الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{ج} قال الله تعالى: {وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الكهف:48]. وهذا خطاب لمنكري البعث الذين زعموا ألّن يبعثوا، ولن يجعل لهم موعداً، يقال لهم يوم القيامة:{لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} حفاة عراة، لا مال معكم ولا ولداً ولا أعوان، وليس معكم شيء مما تفتخرون به في الدنيا، لا مال، ولا أهل، ولا عشيرة
(1)
.
المسألة الثالثة: جاء في وصف بعث الخليقة يوم القيامة، أنه يبعثون حفاة عراة غرلاً بهما
،
وجاء في تفسير بعض هذه الألفاظ ما محصله:
قوله: غرلا: جمع أغرل، والمراد: غير مختتنين، والغرلة: القلفة
(2)
. قال الإمام النووي:" والمقصود أنهم يحشرون كما خلقوا لا شيء معهم، ولا يفقد منهم شيء حتى الغرلة تكون معهم"
(3)
.
والحكمة كما قال أبو الوفاء بن عقيل:" حشفة الأقلف موقاه بالقلفة فتكون أرق، فلما أزالوا تلك القطعة في الدنيا، أعادها الله تعالى، ليذيقها من حلاوة فضله"
(4)
.
ويقول الإمام السيوطي:" قوله: غرلاً: أي غير مختونين، ترد إليه الجلدة التي قطعت بالختان، وكذلك يرد إليه كل جزء فارقه، كالشعر والظفر
…
ليذوق نعيم الثواب أو أليم العقاب"
(5)
.
وأما قوله (بهما): وردت في حديث عبد الله بن أنيس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» - أَوْ قَالَ: الْعِبَادُ - «عُرَاةً غُرْلًا بُهْمًا» قَالَ: قُلْنَا: وَمَا بُهْمًا؟ قَالَ: «لَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ»
…
(6)
.
(1)
القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، (10/ 417)، الرازي: مفاتيح (21/ 470)
(2)
عياض اليحصبي: مشارق الأنوار: (2/ 132)، ابن منظور: لسان العرب: (11/ 490)، ابن قتيبة: غريب: ص (558)
(3)
النووي: شرح مسلم، دار إحياء التراث العربي - بيروت، ط 2 - 1392 هـ (17/ 192)
(4)
ابن حجر: فتح الباري، دار المعرفة - بيروت، 1379 هـ (11/ 384).
(5)
السيوطي: البدور الساخرة، دار المعرفة - بيروت، ط 1 1426 هـ، ص (52).
(6)
أخرجه أحمد في المسند ح (16042)، مؤسسة الرسالة، ط 1 1421 هـ (25/ 431).
قال أبو عبيد في تفسير هذا اللفظ:" فمعناه عندي: أنه أراد بقوله (بهما) يقول: ليس فيهم شيء من الأعراض والعاهات التي تكون في الدنيا من العمى والعور والعرج والجذام والبرص وغير ذلك، من صنوف الأمراض والبلاء، ولكنها أجساد مبهمة مصححة لخلود الأبد"
(1)
.
وأما قوله: (عراة): وهو من لا ثوب له على جسده، وهذا صريح ما ورد في الأحاديث، وهو أن الخلائق تحشر عراة، يقول الإمام القرطبي:"والأخبار دالة ثابتة، على أن جميع الناس يخرجون عراة ويحشرون كذلك "
(2)
.
وقد عارض هذا الباب ما رواه أبو داود في سننه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، لما حضرته الوفاة دعا بثياب جدد فلبسها وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم -يقول: «إِنَّ الْمَيِّتَ يُبْعَثُ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي يَمُوتُ فِيهَا»
(3)
، فذهب بعض العلماء بناء على هذا الحديث، إلى أنه يعاد خلق ثيابه له كما يعاد خلقه وذهب البعض إلى أن هذا القول خرج على المجاز
(4)
.
وأجاب العلماء عن هذا الحديث لمعارضته الأحاديث المتقدمة في بعث الناس حفاة عراة غرلا بأجوبة
(5)
:
1 -
أنها تبلى بعد قيامهم من قبورهم، فإذا وافوا الموقف يكونون عراة ثم يلبسون من ثياب الجنة.
2 -
أنه إذا كسي الأنبياء ثم الصديقون ثم من بعدهم على مراتبهم فتكون كسوة كل إنسان من جنس ما يموت فيه، ثم إذا ادخلوا الجنة لبسوا من ثياب الجنة.
3 -
أن ا لمراد بالثياب هاهنا: الأعمال، أي: يبعث في أعماله التي مات فيها من خير أو شر.
(1)
ابن منظور: لسان العرب: (12/ 59)، ابن الجوزي: التبصرة، دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1 1406 هـ، (2/ 229)، الأزهري: تهذيب اللغة: (6/ 177).
(2)
القرطبي: التذكرة، دار المنهاج - الرياض، ط 1 1415 هـ، ص (449)
(3)
أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الجنائز، باب ما يستحب من تطهير ثياب الميت عند الموت ح (3114).
(4)
ابن عبد البر: الاستذكار، دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1 1421 هـ (5/ 98)
(5)
البيهقي: شعب الإيمان: ص (549)، الخطابي: غريب الحديث ص (613)، المنذري: الترغيب:
…
(4/ 205)، السيوطي: البدور الساخرة، ص (53).
4 -
وقيل: يحمل على الشهيد الذي أُمر أن يزمل في ثيابه، ويدفن فيها، ولا يغسل عنه دمه، ولا يغير عليه شيء من حاله.
يقول الحافظ العراقي:" ويحتمل أن أبا سعيد رضي الله عنه، إنما نزع الثياب التي كانت عليه، لنجاسة فيها إما محققة، وإما مشكوكة، فأراد أن يكون بثياب محققة الطهارة، وهذا من جملة الأعمال المأمور بالمحافظة عليها، ولا سيما عند انختام الآجال، فإن الإنسان محثوث على أن يختم أعماله بالصالحات في جميع الأمور "
(1)
.وهذا الذي ورد في خروج الناس للقيامة عراة لا يعارض ما جاء من أحاديث من أن الموتى يتزاورن في أكفانهم فإن التزاور يكون في البرزخ، فإذا قاموا من قبورهم خرجوا عراة ما عدا الشهداء ذكره الإمام القرطبي
(2)
.
(1)
العراقي: طرح التثريب، مكتبة الباز - مكة، ط 1 1424 هـ (7/ 201)
(2)
القرطبي: التذكرة، دار المنهاج - الرياض، ط 1 1415 هـ، ص (537)