الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول (اليوم الآخر في الكتاب العظيم)
المطلب الأول: المميزات العامة لطريقة القرآن الكريم في البيان:
لما كان القرآن الكريم هو الكتاب الخاتم والمهيمن على كل الكتب السماوية السابقة، كما قال جل وعلا:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ .... } [المائدة:48].
فالقرآن الكريم مهيمن، فهو أمين وشاهد وحاكم على كل كتاب قبله جعل الله هذا الكتاب العظيم، الذي أنزله آخر الكتب وخاتمها، أشملها وأعظمها وأحكمها، حيث جمع فيه محاسن ما قبله، وزاده من الكمالات ما ليس في غيره، فلذا جعله شاهداً وأميناً وحاكماً عليها كلها، وتكفل تعالى بحفظه بنفسه الكريمة فقال:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} [الحجر:9]
(1)
.
والقرآن الكريم: تتبع كل حق جاءت به الكتب فأمر به، حث عليه، وأكثر من الطرق الموصلة إليه، وهو الكتاب الذي فيه نبأ السابقين واللاحقين وهو الكتاب الذي فيه الحكم والحكمة
(2)
.
فلما كان القرآن الكريم بهذه المثابة العظيمة، جعله الله سبحانه وتعالى كتاب نور وهداية، يجد فيه كل حيران بغيته، ويرد كل هائم إلى مورده، قال سبحانه وتعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ
…
} [الإسراء:9].
فهذه الآية الكريمة، أجمل الله جل وعلا فيها جميع ما في القرآن من الهدي إلى خير الطرق وأعدلها وأصوبها، فلو تتبعنا تفصيلها على وجه الكمال لأتينا على جميع القرآن العظيم لشمولها لجميع ما فيه من الهدى إلى خير الدنيا والآخرة
(3)
.
وهداية القرآن تمتاز بأنها: عامة وتامة وواضحة، أما عمومها: فلأنها تنتظم الإنس والجن في كل عصر ومصر، وفي كل زمان ومكان.
(1)
ابن كثير: تفسير القرآن العظيم ت: سامي سلامة (3/ 128)
(2)
السعدي: تيسير الكريم الرحمن، مؤسسة الرسالة، ط 1 1420 هـ، ص (234)
(3)
الشنقيطي: أضواء البيان، دار الفكر - بيروت، 1415 هـ (3/ 17)
وأما تمام هذه الهداية: فلأنها احتوت أرقى وأوفى ما عرفت البشرية، وعرف التاريخ من هدايات الله والناس، وانتظمت كل ما يحتاج إليه الخلق في العقائد والأخلاق والعبادات والمعاملات على اختلاف أنواعها، وجمعت بين مصالح البشر في العاجلة والآجلة، ونظمت علاقة الإنسان بربه وبالكون الذي يعيش فيه، ووفقت بطريقة حكيمة بين مطالب الروح والجسد.
وأما وضوح هذه الهداية: فلعرضها عرضاً رائعاً مؤثراً، توافرت فيه كل وسائل الإيضاح، وعوامل الإقناع
(1)
.
ومن هذا المنطلق: يمكننا الوصول إلى بعض مكامن النور والحق والهداية والبيان في هذا القرآن العظيم، ونبين أوجه وطرق هداية القرآن، وبيانها للأدلة النقلية العقلية التي تخاطب الشعور والوجدان تارة، وتخاطب العقول تارة أخرى، فمن مميزات طرق الهداية في القرآن الكريم:
شمولها في البيان، فما احتاج الناس لشيء مما يهمهم، أو يشغل بالهم إلا وفي القرآن بيانه، سواء كان فيما يحتاجونه من أمور معاشهم أو معادهم. ولذا نجد أن القرآن في شموله تحدث عن:
الإلهيات وما يتعلق بها، وأفاض في ذكر الشواهد الدالة عليها، ودحض شبه المنكرين لها، كل ذلك بأوجه إقناعية ميسرة، إذ القرآن الكريم، يميل
…
إلى اليسر والسهولة وينأى عن التعقيد والصعوبة.
