الإمام النووي:" ومراد سلمان رضي الله عنه أنه علمنا كل ما نحتاج إليه في ديننا حتى الخراءة التي ذكرت أيها القائل، فإنه علمنا آدابها فنهانا فيها عن كذا وكذا "
(2)
.
وهذا دليل من أدلة كمال هذه الشريعة الغراء، فهي ولله الحمد كاملة من كل وجه، ليس فيها نقص، ولا تحتاج إلى أحد يكملها، وفيه رد على السفهاء الذين يزعمون أن الشريعة الإسلامية إنما تنظم العبادة بين الله وبين الخلق فقط، وأما المعاملات بين الناس بعضهم بعضاً، فإن الشريعة لا تعتني بها، فيقال لهؤلاء: تباً لكم، وسفهاً لعقولكم، أطول آية في كتاب الله العزيز كلها في المداينة في التعامل بين الناس، وهل بعد هذا من اعتناء، وما أكثر الآيات في القرآن الكريم في تنظيم المال وإصلاحه، وما أشبه ذلك، وكذلك في السنة فالشريعة الإسلامية ولله الحمد كاملة من كل وجه
(3)
.
ومما سبق يتبين مدى عناية النبي صلى الله عليهم وسلم ببيان كل ما يحتاجه المسلم من أمور معاشه ومعاشه معاده، وقد برزت صور من العناية الفائقة ببيان أخبار الآخرة في السنة النبوية، وهذا البيان الباهر، والاعتناء الظاهر بأحوال اليوم الآخر له صور وأسباب.
(1)
أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الفتن وأشراط الساعة باب أخبار النبي صلى الله عليه وسلم فيما يكون إلى قيام الساعة ح (2891) ت: محمد فؤاد عبد الباقي.
(2)
النووي شرح صحيح مسلم، دار إحياء التراث العربي - بيروت، ط 2 - 1392 هـ (3/ 154).
(3)
العثيمين: شرح رياض الصالحين، دار الوطن - الرياض، 1426 هـ (4/ 246).