الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدواوين عند الله عز وجل ثلاثة: فديوان لا يعبأ الله به شيئاً، وديوان لا يترك الله منه شيئاً وديوان لا يغفره الله، فأما الديوان الذي لا يغفره الله فالشرك بالله، وأما الديوان الذي لا يعبأ الله به شيئاً فظلم العبد نفسه، فيما بينه وبين ربه، وأما الديوان الذي لا يترك الله منه شيئاً فظلم العباد بعضهم بعضاً»
(1)
.
يقول العلامة على القاري:" الدواوين: أي صحائف الأعمال"
(2)
.
ومع هذه الدلائل والنصوص، في إثبات نشر الدواوين يوم الدين، إلا أن البعض أنكر ذلك، كما نقل عن الجهم بن صفوان.
يقول العلامة الملطي: " وأنكر جهم {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11)} "
(3)
.
وكذا نُسب إنكار الكتابة والقراءة إلى المعتزلة والروافض
(4)
، ولكن الذي صرّح به القاضي عبد الجبار المعتزلي إثبات نشر الصحف
(5)
.
المسألة الثالثة: كيفية أخذ الكتب يوم القيامة:
أشار القرآن الكريم إلى حالات أخذ الكتب يوم القيامة، وقد جاء تفصيلها في قوله جل وعلا:
{فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19)} [الحاقة:19].
{وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25)} [الحاقة:25].
{وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11)} [الانشقاق:10 - 11].
(1)
أخرجه أحمد في السند ح (26031)، وأخرجه الحاكم في المستدرك (8717) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وتعقبه الذهبي وقال: صدقة ضعفوه وابن ابنوس في جهالة (4/ 619)، وانظر: العراقي: المغني عن حمل الأسفار: ص (135)
(2)
القاري: مرقاة المفاتيح، دار الفكر - بيروت، ط 1 1422 هـ (8/ 3206)
(3)
الملطي: التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع، المكتبة الأزهرية للتراث- مصر،:ص (111)
(4)
البزدوي: أصول الدين، مكتبة الرشد، ط 1 1422 هـ، ص (161)
(5)
القاضي عبد الجبار: شرح الأصول الخمسة، مكتبة وهبة، ط 1 1384 هـ، (736)
فأثبتت هذه الآيات الكريمات صفات الآخذين لصحائف أعمالهم وظاهرها أنها ثلاث صفات، والذي عليه علماء السلف أنها صفتان:
1 -
إما أن يأخذها بيمينه، وهذا للمؤمن.
2 -
وإما أن يأخذها بشماله، وهذا للكافر.
وأما قوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10)} ، فقد قال الإمام مجاهد:"يجعل شماله وراء ظهره فيأخذ كتابه"، وقال الإمام يحى بن سلام:"ثم تُخلع كتفه اليسرى، فتجعل وراء ظهره، ثم يُعطى كتابه بشماله، ويقال له: انطلق إلى أصحابك، فأخبرهم أن لكل إنسان منهم مثل هذا "
(1)
.
وقال الإمام الطبري في الجمع بين الآيات:"وأما من أعطي كتابه منكم أيها الناس يومئذ وراء ظهره، وذلك أن جعل يده اليمنى إلى عنقه، وجعل الشمال من يديه وراء ظهره، فيتناول كتابه بشماله من وراء ظهره، ولذلك وصفهم جل ثناؤه أحياناً أنهم يؤتون كتبهم بشمائلهم، وأحياناً أنهم يؤتونها من وراء ظهورهم "
(2)
.
وقد نقل الإمام القرطبي عن ابن عباس رضي الله عنهما، قوله في معنى هذه الآية:" يمد يده اليمنى ليأخذ كتابه، فيجذبه ملك فيخلع يمينه، فيأخذ كتابه بشماله من وراء ظهره ".
وقال قتادة ومقاتل: يفك ألواح صدره وعظامه، ثم تدخل يده وتخرج من ظهره، فيأخذ كتابه كذلك"
(3)
.
إذن: فلا تنافي بين الآيتين السابقتين، في بيان أخذ الكافر كتابه بشماله ومن وراء ظهر، إذ يظهر من كلام الأئمة السابق ذكرهم وغيرهم:
- أن الكافر تنقل يمناه إلى عنقه، وتجعل يسراه وراء ظهره، فيأخذ بها كتابه
(4)
.
- وذكر بعض أهل العلم خلافاً في المسلم العاصي، هل يأخذ كتابه بيمينه أم بشماله؟
(1)
مجاهد: تفسير مجاهد: ص (714)، يحى بن سلام: تفسير يحى بن سلام: (1/ 122).
(2)
الطبري: جامع البيان، مؤسسة الرسالة، ط 1 1420 هـ، ت: أحمد محمد شاكر، ص (24/ 315)
(3)
القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، دار الكتب المصرية - القاهرة، ط 2 - - 1384 هـ، (19/ 272).
(4)
القرطبي: التذكرة:، ص (622)، السفاريني: لوامع الأنوار: (2/ 182)، الشنقيطي: دفع إبهام الاضطراب: ص (255)، الرازي: مفاتيح الغيب: (31/ 99).
ما ذكره الأئمة رحمهم الله تعالى: أنه يأخذ كتابه بشماله من أمامه والصحيح أن القرآن الكريم قسم الآخذين لكتبهم إلى قسمين: قسم آخذ كتابه بيمينه، وهذا في المؤمن الطائع والعاصي، وقسم آخذ كتابه بشماله من وراء ظهره، وهذا في الكافر.
وقد ذكر بعض العلماء وجهاً في هذه المسألة فقال في قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32)} [فاطر:32]، "السابق الذي يُعطى كتابه بيمينه والمقتصد الذي يعطى كتابه بشماله، والظالم الذي يعطى كتابه وراء ظهره"
(1)
.
وهذا القول فيه نظر؛ لأن أهل هذه الآية كلهم من هذه الأمة، من أهل الذنوب والمعاصي التي هي دون النفاق والشرك، حتى روي عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت حين سئلت عن هذه الآية، كلهم من أهل الجنة وكذا روي عن أبي سعيد رضي الله عنه.
قال الإمام القرطبي: "وممن روي عنه هذا القول عمر، وعثمان، وأبو الدرداء، وابن مسعود، وعقبة بن عامر، وعائشة"
(2)
.
وقال الإمام ابن تيمية:" وهذا التقسيم لأمة محمد صلى الله عليه وسلم"
(3)
؛ لأنهم وارثوا الكتاب بعد الأمم المتقدمة.
(1)
السمرقندي: بحر العلوم، دار الكتب العلمية - بيروت، 2010 م (3/ 108)
(2)
القرطبي: الجامع لأحكام القرآن: (14/ 346)، الماوردي: النكت والعيون: (4/ 474)، ابن الجوزي: زاد المسير: (3/ 511)، السمعاني: تفسير السمعاني: (4/ 358)، ابن كثير: تفسير القرآن العظيم، دار طيبة للنشر والتوزيع، ط 2 - 1420 هـ، ت: سامي سلامة (6/ 547)
(3)
ابن تيمية: الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، مكتبة دار البيان - دمشق: ص (38)