(2)
وتحدث القرآن عن المعاد واليوم الآخر وما فيه من أهوال وشدائد، كل ذلك بأسلوب عقلي يوافق الفطر السليمة، وتتوافق معه النفوس المستقيمة.
وقد قيل: إن للقرآن طريقة موحدة في التعبير، يتخذها في أداء جميع الأغراض على السواء، حتى أغراض البرهنة والجدل، تلك هي طريقة التصوير التشخيصي، بوساطة التخييل والتجسيم
(3)
.
(1)
محمد سبتان: تقويم أساليب تعليم القرآن الكريم، من إصدارات مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف (53).
(2)
عبدالعظيم المطعني: خصائص التعبير القرآني، مكتبة وهبه، ط 1 1413 هـ (1/ 456).
(3)
سيد قطب: التصوير الفني في القرآن، دار الشروق، ط 16 2002 م، ص (239).
وهذه الطريقة تصدق على بعض المعاني القرآنية دون بعض، فالمعاد لما كان إثبات وقوعه وإمكانه ثابتاً، وجدنا أن القرآن الكريم، أثبته بصور عقلية تارة وبصور حسية تارة أخرى.
ولذا نجد في القرآن صورة تشخيصية ماثلة أمام منكري البعث حينما قالوا: {وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (49)} [الإسراء:49] فاستبعدوا بعقولهم الفاسدة، البعث بعد الموت، بعد أن تصبح عظامهم تراباً وحطاماً فكان منبع قولهم الإنكار، فرد الله تعالى عليهم فقال:{قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (50) أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ .. } [الإسراء:51] أي: قل لهم يا محمد كونوا حجارة أو حديداً، في الشدة والقوة، وليس هذا بأمر إلزام، بل هو أمر تعجيز، أي استشعروا في قلوبكم أنكم حجارة أو حديدا في القوة، أو خلقاً مما يكبر في صدوركم، فقيل: السماء والأرض والجبال، وقيل: إنه الموت، فإنه ليس في نفس ابن آدم شيء أكبر من الموت، أي: ولو كنتم الموت بعينه لأميتنكم ولأبعثنكم {فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا} من يبعثنا بعد الموت. {قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} : خلقكم أول مرة، ومن قدر على الإنشاء قدر على الإعادة
(1)
.
وأيضاً تحدث القرآن عن النبوات، وما جرى للأنبياء مع أقوامهم، وسرد أدلة وبراهين أدلة إثبات النبوة والرسالة بما أجرى على أيديهم من المعجزات، وما تمثل في أشخاصهم الشريفة الطاهرة، التي علم الله تعالى، نزاهتها وصلاحها للرسالة فاختارها جل وعلا لرسالته فقال:{اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ .. } [الأنعام:124].
ومن مميزات طرق الهداية في القرآن الكريم:
(1)
البغوي: معالم التنزيل، دار إحياء التراث العربي - بيروت، ط 1 1420 هـ، (3/ 138).
- ما اشتمل عليه القرآن العظيم من صور الإعجاز، فالقرآن لما كان المصدر الرئيسي للمعرفة، تجلى إعجازه في أمور كثيرة: في نظمه وبلاغته، وقصصه وأخباره، وما نطوى عليه من الغيبيات، وما أشار إليه من حقائق هذا الكون الفسيح "ولا خلاف بين العقلاء أن كتاب الله معجز"
(1)
.
- وكيف لا يكون معجزاً، وقد احتوى على علوم ومعارف لم يجمعها كتاب من الكتب، ولا أحاط بعلمها أحد في كلمات قليلة وأحرف معدودة.
- وكيف لا يكون معجزاً، وهو محفوظ عن الزيادة النقصان، محروس عن التبديل والتغيير على تطاول الأزمان، بخلاف سائر الكتب.
- وكيف لا يكون معجزاً، وفيه من حسن تأليفه، وإلتئام كلمه، وصحة معانيه، وتوالي فصاحة ألفاظه، ووجوه إيجازه وبلاغته، ما لا يوجد له نظير
(2)
.
