الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فهذا طرف من أقوال الأئمة في إثبات الشفاعة على وجه الجملة، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في الواسطية، ثلاث شفاعات للنبي صلى الله عليه وسلم: وهي من الشفاعات التي اتفقت على إثباتها الأمة، ودلت عليها دلائل السنة، على أن ثمة أنواع من الشفاعة، يذكرها الأئمة في هذا الباب، غير ما ذكره الإمام ابن تيمية، وفي بعضها تداخل
(1)
.
يقول الإمام ابن كثير:"وقد استقصى هذه الشفاعات، الإمام أبو بكر بن خزيمة في آخر كتاب التوحيد، وكذلك أبو بكر بن أبي عاصم في كتاب السنة له
…
وقد جمع الوليد بن مسلم عليه مجلداً، وقد أفردت اسناده في جزء"
(2)
.
المسألة الثانية: الشفاعات التي ذكرها الإمام ابن تيمية:
1 -
الشفاعة العظمى، وهي الشفاعة في أهل الموقف حتى يقضى بينهم وهذه الشفاعة حكى الأئمة الإجماع عليها، وأنها من خصائص الرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام، ودلت عليها دلائل الكتاب والسنة.
يقول الإمام ابن خزيمة:" باب ذكر الشفاعة، التي خص الله بها النبي صلى الله عليه وسلم دون غيره من الأنبياء صلى الله عليهم، وهي الشفاعة الأولى التي يشفع بها لأمته؛ ليخلصهم الله من الموقف الذي قد جمعوا فيه يوم القيامة"
(3)
.
ويقول الإمام ابن حبان: "ذكر الإخبار بأن المصطفى صلى الله عليه وسلم إنما يشفع في القيامة، عند عجز الأنبياء عنها في ذلك اليوم "
(4)
.
(1)
انظر: العيني: عمدة القاري، دار إحياء التراث العربي - بيروت، دون ذكر رقم الطبعة وتأريخها (2/ 127)، ابن أبي العز: شرح الطحاوية، وزارة الأوقاف السعودية، ط 1 1418 هـ، ص (202) القرطبي: التذكرة، دار المنهاج - الرياض، ط 1 1415 هـ، ص (606)، ابن كثير: النهاية،، دار الجيل - بيروت، 1408 هـ (2/ 202) ابن حجر: فتح الباري، دار المعرفة - بيروت، 1379 هـ (11/ 428)، الذهبي: إثبات الشفاعة، أضواء السلف، ط 1 1420 هـ، ص (20)
(2)
ابن كثير: الفصول في السيرة، مؤسسة علوم القرآن، ط 3 1403 هـ، (283)
(3)
ابن خزيمة: التوحيد، مكتبة الرشد - الرياض، ط 5 1414 هـ، (2/ 589).
(4)
ابن حبان: صحيح ابن حبان، مؤسسة الرسالة - بيروت، ط 1 1408 هـ (14/ 377).
ويقول العلامة السفاريني عن هذه الشفاعة:" لكن هذه الشفاعة العظمى مجمع عليها، لم ينكرها أحد ممن يقول بالحشر، إذ هي للإراحة من طول الوقوف، حين يتمنون الانصراف من موقفهم ذلك ولو إلى النار "
(1)
.
وهذه الشفاعة من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم يقول الإمام ابن الملقن في كتاب الخصائص:" أن له صلى الله عليه وسلم شفاعات: أولاهن: الشفاعة العظمى في الفصل بن أهل الموقف، حين يفزعون إليه بعد الأنبياء، كما ثبت في الصحيح في حديث الشفاعة"
(2)
.
وهنا يتبادر سؤال وهو: متى كانت هذه الشفاعة خاصة لنبينا صلى الله عليه وسلم فلِمَ لم يلهم الناس المجيء إلى صاحبها؟
يقول الحافظ ابن حجر: "ولعل الله تعالى أنساهم ذلك؛ للحكمة التي تترتب عليه، من إظهار فضل نبينا صلى الله عليه وسلم"
(3)
.
واستدل الأئمة على إثبات هذه الشفاعة بما يلي:
أ. قال الله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79)} [الإسراء:79].
ورد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، تفسير المقام المحمود بالشفاعة العظمى يقول:"إن الناس يصيرون يوم القيامة جثاً، كل أمة تتبع نبيها يقولون يا فلان اشفع لنا، حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود "
(4)
.
