الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- وأن كفة الحسنات عن يمين العرش مقابل الجنة، وكفة السيئات عن العرش مقابل النار
(1)
.
- ومما يجدر الإشارة إليه: أن قدماء المصريين كانوا يصورون على معابدهم صور الميزان والحساب والتوبة والعقاب
(2)
.
إذن: كيفيات الميزان من الغيبيات التي لا يعلمها إلا الذي الله سبحانه وتعالى، يقول العلامة ابن أبي العز:" وثبت أن الميزان له كفتان، و الله تعالى أعلم بما وراء ذلك من الكيفيات "
(3)
.
ويحسن بنا في ختام هذا المسألة أن نشير إلى ما نقله الإمام الذهبي في تاريخه قال: قال عبد الملك بن حبيب: كنا جلوساً عند زياد بن عبد الرحمن بن زياد إذ جاء كتاب من بعض الملوك، فكتب فيه وختمه، فذهب به الرسول فقال لنا زياد: أتدرون عما يسأل هذا؟ سأل عن كفتي الميزان، أمن ذهب هي أم من فضة؟ فكتب إليه هذا الحديث: ثنا مالك، عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ»
(4)
.
المسألة الخامسة: هل الميزان واحد أم هناك موازين متعددة؟ وما الموزون فيه؟ وهل هو خاص للمؤمنين
؟
اختلف العلماء في الجواب عن هذه المسائل إلى أقوال، أرجع العلامة محمد رشيد رضا أسباب الخلاف فيها إلى أمور ثلاثة:
1 -
"اختلاف الأخبار والآثار عن السلف، وأن أكثرها لا يصح، ولا يحتج بمثله في الأحكام العملية فضلاً عن المسائل الاعتقادية.
2 -
الاختلاف في فهمها.
3 -
الرأي والتخيل والقياس مع الفارق "
(5)
.
(1)
القرطبي: التذكرة، دار المنهاج - الرياض، ط 1 1415 هـ، ص (724)
(2)
محمد حسين هيكل: حياة محمد صلى الله عليه وسلم، دار المعارف، 1997 م، ص (122)
(3)
ابن أبي العز: شرح الطحاوية، وزارة الأوقاف السعودية، ط 1 1418 هـ، ص (419).
(4)
أخرجه الترمذي في جامعه، أبواب الزهد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ح (2317).
(5)
محمد رشيد رضا: تفسير المنار، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1990 م، (8/ 287)
أما اختلاف الأخبار والآثار الواردة عن السلف، فالتعامل مع ما صح منها هو الجمع إن أمكن الجمع بينهما، كما هو منهج جماعة من الأئمة، فإن لم يمكن الجمع، وعُلِم المتأخر فهو ناسخ للمتقدم، فإن تعذر العلم بتاريخ الناسخ والمنسوخ، عُمِل بالراجح إن كان هناك مُرَجِح
(1)
.
وأما اختلاف الفهوم فهذا هو شأن العلماء في كل زمن، والعبرة في الفهم: الأقرب إلى الأدلة، والذي عليه جماعات العلماء.
وأما الرأي والتخيل والقياس الفاسد، فهذا لا شأن للمحققين من أهل السنة به، إذ كلامهم في الغيبيات ظاهر، وواضح، وبيّن، في أنه يجب عدم التعرض لحقائق الأمور الغيبية.
(1)
اختلف العلماء في الموزون على ثلاثة أقوال
(2)
:
القول الأول: أن الذي يوزن العمل، وهي الحسنات والسيئات بوضع إحداهما في كفة والأخرى في كفة، قاله الحسن والسدي.
وخالف في ذلك المعتزلة -كما نقل الأئمة عنهم - فقالوا: الأعمال أعراض فكيف توزن؟
(3)
.
وأجاب عنه العلماء: بأن الله جل وعلا قادر على قلب الأعراض أجساماً فالموت معنى من المعاني، ويؤتى به يوم القيامة على صورة كبش
(4)
.
واستدل أصحاب هذا القول بجملة من الأدلة تدل على أن العمل نفسه يوزن:
قال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)} ، وقال تعالى:{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47)} [الأنبياء:47].
(1)
ابن قدامة: روضة الناظر، مؤسسة الريان، ط 2 - 1423 هـ (2/ 391)
(2)
الماوردي: النكت والعيون: (2/ 201)، السمعاني: تفسير القرآن: (2/ 116).