- أن إعجاز القرآن الكريم يظهر في أسلوبه، وبلاغته، وبيانه وتشريعاته
(3)
.
وكذا ما تميز به القرآن الكريم من أوجه الإقناع وأساليب مخاطبة العقل فالقرآن يعتبر رسالة إقناعية خاطبت العقل البشري من خلال استراتيجيات محددة، وأساليب إقناعية.
ومن بين تلك المداخل المختلفة للإقناع: محاولة التغيير في البناء النفسي للفرد فإثارة حاجياته أو دوافعه أو اتجاهاته، ومن تلك الأنواع الشائعة في هذا المجال: إثارة توقعات المتلقي، بأن قيامه بسلوك معين، سوف يجنيه أخطاراً أو حرماناً، أو يؤدي إلى فقدانه القبول الاجتماعي، ويظهر هذا جلياً في أسلوب الترغيب والترهيب في القرآن الكريم
(4)
.
(1)
الرزكشي: البرهان في علوم القرآن، دار إحياء الكتب العربية، ط 1 1376 هـ (2/ 93).
(2)
السيوطي: معترك الأقران، دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1 1408 هـ (1/ 12)
(3)
الدهلوي: الفوز الكبير، دار الصحوة - القاهرة، ط 2 - 1407 هـ، ص (165)
(4)
معتصم با بكر مصطفى: أساليب الإقناع في القرآن الكريم: الفصل الثالث: القرآن الكريم وأساليب الإقناع، مركز البحوث والدراسات في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر.
والإقناع القرآني يقوم على: اعتماد التأثير الوجداني بمخاطبة النفوس والضمائر من خلال الترغيب والترهيب، ومخاطبة العقل بالحجج والبراهين العقلية المنطقية
(1)
.
ومن الأدلة القرآنية التي تنطوي على نوع من الإقناع المباشر:
قوله تعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [البقرة:74].
وقال تعالى: {قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (50)} [الإسراء:50]، ضرب الله مثلاً بالحجارة في الصلابة، ووصفها بالقسوة، وقارب بينها وبين الحديد وهي صفات يعرفها عامة الناس، ويلمسونها في حياتهم اليومية، ولذلك فإن لها قوة الإقناع المباشر
(2)
.
ومن الوسائل الإقناعية في القرآن الكريم:
الأمثال، والقسم والجدل: ذلك أن الإقناع إما بالتقريب والإبراز للمعقول في صورة المحس، وذلك هو المثل، وإما بتوكيد الخبر، وطريقة القسم، وإما بالحجة وطريقة الجدل
(3)
.
وأخذ أسلوب الحوار وعرض الآراء في القرآن الكريم، جانباً واسعاً منه إذ هو سبيل للوصول إلى الحقائق، وكشف الشبهات، ولذا دعا القرآن الكريم إلى الحوار مع الآخرين حواراً رفيعاً مهذباً، كما قال تعالى:{وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [العنكبوت:46]
(4)
.
(1)
خالد حسن حمدان: الإقناع أسسه وأهدافه: مقال بموقع جامعة أم القرى بتاريخ 1426 هـ
(2)
محمد سميح عافية: القرآن وعلوم الأرض، الزهراء للإعلام العربي، ط 1 1414 هـ، ص (68).
(3)
محمد القيعي: الأصلان في علوم القرآن، حقوق الطبع محفوظة للمؤلف، ط 4 1417 هـ، ص (334).
(4)
أحمد سيف الدين: الحوار مع أصحاب الأديان، كتاب منشور على موقع وزارة الأوقاف السعودية ص (20).
وقد أشار القرآن الكريم إلى الحوار الذي بين المسلم والكافر في قصة أصحاب الجنتين قال تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (32) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا (33) وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (34) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا (36) قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37) لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (38)} [الكهف:32 - 38].