وهذا القول هو الصحيح في تفسير (المقام المحمود) وهو الذي دلت عليه الدلائل، وعليه جمهور الصحابة ومن بعدهم، حتى بالغ الإمام الواحدي وحكى فيه إجماع المفسرين
(5)
.
وقد حكاه الإمام ابن عبد البر كذلك
(6)
.
(1)
السفاريني: لوامع الأنوار، مكتبة الخافقين - دمشق، ط 2 - 1402 هـ (2/ 208).
(2)
ابن الملقن: غاية السول، دار البشائر - بيروت، دون ذكر رقم الطبعة وتأريخها، ص (263).
(3)
ابن حجر: فتح الباري، دار المعرفة - بيروت، 1379 هـ (11/ 441).
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، ح (4718) دار طوق النجاة، ط 1 1422 هـ.
(5)
الواحدي: التفسير الوسيط، دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1 1415 هـ (3/ 122).
(6)
ابن عبد البر: الاستذكار، دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1 1421 هـ (2/ 520).
يقول الإمام ابن رجب: "والمقام المحمود: فسر بالشفاعة، وقد روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة، وأبي سعيد، وابن عباس، وغيرهم"
(1)
.
أخرج الإمام البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال:«إِنَّ الشَّمْسَ تَدْنُو يَوْمَ القِيَامَةِ، حَتَّى يَبْلُغَ العَرَقُ نِصْفَ الأُذُنِ، فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ اسْتَغَاثُوا بِآدَمَ، ثُمَّ بِمُوسَى، ثُمَّ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم» وَزَادَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ:«فَيَشْفَعُ لِيُقْضَى بَيْنَ الخَلْقِ، فَيَمْشِي حَتَّى يَأْخُذَ بِحَلْقَةِ البَابِ، فَيَوْمَئِذٍ يَبْعَثُهُ اللَّهُ مَقَامًا مَحْمُودًا، يَحْمَدُهُ أَهْلُ الجَمْعِ كُلُّهُمْ»
(2)
.
يقول الإمام ابن كثير بعد أن ساق هذا الحديث:" فهذه هي الشفاعة العظمى، التي يمتاز بها عن جميع الرسل أولي العزم، بعد أن يسأل كل واحد منهم أن يقوم فيها، فيقول لست هناكم، اذهبوا إلى فلان، فلا يزال الناس من رسول إلى رسول، حتى ينتهوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم فيقول: أنا لها، فيذهب فيشفع في أهل الموقف كلهم عند الله تعالى؛ ليفصل بينهم، ويريح بعضهم من بعض"
(3)
.
وساق العلامة الألباني حديث ابن عمر، وذكر سياقه من كتاب التوحيد لابن خزيمة، ثم قال:"وهذا حديث عزيز في المقام المحمود، وأنه شفاعته صلى الله عليه وسلم الخاصة به"
(4)
.
(1)
ابن رجب: فتح الباري، مكتبة الغرباء - المدينة النبوية، ط 1 1417 هـ (5/ 275)
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب من سأل الناس تكثرا ح (1475).
(3)
ابن كثير: الفصول في السيرة، مؤسسة علوم القرآن، ط 3 1403 هـ، (284).
(4)
الألباني: السلسلة الصحيحة، مكتبة المعارف - الرياض، ط 1 (5/ 590).
وأخرج الإمام الترمذي في جامعه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79)} [الإسراء: 79] وسئل عنها قال: «هي الشفاعة»
(1)
.
وقال العلامة الألباني:" حديث صحيح، وإسناده ضعيف، وحسنه الترمذي؛ لأن له شاهداً من حديث كعب بن مالك
…
عن كعب بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يُبْعَثُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي عَلَى تَلٍّ وَيَكْسُونِي رَبِّي تبارك وتعالى حُلَّةً خَضْرَاءَ، ثُمَّ يُؤْذَنُ لِي، فَأَقُولُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَقُولَ فَذَاكَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ» ، إسناده جيد، ورجاله كلهم ثقات. وقد صرح بقية بالتحديث، فأمنا بذلك من شر تدليسه. على أنه قد تابعه محمد بن حرب
…
ثنا الزبيدي به"
(2)
.
وبعد أن رجح الإمام الطبري القول بأن المقصود بقوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79)} أنها الشفاعة، ساق الأدلة الدالة على ذلك
(3)
.