(3)
الغزالي: الاقتصاد في الاعتقاد، دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1 1424 هـ، ص (119)
(4)
ابن أبي العز: شرح الطحاوية، وزارة الأوقاف السعودية، ط 1 1418 هـ، ص (419)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ «
(1)
، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي المِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ، سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ العَظِيم
(2)
، وقال النبي صلى الله عليه وسلم «مَا مِنْ شَيْءٍ أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ»
(3)
.
وهذا القول هو الظاهر من كلام الإمام ابن تيمية في عقيدته الواسطية، يقول:" وتنصب الموازين فتوزن فيها أعمال العباد"
(4)
.
وهو الذي رجحه الحافظ ابن حجر فقال:" والصحيح أن الأعمال هي التي توزن "
(5)
، واختاره الشيخ محمد رشيد رضا في تفسيره
(6)
، وترجم له الإمام البخاري في صحيحه فقال:" باب قول الله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} وأن أعمال بني آدم وقولهم يوزن "
(7)
.
وهذا الذي نقله الإمام ابن تيمية عن الإمام الزهري حين قال: "وما من أحد إلا يوزن قوله وعمله"
(8)
.
(1)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الطهارة، باب فضل الوضوء ح (223)، دار إحياء التراث العربي.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الدعوات، باب فضل التسبيح ح (6406)، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الذكر، باب فضل التهليل والتسبيح ح (269).
(3)
أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب في حسن الخلق ح (4799).
(4)
ابن تيمية: مجموع الفتاوى، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف - المدينة النبوية (3/ 146).
(5)
ابن حجر: فتح الباري، دار المعرفة - بيروت، 1379 هـ (13/ 539)
(6)
محمد رشيد رضا: تفسير المنار، الهئية المصرية العامة للكتاب، 1997 م، (8/ 288)
(7)
البخاري: صحيح البخاري، دار طوق النجاة، ط 1 1422 هـ (9/ 162)
(8)
ابن تيمية: الإيمان، المكتب الإسلامي - بيروت، ط 4 1413 هـ، ص (231).
القول الثاني: أن الذي يوزن العامل، وهو الإنسان نفسه: واحتجوا بقوله عليه الصلاة والسلام: «إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ العَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ القِيَامَةِ، لَا يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، وَقَالَ: اقْرَءُوا {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105)} [الكهف:105]»
(1)
.
وقال عبيد بن عمرو «إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ العَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ القِيَامَةِ، لَا يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ
(2)
.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لما ضحك القوم من حموشة ساقي ابن مسعود: «لَرِجْلُ عَبْدِ اللهِ أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أُحُدٍ»
(3)
.
القول الثالث: أن الذي يوزن صحائف الأعمال، ورجح هذه القول الإمام ابن عبد البر والإمام القرطبي، وقال العلامة السفاريني:" وصوبه الشيخ مرعي في بهجته، وذهب إليه جمهور من المفسرين"
(4)
، ونسب هذا القول إلى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، نسبه إليه جماعة من أهل التفسير
(5)
.
واحتجوا بحديث صاحب البطاقة وفيه: «فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كَفَّةٍ وَالبِطَاقَةُ فِي كَفَّةٍ فَطَاشَتِ السِّجِلَّاتُ وَثَقُلَتِ البِطَاقَةُ، فَلَا يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللَّهِ شَيْءٌ»
(6)
.
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب (أولئك الذين كفروا بآيات ربهم) ح (4729) وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم ح (2785).
(2)
الطبري: جامع البيان، مؤسسة الرسالة، ط 1 1420 هـ، ت: أحمد محمد شاكر، ص (12/ 310)
(3)
أخرجه أحمد في المسند ح (920)، مؤسسة الرسالة، ط 1 1421 هـ (2/ 243).
(4)
السفاريني: لوامع الأنوار، مكتبة الخافقين - دمشق، ط 2 - 1402 هـ (2/ 187).
(5)
القرطبي: التذكرة، دار المنهاج - الرياض، ط 1 1415 هـ، ص (722).
(6)
أخرجه الترمذي في جامعه: أبواب صفة الجنة، باب ما جاء فيمن يموت وهو يشهد أن لا إله إلا الله ح (2639)، مكتبة البابي - مصر، ط 2 - 1395 هـ.
قال العلامة السفاريني:" قال العلامة الشيخ مرعي في بهجته: ثبت بهذا الحديث الصحيح أن الموزون صحائف الأعمال"
(1)
.
