الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولذا قرر الله سبحانه وتعالى، أدلة المعاد في كتابه، أحسن تقرير، وأبينه وأبلغه، وأوصله إلى العقول والفطر
(1)
.
3 - المطلب الثالث: صفة العلم الموروث عن الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام:
أشار شيخ الإسلام في ختام حديثه عن الإيمان باليوم الآخر، إلى أن تفاصيل القيامة، مبثوثة في المأثور عن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وهذا يشمل كل الكتب التي أنزلت على الأنبياء، قبل أن تصلها أيدي التبديل والتحريف، دون القرآن الكريم. فالأنبياء كلهم متفقون على أساس الدين وأصل المعتقد.
وعليه: يجب الإيمان بكل ما ورد في شرائع الأمم السابقة، في الكتب المنزلة على أنبيائهم عليهم الصلاة والسلام، مما جاء في تفاصيل وأخبار اليوم الآخر قبل حصول التحريف والتبديل، أما بعد دخول العبث في هذه الكتب حيث نالتها أيدي المغيرين والمبدلين، فلا يُقبل منها ما خالف شرعنا المطهر، فما ثبت عن طريق الوحي، فهذا له حق التسليم، والانقياد، والقبول، وما داخلته أيدي العابثين، فلا يلتفت إليه، ولا عبرة بما فيه.
ومسألة شرع من قبلنا، فإنها وإن كانت من مسائل النزاع عند العلماء، إلا أن الذي عليه مذهب جماهير السلف والأئمة: أن شرع من قبلنا شرع لنا، ما لم يرد شرعنا بخلافه
(2)
.
(1)
ابن القيم: زاد المعاد، مؤسسة الرسالة - بيروت، ط 27 1415 هـ (3/ 595)
(2)
ابن تيمية: الجواب الصحيح ص (2/ 436)، وهذه المسألة مبثوثة في كتب الأصوليين، وأشار الإمام ابن العربي في أحكام القرآن (4/ 123) إلى أن الخلاف في هذه المسألة منحصر فيما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من شرع من قبلنا في معرض المدح والثناء والعظة، هل يلزم اتباعه أم لا؟ ولا إشكال في لزوم ذلك، ولا خلاف أن الله تعالى لم يغاير من الشرائع في التوحيد والمكارم والمصالح، وإنما خالف بينها في الفروع بحسب ما علمه سبحانه.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذه المسألة: "والنزاع فيها مشهور لكن الذي عليه الأئمة وأكثر العلماء: أنه شرع لنا مالم يرد شرعنا بخلافه، وهذا إنما هو فيما ثبت أنه شرع لمن قبلنا، من نقل ثابت عن نبينا صلى الله عليه وسلم أو بما تواتر عنهم"
(1)
.
وعليه فالمأثور عن السابقين له أحوال:
1 -
أن يشهد شرعنا بصدقه، فيجب تصديقه.
2 -
أن يشهد شرعنا بكذبه، فيجب رده.
3 -
أن لا يشهد شرعنا بصدقه ولا كذبه، فهذا الذي يتوقف فيه ويجوز التحديث به، لكن لا يصدق ولا يكذب
(2)
.
وأما قول شيخ الإسلام في الواسطية:" وفي العلم الموروث عن محمد صلى الله عليه وسلم من ذلك ما يشفي ويكفي، فمن ابتغاه وجده ":
يؤكد ما قررناه من أن شريعة النبي صلى الله عليه وسلم خاتمة الشرائع والمهيمنة على ما سبقها، ففيها الغنية والكفاية، لكنها تحتاج لمن ينقب عن الحق، ويبحث عنه وفي الحديث: «إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ «
(3)
.
والنبي صلى الله عليه وسلم ما ترك شيئاً من أمور الدنيا والآخرة، يحتاج إلى بيان إلا بينه.
يقول حذيفة رضي الله عنه: «قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَقَامًا، مَا تَرَكَ شَيْئًا يَكُونُ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، إِلَّا حَدَّثَ بِهِ»
(4)
.
(1)
ابن تيمية: مجموع الفتاوى، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف - المدينة النبوية (1/ 258)
(2)
ابن كثير: تفسير القرآن العظيم (5/ 146) 1/ 9، العثيمين: مجموع فتاوى العثيمين (8/ 536)
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب الأمر بالوفاء ببيعته ح (1844).
(4)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفتن، باب أخبار النبي فيما يكون إلى قيام الساعة ح (2891).
ويقول عمر رضي الله عنه: «قَامَ فِينَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَقَامًا، فَأَخْبَرَنَا عَنْ بَدْءِ الخَلْقِ، حَتَّى دَخَلَ أَهْلُ الجَنَّةِ مَنَازِلَهُمْ، وَأَهْلُ النَّارِ مَنَازِلَهُمْ، حَفِظَ ذَلِكَ مَنْ حَفِظَهُ، وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ «
(1)
.
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في قول الله تعالى (وهو الذي يبدء الخلق ثم يعيده) ح (3192).