الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثالثة: المنكرون للميزان:
مع توافر الأدلة وتضافرها في إثبات الميزان، إلا أن بعض الناس أنكره، أو أنكر بعض صفاته الواردة في الأحاديث الصحيحة.
وقد حكى الإمام أبو الحسن الأشعري الخلاف بين الإسلاميين في إثبات ا لميزان من عدمه
(1)
.
فمنهم من أنكر الميزان جملة وتفصيلاً، ومنهم من أثبته ثم نفى بعض صفاته ومنهم من أثبته ميزاناً مجرداً عن كل وصف
(2)
. وقد نسب الأئمة إنكار الميزان للجهمية والمعتزلة والخوارج والمرجئة والفلاسفة:
قال الإيجي:" وأما الميزان فأنكره المعتزلة عن آخرهم "
(3)
. وقال ابن ناصر الدين الدمشقي: "وقوم من قدماء المعتزلة يقال لهم: الوزنية، أنكروا الميزان وقالوا: إنما هو العدل، وهو اختيار الجهمية "
(4)
.
وقال الجيلاني:" وقد أنكرت المعتزلة مع المرجئة والخوارج ذلك، فقالت: إن معنى الميزان: العدل دون موازنة الأعمال"
(5)
. وقال الملطي: "وأنكر الجهم الميزان "
(6)
.
ويشار في هذا المقام إلى أن ما نسب إلى المعتزلة من إنكار الميزان، أو تأويله بمعنى العدل، هو خلاف المنقول عن أئمتهم كالقاضي عبد الجبار، فإنه نص في كتابه شرح الأصول الخمسة: على إثبات الميزان، بل وغلا في إثباته، ورد على من يتأوله بمعنى العدل
(7)
.
فربما يكون منقول عن بعضهم، كما نقله ابن ناصر الدين الدمشقي، أو لا تصح النسبة إليهم به.
وللمنكرين للميزان شبهات متهافتة تعلقوا بها، لينفوا ما ثبت بالتواتر من أخبار الميزان، وأكبر هذه الشبه:
* أنه لا فائدة من نصب الميزان إلا وزن الأعمال، وذلك متعذر؛ لأنها إما أن توزن في حال عدمها، أو بعد عدمها، والأول محال جداً، وكذا الثاني محال.
ثم لو قدر إعادة الأعراض المتجددة، فوزنها أيضاً متعذر، وحركه الميزان بها ممتنعة
(8)
.
(1)
الأشعري: مقالات الإسلاميين، المكتبة العصرية، ط 1 1426 هـ، ص (2/ 254).
(2)
انظر: عواجي: الحياة الآخرة، دار لينة- مصر، ط 1 1417 هـ (3/ 1107)
(3)
الإيجي: المواقف، دار الجيل - بيروت، ط 1 1417 هـ (3/ 468).
(4)
ابن ناصر الدين: منهاج السلامة، دار ابن حزم - بيروت، ط 1 1416 هـ، ص (127).
(5)
الجيلاني: الغنية، دار إحياء التراث العربي - بيروت، ط 1 1416 هـ (1/ 72).
(6)
الملطي: التنبيه والرد، المكتبة الأزهرية للتراث -مصر، دون ذكر رقم الطبعة وتأريخها، ص (110).
(7)
عبد الجبار: شرح الأصول الخمسة، مكتبة وهبة، ط 1 1384 هـ، (735).
(8)
الآمدي: غاية المرام، ت: حسن محمود عبد اللطيف، (1/ 302).
وأجيب عن هذه الشبهة بما يلي:
أ. أن إنكار الميزان بناء على إنكار حصول الفائدة، هذا مأخوذ من الأصول الفاسدة التي توجب الغرض في أفعال الله تعالى وهو باطل، وهذا الرد تقلده أئمة الأشاعرة، وهو رد عليل؛ لأنه مبني كذلك على أصلهم الفاسد في نفي الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى، ولزم كلا الفريقين لوازم باطلة.
وأهل السنة والجماعة يثبتون الحكمة والتعليل، ولكنها تتضمن أمرين:
أحدهما: حكمة تعود إلى الله تعالى يحبها ويرضاها، وهذا ما ينفيه المعتزلة.
الثانية: حكمة تعود إلى عباده، وهي نعمه عليهم يفرحون بها ويلتذون في المأمورات والمخلوقات.
ب. قد ذكر العلماء أن لنصب الميزان حكم متعددة، "لولم يكن من الحكمة في وزن الأعمال إلا ظهور عدله سبحانه لجميع عباده، فإنه لا أحد أحب إليه العذر من الله، ومن أجل ذلك أرسل الرسل مبشرين ومنذرين"
(1)
لكفى ومع ذلك ذكر الأئمة أقوالاً واجتهادات في بيان أوجه الحكمة في نصب الميزان، هي مجرد استنباطات، وتبقى حقيقة علم ذلك إلى الله تعالى
(2)
.
فمما قيل في أوجه الحكمة:
- امتحان الخلق بالإيمان بذلك في الدنيا.
- إظهار علامة السعادة الشقاوة يوم القيامة.
- ليعرف العباد مالهم من خير وشر.
- لإقامة الحجة عليهم، وإظهار الإنصاف وقطع المعذرة
(3)
.
(1)
ابن أبي العز: شرح الطحاوية، وزارة الأوقاف السعودية، ط 1 1418 هـ، ص (419).
(2)
عواجي: الحياة الآخرة، دار لينة- مصر، ط 1 1417 هـ (3/ 1157).
(3)
ابن الجوزي: زاد المسير: (2/ 103)، الرازي: مفاتيح الغيب: (14/ 203)، ابن ناصر الدين: منهاج السلامة: ص (119)، أبو حيان: البحر المحيط: تحقيق صدقي جميل، ص (5/ 14)