الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولذا عقب الله سبحانه وتعالى بقوله: {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64)} أي:" دار الحياة التي لا موت فيها ولا تنغيص يشوبها كما يشوب الحياة في الدنيا: {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} أي: لو علموا لرغبوا عن الفاني في الباقي، ولكنهم لا يعلمون "
(1)
فـ "دار الحيوان: أي الحياة الكاملة التي من لوازمها أن تكون أبدان أهلها في غاية القوة، وقواهم في غاية الشدة لأنها أبدان وقوى خلقت للحياة، وأن يكون موجودًا فيها كل ما تكتمل به الحياة، وتتم به اللذات، من مفرحات القلوب، وشهوات الأبدان، من المآكل والمشارب والمناكح، وغير ذلك مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر"
(2)
.
فأحمده ثانيا وآخرًا كما حمدته أولاً، وهو أهل للحمد، أهل الحمد والثناء والمجد سبحانه وتعالى، لا أحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه الكريمة المقدسة، فالحمد لله، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، ملء السموات وملء الأرض، وملء ما شاء ربنا من شيء بعد.
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وقائد الغر المحجلين صاحب المقام المحمود، والحوض المورود، واللواء المعقود، عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرًا مزيدًا إلى يوم الدين.
أهمية الموضوع:
تبرز أهمية الكتابة في مثل هذا الموضوع الحيوي المهم في:
1 -
حاجة الناس الملحة لبيان المعتقد السلفي الصحيح في باب الإيمان باليوم الآخر، والمنهج الذي ساروا عليه لبيان دلائله ومسائله وأحكامه.
2 -
وأنه لما كانت أخبار اليوم الآخر ونصوصه مما لا يدخله النسخ كما نص عليه العلماء، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:" فالإخبار عن الله وعن اليوم الآخر وغير ذلك لا نسخ فيه "
(3)
، فلما كانت كذلك كانت الحاجة ماسة لسرد نصوصه، وجمع أخباره، والتوفيق فيما يظهر فيه من التعارض.
(1)
ابن الجوزي: زاد المسير ت: عبدالرزاق المهدي، ص (6/ 145).
(2)
السعدي: تيسير الكريم الرحمن، ت: عبدالرحمن اللويحق، ص (635).
(3)
ابن تيمية: الجواب الصحيح، ص (2/ 451).
3 -
أن تذكير الناس بأحوال اليوم الآخر وأهواله سبب لتهذيب أخلاقهم وتقويم لمسيرة حياتهم، إذ في نسيان اليوم الآخر أو تناسيه أو التغافل عنه، تفشو الكثير من المنكرات ويفشو الظلم، والتعدي على الحرمات، أما في ذكره والتذكير به ضبط للسلوك، لذا كان النبي J يقول:» أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَادِمِ «
(1)
…
، ويقول عليه الصلاة والسلام:» كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا، فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمُ الْآخِرَةَ «
(2)
ففي التذكير باليوم الآخر سلامة وخير للأفراد والمجتمعات.
والناظر في كتاب الله تعالى بتأمل وتدبر وتفكر، يظهر له جليًا صدق ما أقول فقد تعددت النصوص، وتكاثرت الآيات، بشتى الأساليب بالترغيب والترهيب، مذكرة باليوم الآخر، وأحواله وأهواله؛ ليكون سببًا يكف به صاحب الشر عن شره، وصاحب الظلم عن ظلمه، وكذا يدعو المصلحين والمحتسبين إلى الصبر على ما ينالهم من أذى في سبيل الدعوة إلى دين الله وشرعه، قال تعالى:{وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)} (العصر 1 - 3).
(1)
أخرجه الترمذي ح [2307] وقال: حسن غريب، وصححه الإمام عبدالحق الإشبيلي في الأحكام الصغرى ت: أم محمد بنت أحمد الهليس ص (867)، وحسن إسناده الهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ت: حسام الدين القدسي (10/ 312)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي [1054].
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه ح [1977].
4 -
دعوة الناس للاستعداد لهذا اليوم العظيم، الذي يُعرض فيه الجليل والحقير، قال تعالى:{وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)} [الكهف: 49] وقال تعالى {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47)} [الأنبياء: 47].
5 -
وأن الله سبحانه وتعالى هو الحق العدل الذي لا يُظلم عنده أحد، قال تعالى:{لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ} [غافر:] فكل من أحسن فله عند ربه الحسنى، قال تعالى:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26] فإذا علم المرء ذلك واعتقده، عمل وأحسن الظن بربه، قال تعالى:{وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31)} [النجم: 31] وقال تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (112)} [طه: 112]
6 -
بيان المعتقد الصحيح، والمنهج القويم في الإيمان باليوم الآخر.
7 -
ذكر الأقوال والاعتقادات المخالفة لمسائل الإيمان باليوم الآخر ثم الرد على هذه الشبهات.