واستدل بعض الأئمة على ثبوت الشفاعة العظمى للنبي صلى الله عليه وسلم، بما ثبت في الصحيحين عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ قَبْلِي:
…
وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ»
(4)
.
(1)
أخرجه الترمذي في جامعه أبواب تفسير القرآن، باب ومن سورة بني إسرائيل ح (3137)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن، مكتبة البابي - مصر، ط 2 - 1395 هـ (5/ 303)
(2)
الألباني: ظلال الجنة في تخريج السنة، المكتب الإسلامي، ط 1 1400 هـ (2/ 364)
(3)
الطبري: جامع البيان، مؤسسة الرسالة، ط 1 1420 هـ، ت: أحمد محمد شاكر، ص (17/ 529)
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلاة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ح (438) ، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة ح (521).
يقول الإمام ابن دقيق العيد:" قوله: صلى الله عليه وسلم: وأعطيت الشفاعة (للعهد) وهو ما بينه صلى الله عليه وسلم، من شفاعته العظمى، وهي شفاعته في إراحة الناس من طول القيام، بتعجيل حسابهم، وهي شفاعة مختصة به صلى الله عليه وسلم، ولا خلاف فيها"
(1)
.
ويقول الإمام النووي:" قوله صلى الله عليه وسلم: وأعطيت الشفاعة، هي الشفاعة العامة التي تكون في المحشر، بفزع الخلائق إليه، صلى الله عليه وسلم؛ لأن الشفاعة في الخاصة جُعلت لغيره أيضاً "
(2)
.
ويقول الإمام العراقي: "وأما تخصيصه بالشفاعة، فالمراد: الشفاعة العامة التي تكون في الحشر، عندما يفزع الناس للأنبياء، فكلهم يقول: لست لها حتى يأتوا نبينا صلى الله عليه وسلم، فيقول: أنا لها، فأما الشفاعة الخاصة، فقد ثبتت لغيره من الأنبياء، والملائكة، والمؤمنين"
(3)
.
(2)
شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة:
وهذه الشفاعة خاصة للنبي صلى الله عليه وسلم، ابتداء دون غيره في موقف القيامة، وقد نص جماعات من أهل العلم على ثبوت هذه الشفاعة مع توافر الأدلة وتضافرها على إثبات هذا النوع من الشفاعة.
وممن نص من أهل العلم على ثبوت هذه الشفاعة: الذهبي، وابن رجب
…
وابن كثير، وابن القيم، وابن أبي العز
(4)
.
وهذه الشفاعة خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم فيتقدم لها حين يحبس المؤمنون على القنطرة فيشفع لهم بدخول الجنة. وأدلة ثبوت هذا النوع من الشفاعة:
ما جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَنَا أَوَّلُ النَّاسِ يَشْفَعُ فِي الْجَنَّةِ وَأَنَا أَكْثَرُ الْأَنْبِيَاءِ تَبَعًا»
(5)
.
(1)
ابن دقيق العيد: إحكام الأحكام، مطبعة السنة المحمدية، دون ذكر رقم الطبعة وتأريخها، (1/ 153)
(2)
النووي: شرح مسلم، دار إحياء التراث العربي - بيروت، ط 2 - 1392 هـ (5/ 4).
(3)
العراقي: طرح التثريب، مكتبة الباز - مكة، ط 1 1424 هـ (2/ 112)
(4)
انظر: الذهبي: إثبات الشفاعة، أضواء السلف، ط 1 1420 هـ، ص (20)، ابن رجب: فتح الباري، (2/ 214)، ابن كثير: النهاية (2/ 208)، ابن أبي العز: شرح الطحاوية، ص (290).
(5)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان ح (196).
وعنه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «آتِي بَابَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَسْتفْتِحُ فَيَقُولُ الْخَازِنُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَأَقُولُ: مُحَمَّدٌ، فَيَقُولُ: بِكَ أُمِرْتُ لَا أَفْتَحُ لِأَحَدٍ قَبْلَكَ»
…
(1)
.
وعنه رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«أَنَا أَوَّلُ شَفِيعٍ فِي الْجَنَّةِ، لَمْ يُصَدَّقْ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مَا صُدِّقْتُ، وَإِنَّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ نَبِيًّا مَا يُصَدِّقُهُ مِنْ أُمَّتِهِ إِلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ»
(2)
.