تجلت في هذه الآيات صورة من صور الحوار الهادف المقنع، وذلك أن صاحب الجنتين افتخر على صاحبه بأنه أكثر خدماً وحشماً وولداً، ولذا دخل جنته وهو ظالم لنفسه، أي: بكفره وتمرده وتكبره وتجبره وإنكاره المعاد، قال: ما أظن أن تبيد هذه أبداً، وذلك اغتراراً منه، لما رأى فيها من الزروع والثمار والأشجار والأنهار المطردة في جوانبها وأرجائها، ظن أنها لا تفنى ولا تفرغ ولا تهلك ولا تتلف، وذلك لقلة عقله، وضعف يقينه بالله وإعجابه بالحياة الدنيا وزينتها، وكفره بالآخرة، ولهذا قال: وما أظن الساعة قائمة، أي كائنة، ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيراً منها منقلباً: أي ولئن كان معاد ورجعة ومرد إلى الله ليكونن لي هناك أحسن من هذا، لأني محظيّ عند ربي، ولولا كرامتي عليه ما أعطاني هذا، حينها قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالله خلقتك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلاً، وهذا إنكار وتعظيم لما وقع فيه من جحود ربه، الذي خلقه وابتدأ خلق الإنسان من طين، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين، كما قال تعالى:{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ .. } [البقرة:28]، أي: كيف تجحدون ربكم، ودلالته عليكم ظاهرة جلية، كل أحد يعلمها من نفسه، فإنه ما من أحد من المخلوقات إلا ويعلم أنه معدوماً ثم وجد، وليس وجوده من نفسه، ولا مستنداً إلى شيء من المخلوقات، لأنه بمثابته، فعلم إسناد إيجاده إلى خالقه وهو الله لا إله إلا هو خالق كل شيء ولذا قال:(لكنا هو الله ربي)
(1)
.
ومن بيان القرآن وهدايته، حكاية المجادلات وإقامة الحجج والبراهين الساطعة، فإذا تأملت القرآن رأيته مملوء من جدال أهل الباطل وحجاجهم بأحسن طريق، وأوضح برهان، وأقوم حجة، وأبين دليل، ورأيت معارضته لشبه أهل الباطل، وذكرها ونقضها بما يشفي ويكفي، وهو دافع لأهل الباطل
(2)
.
(1)
ابن كثير: تفسير القرآن العظيم ت: سامي سلامة (5/ 157).
(2)
حمد العثمان: أصول الجدل و المناظرة، مكتبة ابن القيم - الكويت، ط 1 1422 هـ، ص (37).
وقد حكى القرآن الكريم جملة من المناظرات، وأوجها من المجادلات منها حكاية المناظرة بين الملائكة وإبليس، وكذا المناظرة بين إبراهيم الخليل والنمرود، قال الإمام القرطبي بعد حكاية هذه المناظرة:" وتدل على إثبات المناظرة والمجادلة وإقامة الحجة، وفي القرآن والسنة من هذا كثير ممن تأمله "
(1)
.
ومن أوجه الهداية والبيان في طرائق القرآن الكريم:
معالجة القرآن الكريم لكثير من القضايا المجتمعة عن طريق السؤال والجواب، والقرآن فيه الكثير من هذه الإجابات لكثير من الأسئلة التي كانت تلامس حياة الناس، وقد تميزت إجابات القرآن الكريم بمجموعه ميزات وخصائص
(2)
منها:
- اتصالها بالواقع إذ تستمد الإجابات من واقع السائلين، ومما يدور ويجري في حياتهم، فإذا سألوا عن الخمر والميسر، كانت الإجابة موجهة للرجوع إلى الواقع، والنظر إلى ما تحدثه الخمر وما يؤدي إليه الميسر في واقع حياتهم، قال تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة 219]، ثم قال:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)} [المائدة:90 - 91].
- والإقناع العقلي، فلا تجد العقول غضاضة في قبولها والتسليم بها.
(1)
القرطبي: جامع لأحكام القرآن، دار الكتب المصرية - القاهرة، ط 2 - 1384 هـ، (3/ 286).
(2)
أحمد ضليمي: السؤال في القرآن الكريم، مقال ضمن مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، العدد 111، 1421 هـ، ص (295).
- واغتنام الفرص للتوجيه والإرشاد والإصلاح، فحين سأل القوم عن الأهلة ناسب التوجيه نحو السلوك الصحيح ومجانبة السلوك غير السوي، قال تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189)} [البقرة:189].