ورجح هذا القول العلامة الشوكاني فقال:" واختلف أهل العلم في كيفية هذا الوزن الكائن في هذا اليوم، فقيل: المراد به: وزن صحائف أعمال العباد بالميزان وزناً حقيقياً وهذا هو الصحيح، وهو الذي قامت عليه الأدلة"
(2)
.
وذهب جمع من الأئمة إلى إمكان الجمع بين هذه الأقوال:
يقول الإمام ابن كثير: "وقد يمكن الجمع بين هذه الآثار بأن يكون ذلك كله صحيحاً، فتارة توزن الأعمال، وتارة توزن محالها، وتارة يوزن فاعلها"
(3)
.
وقال العلامة ابن أبي العز: "فثبت وزن الأعمال، والعامل، وصحائف الأعمال "
(4)
.
وقال العلامة حافظ الحكمي: "والذي استظهر من النصوص - والله أعلم - أن العامل وعمله وصحيفة عمله، كل ذلك يوزن؛ لأن الأحاديث التي في بيان القرآن قد وردت بكل من ذلك، ولا منافاة بينها "
(5)
.
وقال العلامة العثيمين:" وجمع بعض العلماء بين هذه النصوص: بأن الجميع يوزن، أو أن الوزن حقيقة للصحائف، وحيث إنها تثقل وتخف بحسب الأعمال المكتوبة، صار الوزن كأنه للأعمال، وأما وزن صاحب العمل فالمراد به: قدره وحرمته، وهذا جمع حسن"
(6)
.
وقال العلامة ابن باز:"الجمع بين النصوص الواردة في وزن الأعمال والعاملين والصحائف: أنه لا منافاة بينها، فالجميع يوزن ولكن الاعتبار في الثقل والخفة يكون بالعمل نفسه، لا بذات العامل ولا بالصحيفة "
(7)
.
(1)
السفاريني: لوامع الأنوار، مكتبة الخافقين - دمشق، ط 2 - 1402 هـ (2/ 187).
(2)
الشوكاني: فتح القدير، دار ابن كثير - دمشق، ط 1 1414 هـ (2/ 216).
(3)
ابن كثير: تفسير القرن العظيم ت: سامي سلامة (3/ 390)
(4)
ابن أبي العز: شرح الطحاوية، وزارة الأوقاف السعودية، ط 1 1418 هـ، ص (419)
(5)
حافظ الحكمي: مختصر معارج القبول، مكتبة الكوثر - الرياض، ط 5 1418 هـ، ص (251)
(6)
العثيمين: تعليق مختصر على لمعة الاعتقاد، أضواء السلف، ط 3 1415 هـ، ص (121)
(7)
ابن باز: تعليقات على التنبيهات اللطيفة للشيخ السعدي ص (81).
(2)
اختلف العلماء في الميزان، هل هو ميزان واحد أو متعدد؟ على قولين:
القول الأول: أنها موازين متعددة، وهؤلاء قالوا: الجمع إما باعتبار:
- تعدد الميزان لكل أمة.
- أو تعدد الميزان لكل عمل
- أو تعدد الميزان لكل شخص.
واحتجوا بالأدلة التي وردت فيها كلمة الميزان بلفظ الجمع:
قال الله جل وعلا: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء:47].
{فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9)} [القارعة:6 - 9].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «تُوضَعُ الْمَوَازِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُؤْتَى بِالرَّجُلِ، فَيُوضَعُ فِي كِفَّةٍ، فَيُوضَعُ مَا أُحْصِيَ عَلَيْهِ، فَتَمَايَلَ بِهِ الْمِيزَانُ «
(1)
.
وهو الوارد عن الحسن بن أبي الحسن البصري، حيث قال: لكل واحد من المكلفين ميزان
(2)
.
واختار هذا القول الإمام الرازي فقلا: "الأظهر: إثبات موازين في يوم القيامة، لا ميزان واحد، والدليل عليه قول: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ}، وقال: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ}، وعلى هذا: فلا يبعد أن يكون لأفعال القلوب ميزان، ولأفعال الجوارح ميزان، ولما يتعلق بالقول ميزان آخر"، ومال إليه الشيخ محمد الأمين الشنقيطي
(3)
.
القول الثاني: أنه ميزان واحد، وهو الذي عليه الأكثر من أهل العلم.
واحتجوا بالأدلة التي وردت فيها كلمة الميزان بلفظ الإفراد، ومنها:
(1)
أخرجه أحمد في المسند ح (7066)، مؤسسة الرسالة، ط 1 1421 هـ (11/ 637).