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، في الشفاعة، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ مِنَ البَابِ الأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الجَنَّةِ، وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الأَبْوَابِ»
(3)
.
(3)
الشفاعة فيمن استحق النار، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - في الواسطية -:" وأما الشفاعة الثالثة: فيشفع فيمن استحق النار، وهذه الشفاعة له ولسائر النبيين والصديقين وغيرهم، فيشفع فيمن استحق النار أن لا يدخلها، ويشفع فيمن دخلها أن يخرج منها "
(4)
.
تضمن كلام شيخ الإسلام إثبات نوعين من أنواع الشفاعة، وهي الشفاعة في أهل الكبائر:
أ. الشفاعة لأناس استحقوا النار أن لا يدخلوها.
ب. الشفاعة لمن دخلوا النار أن يخرجوا منها.
والقسم الأول: الذي حكاه الإمام ابن تيمية: متفق عليه عند أهل السنة في الجملة؛ لأنه يدخل في عمومات النصوص الصريحة المتواترة، في إخراج العصاة من النار، فمتى ثبت بالنص إخراج العصاة من النار بالشفاعة، فمن باب أولى تكون الشفاعة في دفع العذاب قبل وقوعه.
(1)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان ح (197.
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان ح (196).
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب (ذرية من حملنا مع نوح) ح (4712).
(4)
ابن تيمية: مجموع الفتاوى، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف - المدينة النبوية، (3/ 147)
ومع أن بعض الأئمة نص على عدم وجود دليل صريح يدل على هذا النوع من الشفاعة كالإمام ابن القيم
(1)
، إلا أن جماعة من الأئمة كالحافظ ابن حجر
(2)
احتج لها بحديث حذيفة رضي الله عنه، عند مسلم، وفيه:«وَنَبِيُّكُمْ قَائِمٌ عَلَى الصِّرَاطِ يَقُولُ: رَبِّ سَلِّمْ سَلِّمْ»
(3)
.
وقد ذكر الإمام ابن كثير
(4)
جملة من الآثار تدل على هذه الشفاعة إلا أنها لا تثبت، ولذا قال العلامة ابن العثيمين عن هذا النوع من الشفاعة:" ولكني إلى الآن لم أجد لها دليلاً صحيحاً صريحاً، وقد وردت فيها أحاديث في إسنادها مقال، لكن تعددها، وتلقي الأمة لها بالقبول، يدل على ثبوتها"
(5)
.
وقال في موضع آخر: "وأما فيمن استحقها أن لا يدخلها، فهذه تستفاد من دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم للمؤمنين بالمغفرة والرحمة على جنائزهم، فإنه من لا زم ذلك ألا يدخل النار "
(6)
.
وقد نص على إثبات هذا النوع من الشفاعة جماعات من أهل العلم، منهم: الأئمة (الذهبي، والقاضي عياض، والنووي، وابن كثير، والقرطبي، وابن أبي العز، وابن الملقن، والسيوطي، والسفاريني ، المقريزي)
(7)
.
"وقد نُقل عن الإمام أحمد: والشفاعة يوم القيامة حق، يشفع قوم في قوم فلا يصيرون إلى النار.
(1)
ابن القيم: تهذيب السنن، دار الكتب العلمية - بيروت ن ط 2 - 1415 هـ (13/ 55)
(2)
ابن حجر: فتح الباري، دار المعرفة - بيروت، 1379 هـ (11/ 428)
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة ح (195).
(4)
ابن كثير: تفسير القرآن العظيم، ت: سامي سلامة (2/ 481)
(5)
العثيمين: شرح العقيدة السفارينية، دار الوطن - الرياض، ط 1 1426 هـ، ص (491)
(6)
العثيمين مجموع فتاوى العثيمين، دار الوطن، 1413 هـ (8/ 531)
(7)
الذهبي: إثبات الشفاعة: ص (20)، عياض: إكمال المعلم: (1/ 566)، النووي: شرح: (3/ 35)
…
ابن كثير: النهاية، 2/ 208، ابن أبي العز: شرح: ص (205)، ابن الملقن: غاية السول: ص (263)، السيوطي: البدور السافرة: ص (105، السفاريني: لوامع الأنوار: (2/ 211)، المقريزي: إمتاع الأسماع: (3/ 292).
وقال الإمام ابن عبد البر:" وقد قيل: إن الشفاعة منه صلى الله عليه وسلم تكون مرتين مرة في الوقف، يشفع في قوم فينجون من النار ولا يدخلونها"
(1)
.