- والتوجيه إلى عدم تبديد الطاقة العقلية فيما لا طائل تحته، كمن يسأل عن أمور لا يستطيع العقل إدراكها وفهمها لأنه أكبر من قدراته مهما بلغت، وأعظم من أن يصل إليها بعلومه ومعارفه، قال تعالى:
…
{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)} [الإسراء:85].
ومن أوجه البيان والهداية في طرائق القرآن الكريم:
ما انطوى عليه هذه الكتاب العزيز من معالم الأكوان والغائبة والشاهدة، والماضية والحاضرة والمستقبلة، وما فيه من سرد أخبار الماضيين، وبيان عوالم يوم الدين، كل ذلك بأسلوب أخّاذ، يهذب النفوس، ويجذب القلوب وينير العقول.
نجد هذه المعالم والعوالم مبثوثة في كتب الله تعالى، تتكرر في أكثر من موضع لا يجد القارئ إملالاً من كثرة التكرار، فإن في التكرار يتعاظم النفع من الزجر والوعظ
(1)
.
ولما كان المقصود الأعظم من القرآن بيان المبدأ والمعاد
(2)
، استفاضت أخباره وتكرر في القرآن بيان أحواله. فالقرآن الكريم يشير إلى المعاد بطرق كثيرة ويتحدث عن الآخرة بأساليب عديدة.
(1)
الباقلاني: الانتصار للقرآن، دار ابن حزم - بيروت، ط 1 1422 هـ (2/ 800).
(2)
السيوطي: قوت المغتذي على جامع الترمذي، تحقيق في رسالة علمية، بجامعة أم القرى، كلية الدعوة وأصول الدين، 1424 هـ (2/ 725).
فيخبر عن المعاد بطريق مباشر، وذلك: ببيان إمكانه، والإخبار بتحقق وقوعه، وإقامة البراهين الكافية لإثباته، بما يدفع كل لبس وشبهة، ويسقط معها كل جدال وافتراء، وكذا يخبر القرآن عن المعاد بطريق غير مباشر حيث يتمثل في تصوير واستعراض مشاهد القيامة، غير ملتفت إلى المنكرين وإن كان المقصود في النهاية التأثير عليهم
(1)
.
وكذا يخبر القرآن من ذكر أقوال الكفار وحججهم، فيجادلهم تارة في التوحيد، وتارة في النبوات، وتارة في المعاد، وتارة في الشرائع، بأحسن الحجج وأكملها، كما قال تعالى:{وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا (33)} [الفرقان:33]
…
(2)
.
ولذا فإن في القرآن من ذكر المعاد وتفصيله، وصفة الجنة والنار، والنعيم والعذاب، ما لا يوجد مثله في التوراة والإنجيل
(3)
.
إذن: فخصائص القرآن الكريم ومميزاته وطرائقه تقوم على أمور منها
(4)
:
1 -
الثراء والتنوع والتكرار الجاذب للنفوس.
2 -
ملاءمته للفطرة، وخلوها من التعقيد، ومناسبتها للجميع.
3 -
اليسر في المضمون، والوضوح في اللفظ والمعنى.
4 -
حشد الأدلة البراهين للدلالة على المقصود، بأسلوب مقنع، مستند على المنطق السليم، والبرهان الصحيح.
(1)
بدرية العثمان: من بلاغة القرآن ا لكريم، دار الراية - الرياض، ط 1 1417 هـ، ص (83 - 86).
(2)
ابن تيمية: الجواب الصحيح دار العاصمة، السعودية، ط 2 - 1419 هـ (1/ 229).
(3)
ابن تيمية: الجواب الصحيح: دار العاصمة، السعودية، ط 2 - 1419 هـ (2/ 79)
(4)
محمد ملكاوي: عقيدة التوحيد في القرآن، مكتبة دار الزمان، ط 1 1405 هـ، ص (327)، خالد حمدان: الإقناع أسسه وأهدافه، بحث مقدم من كلية أصول الدين في الجامعة الإسلامية - غزة 1426 هـ.