(2)
السفاريني: لوامع الأنوار، مكتبة الخافقين - دمشق، ط 2 - 1402 هـ (2/ 186)
(3)
الرازي: مفاتيح الغيب، دار إحياء التراث العربي - بيروت، ط 3 1420 هـ (14/ 203).
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي المِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ، سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ العَظِيمِ»
(1)
.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ شَيْءٍ أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ»
(2)
.
وهذا قول الجمهور
(3)
، وهو أنه ميزان واحد، وأجابوا عن الأدلة التي ورد فيها لفظ الميزان بصيغة الجمع بما يلي:
1 -
قيل: لأن الميزان مشتمل على الكفتين واللسان والعمود، ولا يحصل الوزن إلا باجتماعها، فهو جمع على تعدد أجزاء الموزون
(4)
.
2 -
وقيل: الأصل أنه ميزان عظيم، ولكل عبد فيه ميزان معلق به
(5)
. وهذا لا دليل عليه.
3 -
وقيل: الجمع باعتبار الموزون، فإنه لما كانت أعمال الخلائق توزن وزنة بعد وزنة سميت موازين، فهو جمع على تعدد الأعمال الموزونة
(6)
.
4 -
وقيل: هو جمع تفخيم
(7)
.
5 -
وقد عبر عنها الإمام الزجاج بقوله:" إنما جمع الله الموازين هاهنا فقال: (فمن ثقلت موازينه) ولم يقل: ميزانه لوجهين:
الأول: أن العرب قد توقع لفظ الجمع على الواحد، فيقولون: خرج فلان إلى مكة على البغال.
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الدعوات، باب فضل التسبيح ح (6406)، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الذكر، باب فضل التهليل والتسبيح ح (2694).
(2)
أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب في حسن الخلق ح (4799).
(3)
أبو حيان: البحر المحيط، دار الفكر - بيروت، 1420 هـ، ت: صدقي جميل، ص (6/ 46).
(4)
القرطبي: الجامع لأحكام القرآن: (11/ 293)، البغوي: معالم التنزيل: (2/ 181).
(5)
الثعلبي: الكشف والبيان، دار إحياء التراث - بيروت، ط 1 1422 هـ، (4/ 217).
(6)
ابن الجوزي: زاد (3/ 192)، ابن عطية: المحرر الوجيز، دار الكتب العلمية - بيروت (4/ 85)
(7)
الرازي: مفاتيح الغيب، دار إحياء التراث العربي - بيروت، ط 3 1420 هـ (22/ 149)
والثاني: أن المراد من الموازين هاهنا جمع موزون، لا جمع ميزان، وأراد بالموازين: الأعمال الموزونة"
(1)
.
والأقرب من القولين والأظهر منهما - والعلم عند الله تعالى - هو الثاني وهو أن الميزان واحد، لكنه متعدد باعتبار الموزون
(2)
.
(3)
هل توزن أعمال الكفار أم لا؟
ذكر الإمام ابن تيمية في الواسطية في مبحث الحساب قوله:" وأما الكفار فلا يحاسبون محاسبة من توزن حسناته وسيئاته، فإنه لا حسنات لهم، ولكن تعد أعمالهم فتحصى، فيوقفون عليها، ويقررون بها"
(3)
.
كلام شيخ الإسلام ابن تيمية ظاهر في خلو الكفار من الحسنات، وعليه كيف يحاسبون محاسبة من توزن حسناته وسيئاته؟ إن شيخ الإسلام لا ينفي مطلق الوزن للكفار؛ لأنه صرح في موضع آخر، بأن الكفار توزن سيئاتهم لتظهر خفة موازينهم فقال:" وقد يراد بالحساب: وزن الحسنات بالسيئات ليتبين أيهما أرجح، فالكافر لا حسنات له توزن بسيئاته، إذ أعماله كلها حابطة، وإنما توزن لتظهر خفة موازينه لا لتبين رجحان حسنات له"
(4)
.
وقد استغرب الشيخ محمد رشيد رضا من كلام شيخ الإسلام السابق وأرجعه إلى وقوع السهو من الإمام فقال:" وهو سهو سببه - والله أعلم - ما كان علق بذهنه من هذا القول "، ثم طفق يرد عليه فقال:" وما من كافر إلا له حسنات، ولكن الكفر يحبطها فتكون هباء منثوراً، وهي تحصى مع السيئات وتضبط بالوزن الذي به يظهر مقدار الجزاء وتفاوتهم فيه، واستدلوا على تخفيف العذاب عن الكافر بسبب عمله الصالح بما ورد في الصحيح من التخفيف عن أبي طالب"
(5)
.