وأما القسم الثاني: من أقسام الشفاعة التي حكاها ابن تيمية في الشفاعة لأهل الكبائر، فأمر متفق عليه عند الأكابر، وقد حكى العلماء فيه الإجماع واستفاضت أقوالهم، ودلت عليها الدلائل الشرعية، وهذا النوع هو مفصل النزاع بين أهل السنة والجماعة ومن عداهم من المخالفين في هذه المسألة.
وقد حكى الإمام ابن تيمية الاتفاق على هذه المسألة في أكثر من موضع فقال:" وأما شفاعته لأهل الذنوب من أمته فمتفق عليها بين الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر الأئمة الأربعة وغيرهم "
(2)
.
وقال في إجابة سؤال ورد إليه عن مصير أهل الكبائر:" إن أحاديث الشفاعة في أهل الكبائر ثابتة متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد اتفق عليها السلف من الصحابة وتابعيهم بإحسان وأئمة المسلمين"
(3)
.
وقال الإمام أبو الحسن الأشعري:" وأجمعوا على أن شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر من أمته وعلى أنه يخرج من النار قوماً من أمته بعدما صاروا حمماً فيطرحون في نهر الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل "
(4)
. وقال الإمام ابن شاهين:" وأشهد أن الله يدخل قوماً النار من أهل التوحيد بذنوبهم ثم يخرجهم بشفاعة الشافعين فيدخلهم الجنة"
(5)
.
(1)
انظر: ابن القيم: حادي الأرواح: ص (412)، ابن عبد البر: التمهيد: (19/ 67).
(2)
ابن تيمية: مجموع الفتاوى، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف - المدينة النبوية (1/ 148).
(3)
ابن تيمية: مجموع الفتاوى، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف - المدينة النبوية (4/ 309).
(4)
الأشعري: رسالة إلى أهل الثغر، عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية ص (164)
(5)
ابن شاهين: شرح مذاهب أهل السنة، مؤسسة قرطبة، ط 1 1415 هـ، ص (320).
وقال الإمام معمر بن أحمد:" ولما رأيت غربة السنة وكثرة الحوادث، واتباع الأهواء، أحببت أن أوصي أصحابي وسائر المسلمين، بوصية من السنة وموعظة من الحكمة، وأجمع ما كان عليه أهل الحديث الأثر، وأهل المعرفة والتصوف، من السلف المتقدمين والبقية من المتأخرين، فأقول وبالله التوفيق: .... وأن قوماً يخرجون من النار، يخرجهم الله برحمته، فيلقيهم في نهر على باب الجنة، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، بعدما امتحشوا، فصاروا حمماً، ثم يدخلهم الله الجنة، حتى لا يبقى في النار من كان في قلبه مثقال حبة أو ذرة من إيمان
…
فهذه السنة التي اجتمعت عليها الأئمة"
(1)
.
وقال الإمام ابن القطان الفاسي:" وأجمعوا على أن الله تعالى يخرج من في قلبه شيء من الإيمان، بعد الانتقام منه، وأجمعوا على أن يخرج من النار قوماً من أمته صلى الله عليه وسلم بعدما صاروا حمماً، فيطرحون في نهر الحياة، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل"
(2)
.
وقال الإمام الباقلاني:" والأخبار في الشفاعة أكثر من أن يؤتى عليها وهي كلها متواترة متوافية على خروج الموحدين من النار، بشفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وآله، وإن اختلفت ألفاظها
…
وقد أطبق سلف الأمة، على تسليم هذه الرواية وصحتها، مع ظهورها وانتشارها، والعلم بأنها مروية عن الصحابة والتابعين "
(3)
. وقال الإمام ابن أبي زمنين:" وأهل السنة يؤمنون بأن الله عز
…
وجل، يدخل ناساً الجنة من أهل التوحيد، بعدما مستهم النار، برحمته تبارك وتعالى اسمه، وبشفاعة الشافعين"
(4)
.
