الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1) أثر الإيمان باليوم الآخر على المجتمعات من الناحية التعبدية.
2) أثر الإيمان باليوم الآخر على المجتمعات من الناحية السلوكية والأخلاقية.
المطلب الأول أثر الإيمان باليوم الآخر على المجتمعات من الناحية التعبدية
لا شك أن المجتمعات التي تعيش في ظل الإسلام، الذي من أصوله وأركانه: الإيمان باليوم الآخر، ستعيش في ظلال هذه العقيدة في أمن وأمان يرفل أفرادها برغد العيش، وطمأنينة النفس، وستنشأ في هذه المجتمعات، كثيرا من المبادئ والقيم الإنسانية؛ لأن قوام هذه المجتمعات المسلمة على الإيمان الذي يتيح للمرء الأخذ المباح، ويوجب عليه الإعطاء، يقول جل وعلا في تعداد صفات المؤمنين:{وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25)} [المعارج:24 - 25].
ولذا فإن أثر الإيمان باليوم الآخر، على هذه المجتمعات من الناحية التعبدية أثر كبير، يظهر في الصور التالية:
1 - ينمي روح التآخي، ويزيد الألفة بين أفراد المجتمع:
الأخوة الإسلامية ركيزة رئيسة، من مرتكزات المجتمعات المسلمة، ولذا كان هذا الرباط بين المسلمين، هو رباط تذوب فيه العصبيات، وتسقط فيه فوارق النسب واللون والوطن، فلا يتأخر أحد، أو يتقدم إلا بمروءته وتقواه
(1)
. ولذا كانت هذه الركيزة، هي إحدى الأسس التي بُني عليها المجتمع المسلم الأول، حين هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فقد ابتدأ النبي صلى الله عليه وسلم عمله في المدينة النبوية، بإيجاد الروابط التي تربط آحاد الجماعة الإسلامية وتُكَوِّن وحدة تضم بها العناصر المختلفة الأنساب والأماكن، وأن يجعل من ذلك المختلف أنساباً وقبائل، مجتمعاً مؤتلفاً في شعوره، تمحى فيه الفوارق
(2)
.
(1)
محمد الغزالي: فقه السيرة، دار القلم - دمشق، ط 1 1427 هـ، ص (179).
(2)
أبو زهرة: خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، دار الفكر العربي - القاهرة، 1425 هـ، (2/ 490).
وإن هذا التآخي جعل المسلمين كرجل واحد: يؤمن بعقيدة واحدة، ويعمل لهدف واحد، بإمرة قائد واحد
(1)
. الأخوة الصادقة هي التي تؤتي ثمارها في الدنيا قبل الآخرة، بخلاف الأخوة المزيفة، التي بنيت على المصالح المادية فقط، فسرعان ما تنهار، أما في الآخرة فالقرآن أبان العلاقات الباقية والمنتهية، يقول المولى جل وعلا:{الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67)} [الزخرف:67]، في ذلك اليوم العظيم تنقطع كل خلة بين المتخالين في غير ذات الله تعالى، وتنقلب عداوة ومقتاً، إلا خلة المتصادقين في الله تعالى، فإنها الخلة الباقية
(2)
.يقول الإمام ابن عطية عن القيامة:" وإنها لهول مطلعها والخوف المطبق بالناس فيها، يتعادى ويتباغض كل خليل كان في الدنيا على غير تقى؛ لأنه يرى أن الضرر دخل عليه من قبل خليله، وأما المتقون فيرون أن النفع دخل بهم من بعضهم على بعض، هذا معنى كلام علي رضي الله عنه"
(3)
.
إن الحافز لحسن الصحبة، وكمال المودة، وصفاء الأخوة، هو الإيمان بما أعده الله تعالى للمتحابين في الآخرة، من الخير العميم، والفضل الكبير:
فالأخوة الصادقة، سبب من أسباب الاستظلال بظل العرش يوم القيامة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ، ....... وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللهِ عز وجل، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ ..... «
(4)
.
(1)
محمود شبث خطاب: الرسول القائد، دار الفكر - بيروت، ط 6 1422 هـ، ص (71).
(2)
النسفي: مدارك التنزيل، دار الكلم الطيب - بيروت، ط 1 1419 هـ (3/ 280)
(3)
ابن عطية: المحرر الوجيز، دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1 1422 هـ (5/ 63)
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب الصدقة باليمين ح (1423) ، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب فضل إخفاء الصدقة ح (1031).
وهي كذلك سبب لنيل محبة الله تعالى: عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى: «وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ، وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ، وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ «
…
(1)
.
إن الأخوة الإسلامية الصادقة، تعني:
- إزالة الفوارق الطبقية والاجتماعية، فلا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى.
- القوة والاجتماع على الحق.
- التعاون في مقارعة الباطل الدعي، والهوى الزائف.
- تقوية أواصر المحبة.
- تحقيق التكافل والعدالة الاجتماعية.
- بناء مجتمع إسلامي، يعرف كل فرد ماله وما عليه.
ومن مقتضيات الأخوة الإسلامية الصادقة
(2)
.
- حسن العشرة.
- وحسن الظن.
- وحفظ العهد.
- وإقلال العتاب.
- والتواضع، والإيثار والكرم.
- وحفظ الأسرار، والذب عن الأعراض.
- واحتمال الأذى.
- والتغافل، وقبول الاعتذار، وفي هذا يقول الأبرش:
هبني أسأت كما زعمت
…
فأين عاطفه الأخوة
أو إن أسأت كما أسأت فأين فضلك والمروة
(3)
(1)
أخرجه مالك في ا/موطأ، كتاب الجامع، باب ما جاء في المتحابين في الله ح (3507).
(2)
محمد الغزي: آداب العشرة وذكر الصحبة والأخوة، مطبوعات مجمع اللغة العربية: ص (56).
(3)
ابن حبان: روضة العقلاء، دار الكتب العلمية - بيروت ص (185).