وبالنقل السابق عن شيخ الإسلام يظهر مراده.
(1)
الرازي: مفاتيح الغيب، دار إحياء التراث العربي - بيروت، ط 3 1420 هـ (14/ 203)
(2)
انظر: العثيمين: مجموع فتاوى ورسائل العثيمين، دار الوطن، 1413 هـ (4/ 44)
(3)
ابن تيمية: مجموع الفتاوى، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف - المدينة النبوية (3/ 146)
(4)
ابن تيمية: مجموع الفتاوى، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف - المدينة النبوية (4/ 487)
(5)
رشيد رضا: تفسير المنار، الهيئة العامة للكتاب - مصر، 1997 م، (8/ 284)
وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أن أعمال الكافرين لا توزن، واحتجوا بقوله تعالى:
…
وأحد التفسيرين في هذه الآية يدل على المقصود فقيل في معنى قوله تعالى: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105)} أي لا يقام لهم ميزان؛ لأن الميزان إنما يوضع لأهل الحسنات والسيئات من الموحدين؛ لتتميز مقدار الطاعات ومقدار السيئات
(1)
.
قال الإمام القرطبي في معنى هذه الآية: "والمعنى أنهم لا ثواب لهم، وأعمالهم مقابلة بالعذاب، فلا حسنة لهم توزن في موازين القيامة ومن لا حسنة له فهو في النار"
(2)
.
وقال الشيخ الهراس:" والصحيح أن أعمال الخير التي يعملها الكافر يجازي بها في الدنيا فقط حتى إذا جاء يو القيامة وجد صحيفة حسناته بيضاء، وقيل: يخفف بها عنه من عذاب غير الكفر"
(3)
.
وقد أجاب القائلون بوزن أعمال الكافرين عن الاستدلال بهذه الآية: بأن المقصود بأنه تعالى لا يقيم لهم وزناً نافعا. بل ذهب الإمام أبو محمد مكي بن أبي طالب إلى أن هذه الآية تدل على وزن أعمال الكفار فقال: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105)} أي: لا يثقل لهم ميزان بعمل صالح
…
وهذا النص يدل على وزن أعمال الكفار، فلا يثقل بها ميزان إذا كانت لغير الله، وإذ كان لا يصحبها توحيد، ولا إيمان بالرسل
(4)
.
(1)
الزمخشري: الكشاف (2/ 749)، الرازي: مفاتيح الغيب: (21/ 502)
(2)
القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، دار الكتب المصرية - القاهرة، ط 2 - 1384 هـ، (11/ 66)
(3)
محمد هراس: شرح العقيدة الواسطية، دار الهجرة - الخبر، ط 3 1415 هـ، ص (210)
(4)
مكي بن أبي طالب: الهداية إلى بلوغ النهاية (6/ 4480).
واحتج أصحاب هذا القول بالأدلة القرآنية المثبتة حبوط عمل الكافر، ومنها قوله تعالى:
- {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23)} [الفرقان:23]
واحتجوا بقوله عليه الصلاة والسلام: «إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ العَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ القِيَامَةِ، لَا يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ «
(1)
.
وتعقب: بأنه مجاز عن حقارة قدره، ولا يلزم منه عدم الوزن
(2)
.
القول الثاني: أن أعمال الكفار توزن، واحتجوا بقوله جل وعلا:{وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (9)} [الأعراف:9]
وفُسر الظلم في الآية: بالجحود والكفر، قال الإمام البيهقي:" في الآية التي كتبناها دلالة على أن أعمال الكفار توزن، لأنه قال في آية أخرى {بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (9)}، والظلم بآيات الله: الاستهزاء بها وترك الإذعان لها"
(3)
.
وقال الإمام ابن حزم:" فنقطع على الموازين أن توضع يوم القيامة لوزن أعمال العباد، قال تعالى عن الكفار: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105)} [الكهف:105] وليس هذا على أن لا توزن أعمالهم، بل توزن لكن أعماله شائلة وموازينهم خفاف"
(4)
.
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب (أولئك الذين كفروا بآيات ربهم) ح (4729)، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صفات المنافقين ح (2785).
(2)
ابن حجر: فتح الباري، دار المعرفة - بيروت، 1379 هـ (13/ 538).
(3)
البيهقي: شعب الإيمان، مكتبة الرشد - الرياض، ط 1 1423 هـ (1/ 438)
(4)
ابن حزم: الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/ 54)