(1)
الأصبهاني: الحجة في بيان المحجة، دار الراية - الرياض، ط 2 - 1419 هـ، (1/ 253)
(2)
ابن القطان: الإقناع في مسائل الإجماع، دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1 1426 هـ، (1/ 56)
(3)
الباقلاني: تمهيد الأوائل، مؤسسة الكتب الثقافية - بيروت ن ط 1 1407 هـ، ص (419)
(4)
ابن أبي زمنين: أصول السنة، مكتبة الغرباء - المدينة النبوية، ط 1 1415 هـ، ص (180)
وقال الإمام أبو حنيفة:" وشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم للمؤمنين المذنبين، ولأهل الكبائر منهم، المستوجبين العقاب، حق"
(1)
. وقال الإمام الجرجاني:" ويقولون إن الله يخرج من النار، قوماً من أهل التوحيد بشفاعة الشافعين "
(2)
.
…
وقال الإمام الذهبي:" نؤمن أن الله تعالى يخرج من النار، من قلبه أدنى وزن ذرة من إيمان، برحمته، وكرمه، وشفاعة نبيه، وغير ذلك"
(3)
. وقال الإمام ابن قدامة:" ويشفع نبينا صلى الله عليه وسلم -فيمن دخل النار من أمته من أهل الكبائر، فيخرجون بشفاعته، بعدما أحترقوا وصاروا فحماً وحمماً، فيدخلون الجنة بشفاعته"
(4)
.
…
وقال الإمام العراقي:" وقد أجمع عليها أهل السنة"
(5)
.
(1)
أبو حنيفة: الفقه الأكبر، مكتبة الفرقان - الإمارات، ط 1 1419 هـ، ص (61)
(2)
الجرجاني: اعتقاد أئمة الحديث، دار العاصمة - الرياض، ط 1 1421 هـ ص (68)
(3)
الذهبي: إثبات الشفاعة، أضواء السلف، ط 1 1420 هـ، ص (20)
(4)
ابن قدامة: لمعة الاعتقاد، وزارة الأوقاف السعودية، ط 2 - 1420 هـ، ص (33)
(5)
العراقي: طرح الترتيب، مكتبة الباز - مكة، ط 1 1424 هـ (8/ 278)
ودلّ على هذا النوع من الشفاعة، جملة من الأحاديث المتواترة المتضافرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عنها الإمام ابن عبد البر:" والآثار في هذا كثيرة متواترة والجماعة أهل السنة على التصديق بها، ولا ينكرها إلا أهل البدع "
(1)
فأخرج مسلم في صحيحه عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَمَّا أَهْلُ النَّارِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا، فَإِنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ فِيهَا وَلَا يَحْيَوْنَ، وَلَكِنْ نَاسٌ أَصَابَتْهُمُ النَّارُ بِذُنُوبِهِمْ - أَوْ قَالَ بِخَطَايَاهُمْ - فَأَمَاتَهُمْ إِمَاتَةً حَتَّى إِذَا كَانُوا فَحْمًا، أُذِنَ بِالشَّفَاعَةِ، فَجِيءَ بِهِمْ ضَبَائِرَ ضَبَائِرَ، فَبُثُّوا عَلَى أَنْهَارِ الْجَنَّةِ، ثُمَّ قِيلَ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، أَفِيضُوا عَلَيْهِمْ، فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحِبَّةِ تَكُونُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ «
(2)
.
وأخرج أيضاً من حديث جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إِنَّ قَوْمًا يُخْرَجُونَ مِنَ النَّارِ يَحْتَرِقُونَ فِيهَا، إِلَّا دَارَاتِ وُجُوهِهِمْ حَتَّى يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ»
(3)
.
وهؤلاء هم الجهنميون، فعن عمران بن حصين رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنَ النَّارِ بِشَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَيَدْخُلُونَ الجَنَّةَ، يُسَمَّوْنَ الجَهَنَّمِيِّينَ»
(4)
.
وعن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنَ النَّارِ بَعْدَ مَا مَسَّهُمْ مِنْهَا سَفْعٌ، فَيَدْخُلُونَ الجَنَّةَ، فَيُسَمِّيهِمْ أَهْلُ الجَنَّةِ: الجَهَنَّمِيِّينَ»
(5)
.
(1)
ابن عبد البر التمهيد، وزارة عموم الأوقاف - المغرب، 1387 هـ، (19/ 69)
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب إثبات الشفاعة وإخراج الموحدون من النار ح (185).
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة ح (191).
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار ح (6566).
(5)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار ح (6559).
وعن جابر رضي الله عنه، في سياق حديث ورود النار:«ثُمَّ تَحِلُّ الشَّفَاعَةُ وَيَشْفَعُونَ حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ النَّارِ مِنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ شَعِيرَةً، فَيُجْعَلُونَ بِفِنَاءِ الْجَنَّةِ، وَيَجْعَلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ يَرُشُّونَ عَلَيْهِمُ الْمَاءَ حَتَّى يَنْبُتُوا نَبَاتَ الشَّيْءِ فِي السَّيْلِ، وَيَذْهَبُ حُرَاقُهُ، ثُمَّ يَسْأَلُ حَتَّى تُجْعَلَ لَهُ الدُّنْيَا وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهَا مَعَهَا»
(1)
.
وفي حديث أنس الطويل في أمر الشفاعة وفيه: «ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِي حَدًّا فَأُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ، ثُمَّ أَعُودُ إِلَيْهِ فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّي مِثْلَهُ، ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِي حَدًّا فَأُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ، ثُمَّ أَعُودُ الرَّابِعَةَ، فَأَقُولُ مَا بَقِيَ فِي النَّارِ إِلَّا مَنْ حَبَسَهُ القُرْآنُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الخُلُودُ»
(2)
.
وفي حديث أبي سعيد رضي الله عنه، عند مسلم: فيقول الله عز وجل: «شَفَعَتِ الْمَلَائِكَةُ، وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ، وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ، فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ قَدْ عَادُوا حُمَمًا، فَيُلْقِيهِمْ فِي نَهَرٍ فِي أَفْوَاهِ الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ: نَهَرُ الْحَيَاةِ، فَيَخْرُجُونَ كَمَا تَخْرُجُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ»
(3)
.
(1)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان: باب أدنى أهل الجنة منزلة ح (191).
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب قول الله (وعلم آدم الأسماء كلها) ح (4476)، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة ح (193).
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه، باب الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية ح (183).
وعن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي»
(1)
.
وعن جابر رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي» قال محمد بن علي: فقال لي جابر: يا محمد، من لم يكن من أهل الكبائر فماله وللشفاعة
(2)
.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«خُيِّرْتُ بَيْنَ الشَّفَاعَةِ، أَوْ يَدْخُلُ نِصْفُ أُمَّتِي الْجَنَّةَ، فَاخْتَرْتُ الشَّفَاعَةَ، لِأَنَّهَا أَعَمُّ وَأَكْفَى أَتُرَوْنَهَا لِلْمُنَقَّيْنَ، لَا وَلَكِنَّهَا لِلْمُتَلَوِّثِينَ الْخَطَّاءُونَ» قَالَ زِيَادٌ: " أَمَا إِنَّهَا لَحْنٌ وَلَكِنْ هَكَذَا حَدَّثَنَا الَّذِي حَدَّثَنَا "
(3)
.
فهذه الأحاديث الشريفة وغيرها، تدل على شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وغيره، في أصحاب الذنوب والكبائر، وهي مختصة بهم دون من حُكِم عليه بالخلود في النار من الكفار والمنافقين، وعليهم يصدق قوله جل وعلا:{فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48)} [المدثر:48]، يقول العلامة ابن أبي العز: " وأحاديث الشفاعة صريحة في خروج عصاة الموحدين من النار، وأن هذا حكم مختص بهم، فلو خرج الكفار منها، لكانوا بمنزلتهم
(4)
.
(1)
أخرج الترمذي في جامعه، أبواب صفة القيامة، باب ما جاء في الشفاعة ح (2435)، وقال الترمذي "هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه " مكتبة البابي - مصر، ط 2 - 1395 هـ (4/ 625).
(2)
أخرجه الترمذي في جامعه أبواب صفة القيامة، باب ما جاء في الشفاعة ح (2436)، وقال الترمذي هذا حديث غريب، مكتبة البابي - مصر، ط 2 - 1395 هـ (4/ 625).
(3)
أخرجه أحمد في المسند ح (2452) مؤسسة الرسالة، ط 1 1421 هـ، وضعفه العلامة الألباني من هذا الطريق، وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير ح (13900)، (13/ 191)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 378):"ورجال الطبراني رجال الصحيح، غير النعمان بن قراد، وهو ثقة". انظر: الألباني: سلسلة الأحاديث الضعيفة (8/ 79).
(4)
ابن أبي العز: شرح الطحاوية، وزارة الأوقاف السعودية، ط 1 1418 هـ، ص (431)